د. صبحي ناظم توفيق
"عميد ركن متقاعد- دكتوراه في التأريخ"
طوال تأريخها منذ قرون دأبت الأمم المتحضّرة إلى إستحضار شعوبها تحت ظلال مسمّيات متنوّعة لتُشارك قوّاتها المسلّحة وأجهزتها الأمنية إبتغاء الدفاع عن أوطانها أو للحفاظ على وحدة أراضيها حيال أخطار قد تأتي من خارج حدودها أو بالمشاركة في درء الطوارئ ومصائب الكوارث الطبيعية.
و"العراق الحديث" لم يتاخر في عهده المَلَكيّ وأبّان بناء دولته المعاصرة في هذا الشأن فحسب بل كان بحقّ أوّل الأقطار العربية والإسلامية التي أقدَمَت على هذه الخطوة الجريئة في أواسط عقد الثلاثينيّات من القرن العشرين وبعد أقلّ من سنتَين على إستحصاله لإستقلالَه وسيادَتَه وقُبولَه عضواً في "عُصبة الأمم" حين شُرِّعَ "قانون الدفاع الوطني" الرقم (9) بتأريخ 12 شباط 1934، والذي ألزَمَ كلّ مواطن عراقيّ أكمل التاسعة عشرة من عمره ليتعلّم الضبط والربط وفنون القتال وإستخدام السلاح بمراكز التدريب ليؤدّي خدمة في وحدات جيشه الوطنيّ لفترة محدّدة، ذلك القانون الذي عُدَّ نقطة تحوّل في تأريخ بلدنا وجيشه واضعاً خاتمةً حاسمةً لمناقشات ساخنة إستغرقت أشهراً عديدة في أروقة "مجلس الأمّة العراقي" بين الوطنيّين وقادة الجيش من ناحية وبين مناوئين لسائرين في ركاب البريطانيّين وبعثتهم العسكرية المرابطة في العراق والذين ظلّوا يقاومون فكرة التجنيد الإلزامي في جميع أعوام الإنتداب (1920-1932) وبُعَيدَه تحت ذرائع شتّى كي يُبقوا على هذا الوطن مُستَضعَفاً ومُحتاجاً لحماية الأجنبيّ.
وممّا لا رَيبَ فيه أنّ عراقنا الجديد يمرّ بظروف قد تكون مشابهة لما كُنّا عليه أواسط الثلاثينيّات، وكأن التأريخ يُعيد ذاته، لذلك فإستحضاراتنا لأسوأ الإحتمالات بات وُجوباً كي نستعدّ ونقذف على كاهلنا كامل مسؤوليّات الدفاع عن حدودنا ومدننا وأعراضنا وحياضنا حيث ينبغي أن نخطو سراعاً نحو تشريع قانون تحت أيّ مسمّىً بغية إستجلاب القادرين على حمل السلاح كي يتدرّبوا أو يعودوا إلى صفوف القوات المسلّحة ليتهيّأوا لخدمة راية العراق من خلال إنخراطهم بالعمل وسط وحدات عسكرية وشبه عسكرية تجعلهم رجالاً مقتدرين على تحمّل المخاطر والأتعاب والذَود بالأرواح والأجساد في سبيل الوطن والأهل.
أن سنّ قانون جديد للخدمة الإلزامية سيحقق - بما لا يقبل الظنّ- الفوائد الآتية:-
1.خلق أجيال من اليافعين المدرَّبين على الصعاب والمُبتَعِدين عن المُيوعة يعتمدون على الذات في تدبير الحياة خارج أحضان أمّهاتهم وأفراد العائلة.
2.تشكيل مَعين إستراتيجيّ لجميع صنوف القوات المسلّحة الأساسية من رجال جاهزين ومستعدين لتشكيل وحدات إحتياط عسكرية مختلفة فور إحتياج الوطن إليهم بأيّ ظرف، والتعويض عن النواقص البشرية التي تحصل بصفوفها في ظروف الحرب والطوارئ.
3.شحن شبّان العراق من جميع الأعراق والمذاهب والأديان بالروح المعنوية والوطنية.
4.تذويب جميع طبقات المجتمع في بوتَقة واحدة بإختلاط البعض بالآخر وتكوين صداقات فيما بينهم إبتغاء إنسجامهم وتماسكهم وتواؤمهم.
5.تثقيف أجيال متلاحقة وتخريج شبّان يمتهنون صنائع وحِرَفاً متنوّعة تفيدهم في شقّ حياتهم اليومية مستقبلاً بعد إنهائهم لخدمتهم الإلزامية فيساهمون في الحدّ من البطالة والإعتماد على العائلة.
6.رفع أعباء مالية عن كاهل ميزانية الدولة من جراء فروقات رواتب المتطوّعين ومخصّصاتهم وبين التي تُدفَع للمجنّدين من جهة وتقليص الأعداد المُتخَمة من الوحدات والتشكيلات في الظروف الإعتيادية من جهة أخرى، إذْ يمكن توظيف تلك الفروقات لتأليف وحدات عسكرية أساسية جديدة وتجهيز أُخرَيات بأسلحة أحدث ومعدّات أفضل، أو إفراز جزء من تلك المبالغ لتنمية الوطن ومشاريع عمرانه.
7.مسايرة جميع أقطار العالم المتحضّر قاطبةً، إذْ لا توجد دولة على وجه اليابسة لا تتّبع "خدمة العَلَم" مع إختلاف في الوسائل والطُرُق والفترات.
وقد يكون هناك مُعارضون لمشروع هكذا قانون من حيث المبدأ وخصوصاً من لدن أولئك الذين يدعون ضرورة الإحتفاظ بجيش متطوّع ليس إلاّ مرتكزين على مبدأ الحياد مع الجِوار والمنطقة وكسب صداقات الجميع من دون إستثناء مفترضين أن لا يكون للعراق عدوّ ولا خصم!!! أو أن البعض يتعاكس حيال هذا القانون لأسباب قد يُعلنها صراحةً أو يكتمها لأغراض معيّنة في أعماقه مثلما حدث في برلمان أواسط الثلاثينيات... ولكن الوطنيّ الغَيور على عراقنا وسمائه وأرضه ومياهه في يومنا هذا ينبغي أن لا يُعيق مثل هذا الأمر، ففضلاً عن مخاطر مُقارِبة لما كان عليه حال العراق والجوار والمنطقة وبعض العالم قبل (8) عقود من يومنا هذا فإن الذين قد يتسبّبون في عدم تحقيق هذا المشروع سوف يندمون على الوطن والأهل ومستقبله يوم لا يفيد الندم.
الگاردينيا:نرحب بالدكتور ناظم صبحي ..انه شخصية وطنية معروفة وأكاديمي مرموق ، يسعدنا بوجوده في حدائقنا..
375 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع