" عازف المزمار السحري " * !

                                      

                          كمال القيسي
يدور الزمن ولا يتوقّف عن الدوران  ... في دورانه الأعمى تتشكّل الحياة و أحداث التأريخ لتصبح  بعد حين من الدهر أساطير وظلال ينكرها الزمن نفسه ...

الأنسان ظل من هذه الظلال تزحف خيوط حياته بين وحي وواقع وخيال ! وبين هذه وتلك، قصص تروى عن الظلم والغيّ والجبروت والحيلة والفساد ! عبر العصور، لم ينتفع الأنسان بالنبوءات واللحون فطمس العقل وأمات الضمير وأيقظ الخطيئة والغفلة والجهل والكبرياء وحب الآثام ! فجور نفسه استهوت   استعباد واستغلال الضعفاء والبؤساء والمنسيّين والأصرار على طحن أرواحهم وطموحاتهم وآمالهم وأجسادهم جيلا بعد جيل في طقوس عبثيّة عصيّة على فهم غائيّة الوجود وعلاقته بالأكوان ! لم يترك لعقول البؤساء غير السباحة في عوالم وهميّة من صنع الخيال والأحلام وبذلك أوجد قصص السحر وأساطير الجان وأنطق الحيوان في عالم بديل عن عالم الأنسان الذي لا يعرف حقاّ ولا ميزان .هناك قصص نسمعها عن الزمان غريبة أحداثها وشخوصها حتّى على عالم الحيوان ومنها قصّة مدينتنا التي التهمتها الجرذان !

    
في أحدى ليالي شتاء ممطر، روت شهرزاد قصّة مدينة عظيمة تقع على ضفة نهر كبير غزتها أفواج من  "الجرذان " المسعورة الجائعة فدخلت وانتشرت تحت الأرض في المجاري والسراديب والأنفاق. وبعد تمكّنها من المكان ،خرجت من جحور قذارتها لتخضع القطط والكلاب لوحشيّتها ثمّ امتدّت لتاكل الزرع وتدمّر البنيان ! في مسيرة طغيانها ،حفرت الأرض ،أضاعت العقول والضمائر، حرقت الكتب والأعلام ، نهبت كنوز البلاد فأفقرت الوطن والعباد ! جرت محاولات عديدة للقضاء على الجرذان واتباعها الكلاب والقطط السمان الاّ انّها فشلت جميعها بسبب الطاعون المستشري في الأنسان ! الخوف والرعب والهلع جعل الشيوخ والعلماء والشعراء تهجر المدينة تحت جنح الظلام فران ليل بهيم على أنقاض وحفر ! لم يبق في المدينة الاّ الجرذان وأشباح عظام لم يعرف لها أسماء وصور تبحث عن أشلاء و لحوم ودماء لكل أنواع البشر! هاجرت الشمس والقمر فأنعدمت الحياة وتوسّدت المدينة القهر والطغيان.
في يوم عصيب دخل  " سوق التجّار " في المدينة شاب غريب الشكل والهيئة يحمل مزمار يعرض تخليص المدينة من الجرذان وتابعيها الكلاب والقطط السمان مقابل سلطان دائم له ولمعيّته الخصيان يحكمون من صرح  لا يطاوله بنيان ! أستخفّ به " شهبندر التجّار " سائلا عن السحر والوسيلة فرفع الشاب ذراعه وأجاب: بالمزمار ادخلت الفئران الى المدينة وبالمزمار أخرجهم منها ؟! فسئل شهبندر التجّار وكيف ؟! أجاب صاحب المزمار بأن كل شيء يتّبع اللحون ولكل لحن تابعيه ! ساد الهرج والمرج السوق فقبل محفل التجّار سلطان الخصيان واقامة بنيان لا يطاله الزمان وبذلك تنازلوا عن المدينة والأوطان !         
بدأ صاحب المزمار يعزف لحنا غريبا على المزمار! مثل السحر بدأت الكلاب والقطط والجرذان الكبيرة والصغيرة والبنيّة والسوداء تظهر من كل اتّجاه تنطلق راقصة خلف العازف باتّجاه الجبل الذي يطل على الوديان! كانوا مسحورين بلحون المزمار! حتّى وصلوا الجبل الشاهق فتح فيه باب فدخلوا جميعا يرقصون وأغلق صاحب المزمار عليهم باب الجبل وكأن شيء لم يكن ولا كان! تفجّرت العيون وأشرقت شموس  وظلال وأقيمت داخل الصرح هياكل وطقوس تمجّد عصر الخصيان!بعد سنين طويلة  وفي يوم من الأيّام ، شيخ أعمى سأل السلطان صاحب المزمار الذي بات لا يهرم ولا ينام، لماذا أغلقت عليهم الجبل ولم ترميهم في النهر فتغرقهم كما جاء في الناموس الأوّل ليصيب الناس فرح دائم واطمئنان ؟! ضحك السلطان ملوّحا بالمزمار مجيبا: كي أرجع الجرذان حال تمرّدكم وأنزل عليكم ألعن ممّا سيكون وما كان  ! من يومها فهم الناس وبدأوا يتهامسون في الأحلام كيف التخلّص من هذا الطغيان ؟؟!!
عمّان ...6/ 4 / 2016
(*) حكاية شعبيّة من التراث الألماني.    

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

713 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع