د.عبدالقادر القيسي
من أهم العوامل التي تؤثر على استقلال المحامين، هو تدخل السلطات العامة في عملهم النقابي مما يهدد استقلالهم النقابي،
ويشكل اعتداء على الحرية النقابية المكفولة دستوريا، والمحاماة، شأنها شأن كافة المهن الحرة، تعتبر مرافق عامة تملك الدولة حق تنظيمها والإشراف عليها عبر قانونها، إلا إن شرط ذلك أن تحترم الحرية النقابية المكفولة بنص الدستور، فإنشاء النقابات كان ولا زال على أساس ديمقراطي طبقا للدستور، وهذا يعني، أن الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة لتكوين نقابة منتخبة انتخابا صحيحا، وإنشاء مجلس نقابة بغير انتخاب، معناه حرمان المحامين من حريتهم الانتخابية؛ وفي هذا اعتداء صارخ على الدستور والحريات الدستورية، وليس له أي سند في الدستور أو القانون، وبعد الاحتلال قضى مجلس الحكم على نقابة المحامين العراقيين واستقلال مهنتهم، حينما اصدر قرارا بحل النقابات وبعدها تم تشكيل لجنة، عبر وزير العدل لإدارة النقابة، وكان ذلك القرار بمثابة الغاء لمهنة المحاماة ونقابة المحامين، فأصبح المحامون بموجب هذا القرار موظفين عموميين تابعين لوزارة العدل وخاضعين لتوجهاتها وأوامرها، وبالتالي أهدر هذا النظام ضمانة هامة من ضمانات استقلال القضاء من خلال إهداره لحق الدفاع، كأحد أقدس حقوق الإنسان، لكن القضاء العراقي تصدى لذلك بقرار تاريخي جريء، واعاد الحق لأصحابه، ولا زالت تحاول الاحزاب والكتل السياسية الهيمنة على مقدرات النقابة وتحديد قياداتها النقابية، وهذا ما لاحظناها في الانتخابات الاخيرة في شهر اذار من عام 2016، وفي ليبيا حدث نفس الشيء.
انتخابات المحامين:
إن طبيعة عمل المحامي وعرف المهنة وتقاليدها هما الدستور الطبيعي الذي يكفل حماية استقلال المحاماة كحق من حقوق الإنسان، وضمانة من ضمانات العدالة، ولاشك أن الوضع الحالي الذي يسود وسط المحامين ترجع المسئولية عنه إلى النقابة الذي لا يجيد بعض قياداتها سوى معرفة السبل لنيل المغانم وتحقيق المكاسب الشخصية، والتنقيب عن سفرة من خلال دعوة او اجتماع او مؤتمر، ولبعضهم ولع كبير في عقد لقاء عبر قناة فضائية يسعدهم بالظهور علي شاشتها، وكأن في ذلك كله آخر أمنياتهم في الحياة، جاهلين ومتجاهلين بالدور والمكانة التي وضعتهم فيها الأقدار، ليحملوا هموم فصيل المحامين المتناثرين في كل أنحاء المدن والقرى والأحياء العراقية، فلم يكن علي المحامين ثمة ذنب أو مسئولية أنهم وضعوا ثقتهم في أناس اعتقدوا انهم خيرون واكتشفوا بمحض الصدفة أنها في غير مكانها بالمرة، وإن كان كذلك فيمكن لومهم علي شيئا واحدا اخطأوا فيه وهم تحت تأثير أشد من تأثير التنويم المغناطيسي الذي يلجأ إليه المجرم في ارتكاب فعلته ألا وهو انسياقهم(بعضهم) بكل جوارحهم وطاقاتهم التي لم يتبقي منها سوى الضعف والازدراء، وراء قادة المحامين الذين أثبت بعضهم علي مر أيام قليلة أنهم مجرد محامين مغمورين تُعبر مسيرتهم المهنية عن ضعف قانوني كبير وتيه مهني اكبر في التعبير عن إرادة المحامين، ويمتلكون الحماسة الفائقة في تحقيق مصالحهم الشخصية فقط، عبر الانبطاح والخضوع لإرادات لا تمثل جماهيرهم من المحامين، مع الهرلولة مع اتجاهات وتيارات بعيدة عن ميولهم الدينية والعشائرية، لكن صوت المكاسب وقرقعة الدولار عالية جدا، شانهم في ذلك شان السياسيين، وهم عادة يملئون حيز مكانتهم ولا يملؤون المكان بأكمله، ينساقون وراء مكاسبهم وامتيازاتهم ورواتبهم ضاربين امال من أيدهم من المحامين عرض الحائط، ومنهم من لم ينصف رئيس غرفته او يفكر حتى بالاتصال به عندما تعرض لاتهام باطل، فهل هؤلاء سيكونون اهلا للمسؤولية؟ نتمنى ان نكون مخطئين ونلتمس لهم العذر لأنهم اخوة لنا، والواقع العملي يشير انهم لن ولم يضيفوا للمشهد المهني أي إضافة ولو ضئيلة يمكن أن تشفع لهم أخطائهم التي اعتبرها المحامون أنها سقطات عابرة في بداية الأمر، ولكن تبين أنها سمة جديدة من المفروض إضافتها للخصائص التي يتمتع بها أي قائد(سياسي او مهني او قبلي عراقي) وهي قدرته على نيل المكاسب والمغانم والانفراد بالخطأ والتخلي عن الهوية الوطنية والمهنية والتمادي فيه لدرجة الغرق غير محتمل النجاة منه.
المثير للتساؤل أن بعض القيادات المهنية النقابية، ما زالوا يرددون ويصرون على صحة الخطوات التي قاموا بها، وكأنهم يعيشون في زمن وبلد وظروف غير التي يعاني منها المحامون، فهذه المكابرة والعناد المستمرين أودي بهم وبالمحامين خطوات طوال إلى الوراء، وأدخلتهم في كابوس لا يقدرون على الإفاقة منه إلا بوقوف العناية الإلهية متمثلة في معجزة جديدة من معجزات عصر الأنبياء والمرسلين الذي ولي وانتهي بعد خاتم المرسلين محمد (ص)، مما يستحيل معه إصلاح الحال وإعادته إلى ما كان عليه.
الشيء المؤسف الذي يحرك ضمير الكافر قبل العابد؛ هي الأجواء الانتخابية الاخيرة الملوثة بطريقة قاسية وهابطة وغير مهنية في كثير من صفحاتها، والمؤسف كثيرا، ان هذه الانتخابات خلت من أي عضو مجلس لمحافظات كبيرة بسكانها ومحاميها، بسبب تكالب مرشحيها وتصارع الارادات وتشتت الجهود وظهور طائفة من المحامين تثقف وتطبل وتزمر وتؤيد مرشحين لا يمثلون 5% من طموحات محامي هذه المحافظات، لكنه مرض تغيير الولاءات اصبح مرض معدي واصبح سمة بارزة وماركة مسجلة لمثل هؤلاء المحامين، غير متناسين تأثير ما سبقه من ويلات النزوح وداعش في ذلك، وساهمت النقابة في تفاقم الأجواء السلبية في الانتخابات سواء بقصد أو بدون قصد، وأبرز الصور التي لوثت الأجواء الانتخابية كانت:
الف-استخدم البعض من المرشحين بوابة المليشيات والأحزاب الإسلامية التي لم يرى منها المواطن الا الفساد والدمار.
باء- اتخذ بعض المرشحين عنوان المرجعية الرشيدة كبطاقة مرور للمحام الناخب.
جيم- تعكز بعض المرشحين على بوابة الحشد الشعبي لأجل استمالة شريحة من المحامين.
دال- اعتبر بعض المرشحين النظام السوري والمليشيات التي تقاتل معه في سوريا كبطاقة رابحة لكسب أصوات المحامين.
هاء- عمل بعض المرشحين بحماسة فائقة على مسح عقول بعض المحامين الشباب فقط؛ بإنجازاته الوهمية من خلال منشورات وكليبات لا تسمن ولا تغني عن جوع، وكانت موجهة للمحامين الشباب وبخاصة منهم دورات توسيع الصلاحية.
واو- بعض المرشحين لم يتوانى في استخدام المال وتوظيفه لكسب الأصوات واستخدام كافة مظاهر الترغيب والمباهاة بكافة مناحيها لكسب ود المحامين، ومنهم من سخر مجاميع تابعة لهم قريبة من مكان ممارسة الناخب انتخابه، للتأثير في إرادة الناخبين، وادى الى حدوث مشكلة وفوضى مما أدى الى مغادرة الهيئة القضائية مكانها لولا تدخل السيد النقيب واعادتها لمكانها.
ولاريب في أن غالبية المرشحين، كانت صورهم وهيئاتهم قد تم الاعتناء بها بطريقة تثير الانتباه والاستغراب والدهشة؛ فروابط العنق الحمراء والزرقاء والصفراء، والرؤوس المصبوغة بالأسود، والبدلات الباهظة الثمن وعمليات التجميل الواضحة، والسيارات الفارهة باتت رمزا للمرشح لانتخابات نقابة المحامين العراقيين.
وكل هذه الصور وغيرها كانت لا تصلح الا فولكلورا سياسيا بعيدا من ان يكون عرسا انتخابيا شفافا، لكن هذه الصور لم تفلح الا في محاكاة غالب عقول المحامين الجدد وهم اكثرية الناخبين، وليس نخبها ونبلائها وصفوتها وشيوخها، لان هذه العناوين والمسميات لا تأتلف ولا تنسجم ولا تتسق مع توجهاتهم المهنية والقانونية، ولن تغرر بهم نهائيا، والمساهمين في تفاقم هذه الممارسات القذرة وسيادة هذه الأجواء لم تأخذهم أي ذرة رحمة أو شفقة علي حياة الصفوف الخلفية من المحامين(بخاصة القدامى منهم) بصورة عامة والمحامين التابعين لهم بكل ولاء وعطاء، ووصل الحد في بعضها لحد الجلوس عن العمل والتفرغ للنضال على أمل دفع بعض العناصر التي يعتقد انها كفؤة لمنصة القيادة المهنية النقابية، لنيل أي مكسب مهني قد يراه هو ومن معه انه يحفظ لهم ماء الوجه أمام المحامين وعامة الشعب بخاصة أفراد أسرهم قبل موكليهم، ان مشرط الطبيب الأرعن(بطاقة الانتخاب غير المهنية)التي وضعها المحام في صندوق الانتخاب، سيطرت عليها غالبا الاهواء والامزجة والميول الطائفية وغلفتها الدوافع الشخصية بعيدا عن ملكة العقل والترجيح والتصويب، وهذه البطاقة او هذا المشرط حمل في طياته بعض المحامين المغمورين؛ ليسوا ممن يتمتعون بالمؤهلات المهنية والقانونية المطلوبة لقيادة دفة القيادة النقابية، وبعضهم لا تعرفهم المحاكم لضعف ممارساتهم وبعضهم لا تعرفهم الا محكمة او محكمتين في بغداد والله في عون النقيب واخرين، ممن يحملون مؤهلات مهنية وحاملين لواء المهنة وهيبتها، لكن سمفونية انتخابات النقابة كانت معزوفتها صاخبة وفوضوية وشاخصة في المشهد النقابي وهشمت شفافية الانتخابات عبر صندوق الانتخابات، وهو من حسم شفافية وفوضوية هذه السموفنية، في ظل حضور فعال من المحامين الشباب الجدد وخصوصا محامي دورات توسيع الصلاحية، وعزوف كبير من محامين عديدين بخاصة شيوخ ونبلاء المهنة، وهذا واضح من اعداد المحامين الذين شاركوا بالانتخابات فان اعدادهم لم تتجاوز 12 عشر الف من مجموع مائة وعشرون، أي لم تبلغ حتى الربع القانوني المفترض حضوره لإتمام الانتخابات.
وهذه البطاقة غير المهنية أصبحت، مشرط بيد جراح ماهر لم يرحم فقطع كل الأوردة والشرايين، في جسد هامد لا يقدر على النهوض، وهو طبيعي لان قسم كبير من المحامين الشباب والجدد لا يمتلكون الرؤية الثاقبة ولا يستطيعون ان يرسموا الصورة الحقيقية للمشهد المهني، وتحديد القيادات المهنية المؤهلة لقيادة النقابة، والغريب أن هذا الجراح الماهر لم يستجيب لغيره ويترك أدواته المزاقة وكأنه ينتوي تشريح باقي أعضاء الجسد بعد أن أصبح لا حول له ولا قوة، هذا ما جري بالضبط مع المحامين ونقابتهم أيضا.
وتمنياتي للمرشحين(نقيبا وأعضاء) الذين فازوا بشرف وكفاءة ومقدرة بالموفقية وهم كثر واخوة لنا واعزاء، والكل يراهم ستكون لهم إضافة وتطوير ولمسة في تعزيز هيبة ووقار مهنة المحاماة.
1213 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع