د. منار الشوربجي
في المؤتمر السنوي لإيباك هذا العام، مزايدات وتطرف واعتذار وتجاهل. فالمؤتمر السنوي للجنة العامة للشؤون الأميركية الإسرائيلية، المعروفة اختصاراً باسم إيباك، أقوى منظمات لوبي إسرائيل في واشنطن، عادة ما يشهد مزايدات من جانب السياسيين الأميركيين الذين تدعوهم المنظمة لإلقاء كلمة في المؤتمر.
والعام الحالي ليس استثناء من القاعدة. فمرشحو الرئاسة الأميركية تباروا فيما بينهم في تأكيد دعمهم لإسرائيل.
فتيد كروز المعروف بانتمائه لليمين الأصولي المسيحي الذي يدعم إسرائيل بشدة على أسس دينية تقوم على تفسيرات بعينها للنصوص المقدسة، انتقد ترامب لأنه نطق كلمة «فلسطين»، في خطابه أمام إيباك.
وهي كلمة يرفضها الكثير من عتاة دعم إسرائيل قائلاً عن ترامب الذي ألقى كلمته قبله مباشرة «لعلني أفاجئ المتحدث السابق بأن أقول إن فلسطين ليست موجودة منذ 1948»! وكروز تعهد، مثل ترامب، بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس وأنهى خطابه بالحديث باللغة العبرية قائلاً «يحيا شعب إسرائيل».
لكن ترامب الذي انتقده كروز لم يكن أقل تطرفاً بطبيعة الحال. فهو اتخذ موقفاً عدائياً من الأمم المتحدة التي وصفها بأنها «ليست صديقة» لأميركا وإسرائيل، رافضاً أي «اتفاق تفرضه الأمم المتحدة» بخصوص القضية الفلسطينية.
وتعهد بأن تضع رئاسته لأميركا «منذ اليوم الأول نهاية لمعاملة إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية»، ووضع شروطاً لأية عملية تسوية يقع تنفيذها كلها على الجانب الفلسطيني بينما لم يطالب إسرائيل بأي شيء.
لكن خطاب ترامب استوجب اعتذاراً رسمياً اضطرت إيباك أن توجهه للرئيس الأميركي. فحين ذكر ترامب أن أوباما في عامه الأخير في الحكم، ضجت القاعة بالتصفيق والترحيب.
ثم قال ترامب إن أوباما «ربما يكون أسوأ ما حدث لإسرائيل» وهو ما استتبعه مزيد من التصفيق، الأمر الذي أثار انتقاد دوائر مختلفة، اضطرت بعده إيباك أن توجه اعتذاراً لأوباما ليس على ما قاله ترامب وإنما على رد فعل القاعة.
فقد قالت ليليان بينكاس الرئيس الجديد لإيباك، «رغم اختلافنا حول السياسات إلا أننا نكن عميق الاحترام لرئيس الولايات المتحدة ولرئيسنا باراك أوباما» ثم اعتذرت لبعض الذين حضروا مؤتمر إيباك ورفضوا ما قاله ترامب بقولها «يوجد في عائلة إيباك من تضرر بعمق.. ونحن آسفون لذلك» وأضافت أن المنظمة شعرت بالإهانة إزاء الهجوم على رئيس الولايات المتحدة «من على منصتنا».
لكن التطرف في المواقف سواء من المنصة أو من القاعة لم يقف عند ذلك الحد. فهيلاري كلينتون لم تكن أقل تشدداً من زملائها الجمهوريين. فهي التي قدمت مشروعاً متكاملاً لطبيعة العلاقة مع إسرائيل إذا ما تولت الرئاسة كان أكثر تفصيلاً بكثير من زملائها الجمهوريين.
فهي تعهدت بنقل العلاقات الأميركية الإسرائيلية لمستوى جديد دعت فيه لإنجاز «مذكرة تفاهم عسكرية» بأسرع ما يمكن لتتعامل مع متطلبات أمن إسرائيل خلال السنوات العشر المقبلة. وهي تعهدت بتقديم «الأكثر تقدماً من التكنولوجيا العسكرية» لإسرائيل من أجل «ردع ووقف أية تهديدات، بما في ذلك دعم نظم الدفاع الصاروخي الإسرائيلي».
وفضلاً عن التعهد بلقاء نتنياهو في أول شهر لها في منصب الرئاسة، تعهدت كلينتون «بإرسال وفد من البنتاجون ورئاسة الأركان الأميركية» في التوقيت نفسه «للتشاور المبكر».
لكن لعل الأكثر تطرفاً بين كل ما قالته كلينتون هو مساواتها، مثل تيد كروز، بين العداء للسامية، كموقف عنصري ضد اليهود، وبين مناهضة الصهيونية التي هي أيديولوجية، ومناهضة الاحتلال والضغط على إسرائيل لإنهائه. فهي تعهدت بالوقوف ضد الحملة العالمية السلمية لمقاطعة إسرائيل والتي تهدف للضغط عليها لإنهاء الاحتلال.
وقد تكفل بالرد على هيلاري كلينتون عدد من رموز اليهود الأميركيين الليبراليين الذين رفضوا اعتبار مناهضة الاحتلال وانتقاد إسرائيل والدعوة لإنهاء الاحتلال مساوياً للعداء للسامية. فقالت مثلاً ربيكا فيلكومرسن، رئيسة منظمة «أصوات يهودية من أجل السلام»، إن ذلك النوع من الخطاب يعتمد على «توجهات العنصرية والإسلاموفوبيا لتبرير الدعم غير المشروط لإسرائيل».
أما المفارقة الأهم في مؤتمر إيباك، فكانت أن التجاهل كان من نصيب المرشح الرئاسي الوحيد الذي عانت أسرته من جريمة الهولوكست، برني ساندرز! فإيباك دعت ساندرز مثلما دعت غيره من المرشحين. لكن نظراً لارتباطات انتخابية، اعتذر الرجل واقترح أن يتحدث للمؤتمر عبر الأقمار الصناعية، فرفضت المنظمة.
لذلك، غاب ساندرز، ولكنه ألقى من مدينة سولت ليك الخطاب الذي كان قد أعده لمؤتمر إيباك، فكان الأكثر توازناً على الإطلاق. فساندرز، الذي ينحدر من أصول بولندية هربت لأميركا من الاضطهاد الذي عاناه اليهود لم يكن في حاجة للمزايدة
. فبينما راحت هيلاري كلينتون تؤكد أن أميركا «لا يمكنها أبداً أن تكون محايدة» بخصوص إسرائيل، فإن ساندرز كان المرشح الوحيد الذي قال بوضوح إن الولايات المتحدة حتى تنجح في إنجاز تسوية فلسطينية إسرائيلية لا بد أن تكون صديقة أيضاً للفلسطينيين «وليس فقط صديقة لإسرائيل».
715 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع