د. منار الشوربجي
دفاع دونالد ترامب عن مدير حملته الذي ألقت السلطات الأميركية القبض عليه بتهمة ضرب صحفية كان دليلاً إضافياً على حجم الأزمة الكبرى التى تعيشها أميركا هذه الأيام. فرغم وجود شريط فيديو تناقلته المواقع المختلفة يمثل دليلاً على ما قام به مسؤول الحملة ضد الصحفية إلا أن ترامب رفض أن يعتذر أو أن يقيل مدير الحملة.
لذلك، لعل الأهم على الإطلاق من أحداث الحملة الانتخابية الأسبوع الماضي كان نشر ذلك الخطاب المفتوح الذي كتبته مسؤولة الاتصالات في حملة ترامب بعد أن استقالت من منصبها ووجهته إلى الجمهور المؤيد للمرشح. فهو خطاب يكشف الكثير عن طبيعة الحملة وخفاياها.
فستيفاني سيجيلسكي، التي استقالت احتجاجاً على ما قاله ترامب عقب تفجيرات باكستان من أنه «الوحيد القادر على الحل» بخصوص مثل هذه العمليات الإرهابية، قالت إن ترامب ليس مستعداً لمنصب الرئاسة ولا يعرف شيئاً عن القضايا وشعار حملته منقول من مسلسل تليفزيوني شهير ثم أن حملته نفسها لم تكن تهدف للوصول لمنصب الرئاسة، وأن أقرب مساعديه إليه لم يتوقعوا أبداً أن يحقق ما حققه من نجاح حتى الآن! الأهم من ذلك كله أن مسؤولة الحملة المستقيلة كتبت الخطاب أصلاً لتدعو مؤيدي ترامب للتوقف عن تأييده.
فقد حكت سيجيلسكي كيف انضمت لحملة ترامب. فقالت إن الحملة سعت لضمها نظراً لخبرتها في مجال السياسات العامة والاتصالات، وأنها حضرت قبل عام جلسة للحملة في برج ترامب «حيث قيل لي» إن الهدف هو أن يأتي دونالد ترامب «في المركز الثاني من حيث عدد المندوبين،«وكان هذا هو كل ما في الأمر، كانت الفكرة أن يكون مرشحاً احتجاجياً... والآن أعترف بالمسؤولية عن المساهمة في صناعة هذا الوحش، وأسعى للتواصل المباشر مع الناخبين»، وقد شرحت صاحبة الخطاب أن فكرة «المرشح الاحتجاجي» راقت لها حين بدأت عملها مع الحملة لأنها مثل الكثيرين كانت تشعر بالغضب إزاء الكثير مما يحدث في بلادها. لكنها بدأت تستيقظ أخيراً على ما أثار قلقها.
فهي قالت إن ترامب«بالتأكيد لم يكن مستعداً وليست لديه المؤهلات ليصل للبيت الأبيض» لكن العامل الحاكم الآن هو صوت الأنا بداخله. فهو «لا يفشل ولا يخطئ» في نظر نفسه. وأقول مجدداً ترامب لم ينوِ أبداً أن يفوز بترشيح الحزب ولكن ذاته المتضخمة صارت خارج السيطرة الآن. وأنت إذا كنت من مؤيدي ترامب، يمكنك أن تقدم له أكبر هدية بأن تتوقف عن تأييده. وإذا كنت من الذين يريدون مرشحاً يكون بمثابة صوتك، فإنني أود الحديث إليك بشكل مباشر. فترامب لن يكون صوتك. صوت ترامب سيكون لترامب وحده».
أما الشعار المتعارف عليه داخل حملته، فقالت سيجيلسكي أنه يأتي من المسلسل الشهير «الجناح الغربي» الذى يدور داخل البيت الأبيض لرئيس اسمه «بارتلت». ففي المسلسل، رأى الفريق المساعد للرئيس «بارتلت» حين ترشح في الانتخابات أنه ينبغي أن يكون على طبيعته، أي لا يلقنه أحد ما يقول. فكان الشعار فى المسلسل أن «يكون بارتلت هو بارتلت». فما كان من حملة ترامب إلا أن اقتبست الفكرة وقررت أن «يكون ترامب هو ترامب» بلا رتوش!
لكن أهم ما قالته سيجيلسكي هو أنها كشفت من داخل الحملة عن أن الرجل جاهل بالقضايا الداخلية والخارجية ولا يريد أصلاً الحديث عن تلك القضايا، وأنها ظلت على مدار الشهور الستة الأخيرة تنتظر أن يتطرق لتلك القضايا دون جدوى. وأضافت إنه يرفض تحمل المسؤولية عن أى خطأ ويلصقه فوراً بمساعديه، رغم أنه يدير كل صغيرة وكبيرة بالحملة. واختتمت سيجيلسكي خطابها بالتأكيد على أنه رغم أن ترامب لا يكف عن ترديد مقولته أنه «الأفضل» فى هذا أو ذاك، إلا أنه لن يكون الأفضل إلا في «رعاية مصالح ترامب» وحده لا الولايات المتحدة.
قرأت الخطاب المفتوح وتذكرت ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أن حملة الانتخابات الرئاسية صارت تمثل «إحراجاً» لبلاده حول العالم. فوجدت أن الأخطر من الإحراج الدولي، هو أن بلاده مقدمة على أزمة حقيقية. فترامب ليس وحده الخطر، وإنما محاولات القضاء على فرصه كمرشح من داخل الحزب الجمهوري لا تقل خطورة، خصوصاً أن تصريحات ترامب اللامسؤولة حول ذلك الاحتمال هددت بالعنف من جانب مؤيديه.
لكن محاولات الحزب الجمهوري تلك اكتسبت قوة إضافية حين أعلن ترامب في نهاية الأسبوع سحب تعهده السابق للحزب بأن يؤيد المرشح الذي يفوز بالترشيح، مما يحرر الحزب نفسه من أي التزام تجاهه.
لكن تلك ليست الأزمة الوحيدة، فصعود تيد كروز لترشيح الحزب يعطي شرعية للمواقف نفسها التى تمثل «إحراجاً» لأميركا. أما الأزمة الأكبر فهي أن الحزب الجمهوري، أحد الحزبين الكبيرين في أميركا لم يعد مؤهلاً للحكم، والحزب الثاني، الديمقراطي، صار يواجه فجوة بين قياداته وقاعدته الانتخابية.
728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع