جنوب آسيا على صفيح ساخن

                                     

                       د. منار الشوربجي

الموقف في جنوب آسيا يزداد سخونة. فمن التحول في الموقف الياباني والتصعيد الصيني، إلى التصعيد الباكستاني الهندي، تبدو المنطقة على سطح صفيح ساخن.

ففي الأسبوع الماضي، وصلت غواصة ومدمرتان يابانيتان إلى ميناء بالفلبين. ورغم أن اليابان أكدت على أن تلك الخطوة تأتي في إطار «تدريبات» عادية، هدفها «تدريب الضباط»، إلا أنه يأتي وسط تصعيد مستمر في بحر الصين الجنوبي، ومزيد من الإجراءات اليابانية، سواء في العلاقة مع دول مجاورة أو مع الولايات المتحدة الأميركية. فقبل تلك الواقعة بساعات قليلة، كانت فيتنام قد أعلنت عن مصادرة سفينة صينية، قالت إنها اخترقت مياهها الإقليمية.

وألقت سلطات فيتنام، القبض على البحارة، وصرحت بأن السفينة تتخفى كسفينة صيد، رغم أنها كانت تحمل وقوداً لسفن الصيد الصينية التي تنافس بشكل غير قانوني صيادي فيتنام في رزقهم داخل المياه الإقليمية لفيتنام.

ولا يمكن فهم تلك الوقائع المتفرقة وغيرها، إلا في سياق الصعود العسكري الصيني، والبحري منه على وجه الخصوص. فهو الذي رفع درجة التوتر في المنطقة التي ظل التوازن العسكري فيها يقوم لعقود على ما كانت الصين تطلق عليه دوماً «الصعود السلمي» في محيطها الإقليمي، والذي كان يعني تجنب التورط الصيني في الخارج. فرغم أن الصين تصر على أن الجزر الصناعية التي أقامتها في بحر الصين الجنوبي، ذات أهداف مدنية بالأساس، إلا أنها لم تنفِ أن لها أيضاً دوراً في «الدفاع العسكري».

وقد أثار ذلك التطور، الذي تزامن مع تصعيد الصين لدور سلاحها البحري في حماية الأمن القومي الصيني، توترات عدة في المنطقة، دفعت بالدول الصغيرة، مثل الفلبين وفيتنام، للبحث عن المزيد من الدعم من اليابان والولايات المتحدة.

لكن القلق الياباني نفسه من التصعيد الصيني، دفع بها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، عبر التفكير في إجراء تحول جوهري في دورها العسكري، يختلف اختلافاً كاملاً عن ممارساتها منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى اليوم.

فدستور اليابان الحالي، الذي كتب بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، ينص صراحة على نبذ الحروب «كحق من حقوق السيادة»، ولا يسمح للقوات المسلحة اليابانية، إلا بالدفاع عن النفس.

لكن حكومة شينزو آبي، سعت لتعديل الدستور لهذا السبب تحديداً، ثم اكتفت لاحقاً، عبر أغلبيتها البرلمانية، بإصدار تشريعين، بدأ تفعيلهما منذ أيام معدودة، يعطي للقوات اليابانية دوراً أكثر اتساعاً، من خلال التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، فيما أطلق عليه التشريعان «الدفاع الجماعي عن النفس».

ورغم الاحتجاجات الداخلية القوية التي تعتبر التشريعين مخالفين للدستور الياباني، إلا أن حكومة شينزو آبي، تأمل في انتخابات يوليو القادم، في أن تحرز فوزاً كاسحاً، يسمح لها بتعديل الدستور.

وفي حوار له الأسبوع الماضي مع صحيفة الوول ستريت جورنال، دافع رئيس وزراء اليابان عن التحالف العسكري مع الولايات المتحدة، ووصفه بأنه «سيدعم الردع، ويسهم في تحقيق السلام والاستقرار، ليس فقط لليابان، وإنما للمنطقة ككل»، وأكد على ضرورة أن تكون قمة السبع الكبار في مايو القادم، ساحة للتعبير عن الحسم «ضد القومية الفجة»، في إشارة للطموحات الصينية.

وكان التوتر الصيني الياباني واضحاً، حين قضى زعيما البلدين يومين في واشنطن، أثناء القمة النووية، دون أن يعقدا لقاء بينهما.

والقلق من الدور العسكري المتصاعد للصين، يطرح بآثاره على توتر آخر لا يقل خطورة في آسيا، أي ذلك الجاري بين الهند وباكستان.

فالتصعيد في بحر الصين، لم يثر فقط قلق الهند من أن يؤثر في التجارة في المحيط الهندي، وإنما هو المسؤول، على الأرجح، عن احتياج الهند لتطوير أسلحة نووية، لتمثل «ردعاً للصين». ففي ديسمبر الماضي، كانت تقارير أميركية قد كشفت النقاب عن أن الهند تبني سراً موقعين نوويين جديدين.

وقتها، قال المسؤول السابق عن الحد من التسلح في إدارة أوباما، جاري سمور، إن المستهدف من تلك المواقع الجديدة، هو تعزيز التسلح النووي الهندي في مواجهة الصين. إلا أنه ليس هناك ما يمنع، من وجهة نظر باكستان، متى انتهت الهند من تطوير تلك الأسلحة الجديدة، من توجيهها صوب باكستان.

ويقول خبراء باكستانيون، إن ما تنتجه الهند من قنابل نووية، لا يستخدم في المعارك، وإنما يكفي «لمحو كتل سكانية» بكاملها، على حد تعبير أحدهم.

وقد أدى ذلك لتطور خطير، اتخذت فيه باكستان قراراً بنشر أسلحة نووية تكتيكية في قواعدها على طول الحدود مع الهند، الهدف منها «ردع أي عدوان» لقوات نظامية. لكن الأخطر من ذلك، هو أن قرار استخدام تلك الأسلحة النووية، لن يكون في يد القيادة العليا للبلاد، وإنما للقادة الأصغر على الحدود، وهو ما يثير قلق أطراف إقليمية ودولية متعددة.

بعبارة أخرى، تبدو منطقة جنوب آسيا، في حاجة ماسة لعقول مبدعة، تكسر دوامة الشكوك المتبادلة والجنون النووي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1202 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع