سيف شمس الدين
عندما حصلت على كتاب الثقافة جسر بين العوالم لزهراء زيراوي الصادر عن دار (جنوزز Gnôsis) باريس/ فرنسا ، يحمل إهداءً لي، وما أن وقعت عيني على أول كلمة منه حتى شدني إليه وبقوة، قلت مع نفسي وأخيرا قد وجدت ضالتي، منذ مدة وأنا ابحث عن كتّاب انطباعيين عرب، يجسدون ما يحدث من إرهاصات وصراعات في المجتمع العربي وما آل إليه هذا الإنسان من تدهور وتقهقر، حتى أصبحت الفلسفة عنده مكتسبة ذاتيا.
بحثت عن ذلك وكم خاب أملي عندما أجد محاولات انطباعية لكنها تذهب خارجا عنها، عندما يرتكب المؤلف شيئا من المغالاة والخيال في نقل واقعه حتى يحلق بعيدا عن موطن قدمه .
لكن هذا الكتاب الذي يحتوي على العديد من الكتّاب الكبار وهم أدباء وفلاسفة وأساتذة جامعات في مختلف بلدان العالم، قد جمعتهم رؤيتهم للخيال وقد جمعهم لسانهم العربي، وقد اجتمعوا في هذا الكتاب ليكونوا سلسلة متكاملة ومترابطة، عن الإنسان العربي المثقف الذي اضطر للهجرة في يوم ما وليعيد حياته في دول هو غريب عنها في كل شيء، وبدأ في الاندماج فيها بدءاً من تعلم اللغات حتى أصبح أستاذا وشاعرا وأديبا فيها، يكتب بلسانها ويخاطب شعوبها.
إن هذا الكتاب الذي يحتوي على 15 بين مقال وقصة وهي ....
1- عسيب (الدكتور مولاي أحمد العلوي ) .
2- كم أنت جميلة سيدتي الوقورة كندا (الدكتورة لطيفة حليم) .
3- في الحديقة الهندية بكيت (الشاعرة فرات إسبر).
4- بلد متنقل (الدكتور عبدالهادي سعدون) .
5- جسر بين العوالم (زهرة زيراوي) .
6- ثقافة الاعتراف (زهرة زيراوي كاتبة وفنانة تشكيلية) .
7- رحّال ومهرتي جرحي (الدكتور محسن الرملي) .
8- كبرياء وطن (الشاعر فؤاد زويرق) .
9- المهجر الثالث (الشاعر أمجد الناصر) .
10- ابن العرب في غير وطنه (عمر فيصل ) .
11- البحث عن الحرية في ثقافة الآخر (الشاعر قحطان جاسم) .
12- مساري الثقافي بأمريكا (الدكتور مصطفى صدوقي) .
13- رنين الذاكرة (الدكتور محمد عبدالرضا شياع ) .
14- أكاذيب فولتير (الروائية حنان الدرقاوي) .
15 أخاف أن يفلت مني الشرق ويفلت مني الغرب! (يحيى الشيخ)
هذا ما كتب في الكتاب المشار إليه وكل مقال أو قصة قد كتبت بلغة البلد الذي يعيش فيه الكاتب، إذن الكتاب هو ليس فقط كتب باللغة العربية وإنما بلغات مختلفة، هو حقا جسر بين العوالم قد ربط الشرق والغرب بسحر الكلمات وانطباعاتها.
إن الإنسان يتنقل بين البلدان كبضاعة تباع وتشترى كما كتب عنها مولاي احمد (( ربما كان السبب أن جيلي صار يحس بالتبضع والتصفر، بأنه صار بضاعة أو أنه كان بضاعة منذ العهد الأول ولم يكن شاعراً بذلك من قبل )). كم هو صعب أن تشعر بأنك أصبحت صفرا أو مجرد بضاعة تباع وتشترى وتتنقل بين الحدود، ستزفر العبارات وتسال نفسك ولا من مجيب كما سألت لطيفة حليم (ماذا يعني لفظ وطني؟ ) ستحاول قتله بلا شك لكنك لن تقدر مهما حاولت تجيب عن سؤال لطيفة حنين الشاعرة فرات اسبر في مقال لاحق من نفس الكتاب ((أنا الغريبة، أجيد اللغات والكتابة، ولكني لا أجيد قتل الحنين!)).
أما عن صاحبة الكتاب زهرا زيراوي التي تكلمنا عن مدينة بروج في بلجيكا وتصف لنا عربات الكوتشي وتربطها بالتاريخ والتراث وعبدالرحمن الداخل وتربط حنينها بحنين الداخل ما هي إلا لوحة جميلة ورائعة كلوحات الفرنسي كلود مونيه .
قد فقدنا شيء جميل وهو الذات الذي بقينا نبحث عنه في أشلاء مبعثرة، حتى يمتلكنا اليأس فنلتجئ حينها إلى النسيان، وأي نسيان ذلك الذي نتمنى أن نمتلكه ((يمكن للإنسان ان ينتقل من بغداد من بغداد إلى الدنمارك خلال خمسة ساعات بالطائرة، لكنه لا يستطيع أن يحمل معه كل ماضيه أو ثقافته.. ثمة شيء يبقى عالقاً هناك: ...... الشاعر قحطان جاسم)) .
(( ها أنذا استحضر صورا من طفولتي فأجدني طفلاً في السابعة من عمري........)) هذا ما قاله الأستاذ في جامعة السربون والأديب يحيى الشيخ وهو صاحب دار Gnôsis ، ما علينا إذن سوى العودة للطفولة لأنها منبع كياننا وذاتنا.
لقد نقلونا هؤلاء الأساتذة الكرام إلى كتابات إدمون وجنكور وهما إخوة من فرنسا اشتهرا في الانطباعية وأول من كتب فيها، ولا شك قد أعادونا إلى إميل زولا صاحب المدرسة الطبعانية Naturalism والانطباعية Impressionism الذي راودني الشك مرارا إن هذه المدرستان لم يعد لديهما وجودا في المحيط العربي، لكني وجد ما كنت ابحث عليه.
هذا الكتاب يحتاج لتأملات كثيرة ودراسات عميقة حتى نستطيع فهمه وإدراكه، فهو شمولي، كتاب انطباعي واجتماعي ونفسي، قد حوى الكثير بين ثناياه.
لا يسعني بالأخير إلا تقديم الشكر لهذا المشروع الناجح الذي أعطى لنا الفرصة للتعرف على كتّاب كبار مثل هؤلاء الأفذاذ، زهرا زيراوي لها الشكر العميق وأيضا يحيى الشيخ المعروف بمساهماته العديدة وخاصة في تشجيعه ومساعدته للكتاب بنشر كتبهم وأعمالهم في داره .
الثقافة لم ولن تموت، ستكون دائما جسرا بين العوالم .
سيف شمس الدين الالوسي (شمس الالوسي)
بروكسل / بلجيكا
1141 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع