المنشق عن أخلاقيات الحرب

                                    

       بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط *

      

      

ظهرت في الفترة الأخيرة رواية غير معروفة للكاتب والروائي الألماني زيجفريد لنس 2014 - 1926، بعنوان " المنشق " والتي كتبت في العام 1951، حيث أبقى الكاتب زيجفريد لنس روايته المنجزة طي الكتمان لمدة أكثر من نصف قرن حتى وفاته.

وقد تم طرحها في الأسواق في العاشر من آذار الماضي، أي بعد خمسة وستين عاماً، وذلك ما أعلنت عنه دار نشر هوفمان- كامب في مدينة هامبورغ، وقالت المتحدثة باسم دار النشر يوم الخميس الموافق الحادية عشرة من شباط الماضي، بأنه تم العثور على الرواية في الوثائق الشخصية التي أودعها في مؤسسة أرشيف الأدب الألماني في مدينة مارباخ الواقعة في ولاية بادن فوتمبرغ. وتعد صحيفة الداس بلد أول الصحف التي تناولت ذلك الخبر. وقد سبق للمؤلف ان وافق خلال أحدى زيارته لمدينة مارباخ في نيسان 2014، على ان تحتفظ تلك المؤسسة العريقة بأرشيفه الشخصي. والروائي لنس يعد واحداً من أهم كتاب ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح جزءا من " جماعة 47 " التي تشكلت ما بعد الحرب، وقد ضمت أسماء الكثير من الكتاب الذين كانوا ما زالوا في بداية طريقهم الأدبي آنذاك، ومنهم هاينريش بول، وغونترغراس، وانغريد باخمان، وبيتر فايس وآخرون. ومعظم كتاباته تعالج موضوعة الحرب وتداعياتها القاسية؛ وفلسفته تجنح إلى السلم والتعايش الإنساني بين الشعوب كافة وترفض كل أشكال الحروب، حيث توفي بعد ستة شهور من تسليمه للوثائق وتحديداً في السابع من تشرين الأول العام 2014 عن عمر ناهز 88 عاماً في هامبورغ. وقال وزير الخارجية فرنك فالتر شتاينماير في بيان نعيه للكاتب: " جزء من ألمانيا مات اليوم مع زيجفريد لنس"، وأضاف أيضاً " لم يستطع أحد أن يتابع المجتمع الألماني ويصيغه في أعماله مثلما فعل زيجفريد لنس". وسٌيسلط الاهتمام على تلك الرواية في احدى معارض دار النشر هوفمان- كامب في نيسان الجاري، و" المنشق " على الرغم من إتمام كتابتها وتنقيحها إلا أنها لم تنشر يومذاك بسبب ثيمتها المعارضة للنظام والتي تناولت موضوعات جنون الحرب وعبثيتها، والصراع  ما بين الواجب والضمير، والتشظي بين الفعل والشعور بالذنب؛ لكنها أيضاً قصة عشق ووفاء لمدينة الكاتب ماسوريان. وتدور أحداث الرواية حول خبرات فرقة من الجيش الألماني بعد أن تشتت على الجبهة الشرقية أثناء الحرب العالمية الثانية. بطل الرواية فالتر بروسكا، دمرت وحدته في هجوم من جانب محاربي المقاومة البولندية، فيقوم جراء هذا باختراق طريقه إلى فرقة صغيرة من الجنود الألمان، تتكرر المناوشات مع الثوار تسفر عن ضحايا من الجانبين، ومع حرارة الصيف القاسية، وصعوبة الحياة وأسراب الناموس، وعبثية الحرب تمزق أعصاب الرجال.
ويرى فالتر، والقارئ معه النتيجة: في نهاية المطاف، في الثلث الأخير من الرواية، يتغير فالتر ويصبح " منشقاً "، جنبا إلى جنب مع فولفجافج. وفي الفصول النهائية يعلم القارئ أن فالتر يعمل بعد الحرب في منطقة الاحتلال السوفيتي. ولكن بعد أن يكتشف النظام القمعي السوفيتي وفي ألمانيا الشرقية يفر إلى الغرب.    
وعلى الرغم من  كل هذه المدة التي مضت على الرواية ومن إزالة موانع النشر إلا أن المؤلف لم يرد أن ينشرها بعد أن قامت دار النشر من سحبها عام 1951، وكان حسب طلب تقدم به الناشر إلى لنس على استعداد لإدخال بعض التغييرات على الرواية ولكنه لم يوافق على إجراء  أي تعديلات تمس سياق الثيمة المركزية للرواية، في محاولة من الناشر بإصدار رواية أخرى تكون مقبولة من قبل النظام لاتحتمل هذا القدر الكبير من انتقاد الحرب كما جاء في رواية " المنشق ". يقول لنس :" أود أن أقول لكم بكل هدوء وروية أنني لااستطيع كتابة الرواية التي تطلبونها. أنني لن أكتبها لأنني ليس بوسعي كتابتها." لقد كان رد فعل لنس واضحاً لايحمل التأويل، ولذا سحب مخطوط الرواية وظلت محفوظة في تركته حتى وفاته في السابع من تشرين الأول 2014. ورغم ذلك لم تظهر الى النور إلا الآن. و قد نصت أحدى رسائل دار النشر الموجهة الى لنس في العام 1952 بما يلي : " أضنُ ان المسالة خطيرة للغاية، من نشر تلك الرواية في ظل الوضع الراهن ستكون عرضة لمراقبة مشددة، فالرواية تمس الرأي العام ". وهذا ما جعل المؤلف يتركها كل هذه المدة في طي النسيان، وكأنه يستشرف نشرها مستقبلاً بيد أناس آخرين وهذا ما حصل بالفعل اليوم حين تبنت دار نشر معروفة عن مسؤوليتها من طرح الرواية في الأسواق.
والكاتب من مواليد 1926 ينحدر من منطقة ماسوريان في بروسيا الشرقية شمال بولندا بمدينة لوك التي تسمى حاليا إيلك حيث كانت تتبع آنذاك ألمانيا، وقد منح فخريا شهادة الجنسية الألمانية من هامبورغ ومسقط رأسه، وكان والده موظفا بالكمارك. التحق لنس بعد أتمامه المرحلة الثانوية عام 1943 بسلاح البحرية الألمانية، واشترك في الحرب العالمية الثانية، لكنه هرب إلى الدنمارك قبل نهاية الحرب بقليل ووقع أسيرا في يد القوات البريطانية، ومن ثم أطلق سراحه في العام 1945 وعاد إلى هامبورغ ليدرس هناك الفلسفة والأدب الانكليزي، وفي العام 1950 - 1951 عمل محرراً للملحق الذي تصدره صحيفة دي فيلت، ومنذ العام 1951 عمل مؤلفاً  إذاعياً وكاتباً حراً في هامبورغ، وكان التزامه السياسي تجاه الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وفي العام 1951 صدرت أولى روايته بعنوان " كانت هناك صقور في الهواء " وقد لاقت نجاحاً، كما سبق له ان أرسل بعض فصول روايته الموسومة بعنوان " الهارب إلى الأعداء " لصحف شهيرة ولاقت صدى ايجابياً في وقتها. ومنذ ذلك الوقت قام بنشر العديد من المسرحيات والمقالات؛ فضلاً عن بعض المسلسلات الإذاعية والروايات، ومن أشهر أعماله روايته " حصة اللغة الألمانية " التي صدرت في العام 1968 بالإضافة إلى مجموعته القصصية " كانت زوليكين رقيقة جداً " 1955. و" البرج العاجي والبيوت الخشبية " رواية، 1983. و" الفتاة الصربية " قصة، 1987 و" متحف الوطن " رواية، 1978، و" ميدان التدريب " رواية، 1987. و" بروفة الأصوات " رواية، 1990. وقد ترجمت أعماله الى أكثر من ثلاثين لغة، كما حصل على العديد من جوائز الأدب، من بينها جائزة جوته لمدينة فرانكفورت - ماين. وجائزة السلام لتجارة الكتاب الألمانية.
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد

المصدر: موقع مجلة " المشروع العراقي للترجمة " عباس راضي
 عن صحيفة زود دويشته - الألمانية
● رابط الموقع أدناه:

http://www.iqtp.org/%D8%B8%D9%87%D9%88%D8%B1-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%88%D9%81%D8%A9-%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AC%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D9%86%D8%B3/

 ● رابط صحيفة زود دويشته - الألمانية التي نشرت الخبر أدناه.
http://www.sueddeutsche.de/news/kultur/literatur-unbekannter-roman-von-siegfried-lenz-erscheint-dpa.urn-newsml-dpa-com-20090101-160211-99-648939
   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

739 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع