أفق الجمال اللغوي في شعرجوزف حرب

                                   

                        عصام شرتح

  

   أفق الجمال اللغوي في شعرجوزف حرب

لاشك في أن لكل شاعر أفقه اللغوي الجمالي الخاص به،وهذا الأفق اللغوي أفق متنامِ مفتوح بانفتاح الرؤيا الشعرية،وانفتاح العالم الوجودي الذي تنفتح عليه مخيلة الشاعر وأفقه الشعري،والشاعر جوزف حرب ابن هذا الأفق الجمالي الذي يتفرد به بعيداً كشاعر يملك قيمه الإبداعية الخاصة،وثورته اللغوية المتقدة.ولعل أبرز هذه القيم هي الفواعل النصية التي ترتقي بهذا الأفق المتنامي إلى أوج التميز والإبداع،وفق منظورات شاعرية تغرف من معين المخيلة الخلاقة،وفيضها الرؤيوي الجمالي المتدفق،وأبرز ما نستشفه من قيمها ما يلي:

1-اللُّغة وتوازي الرؤى:
ونقصد بـ [ توازي الرؤى]: توازي الرؤى فيما بينها في المنحى الدلاليّ؛ أي التعبير عن رؤيتين متضادتين، أو متشابهتين بأسلوب تشكيلي نسقي واحد، يشي بالتآلف الدلالي، أو التلاحم الفني في الرؤى وائتلافها النصي؛ ولعلَّ من أبرز مثيرات القصائد الحداثية اليوم اعتمادها النسقي على توازي الرؤى، للكشف عن الفاعلية الرؤيوية التي يملكها الشاعر؛ بحيث يتصاعد التوازي النسقي في الرؤى الشعريَّة؛ لتحفيز القارئ بالرؤى المنسجمة، أو المتضافرة صوب قضية محدَّدة، أو رؤية مجسدة، تتكرر لدى الشاعر باستمرار.
وقد امتازت قصائد - جوزف حرب – بتضافر الرؤى، وتوازيها، وانسجامها، وتلاحمها الفني؛ إذْ يؤدي التوازي في الرؤى والدلالات دوراً محوريًّا مهماً في تعزيز مداليل نصوص جوزف حرب الشعرية على المستويات كلها، كما في قوله:
"عندَ المساءِ، أرى ذا الأفقَ مَقْبَرَتي
 وذا البياضَ الذي في غيمِهِ كفني.
حتَّى إذا أمطرتْ، أصبحتْ في يَدِهَا
 للريحِ مائيَّةً من فضَّةِ المُزُنِ.
وَرُحْتُ أُزهِرُ حتَّى صرتُ سوسنةً
 في الحقلِ، أو زهرَ لوزٍ راقصَ الغصنِ.
فإنْ أتَى شَهْرُ آذارٍ، وقد غرقتْ
 ذي الأرضُ بالطيبِ، والأعراسِ، والزَّيْنِ.
من كانْ لم يَرَني من قبلُ ذا جسدٍ
 زهراً كتفتيحِ صبحٍ سوفَ يُبْصِرُنِي"( ).
لابد من الإشارة بداية إلى أن توازي الرؤى –من محفزات اللغة الشعرية في قصائد جوزف حرب- التي تحتفي بالدلالات،والمؤثرات الشعرية بدوافع فنية تشي بفاعلية الصورة،وعمق الرؤيا الشعرية في تجسيدها وتمثيلها بألقها الفني على الصفحة الشعرية.
وهنا- في القصيدة- يعتمد الشاعر على مكوِّنات النسق الشعريّ في تفعيل الرؤى، وخلق توازيها النصي، من خلال الوقوف على قوافي شطريَّة متآلفة إيقاعيًّا، عبر تقنيَّة التجنيس بين القوافي حيناً، كما في الأنساق التقفوية- المتناظرة، التالية: [(كفني = المزنِ)- (الغصنِ = يبصرني)]؛ وعبر تقنية التضاد بين المداليل، لخلق التوازي النسقي في الرؤى، كما في قوله:
"عندَ المساءِ، أرى ذا الأفقَ مَقْبَرَتي/ وذا البياضَ الذي في غيمِهِ كفني
تآلف نسقي                تآلف نسقي
إنَّ التوازي النسقي ينطوي على توازٍ نصّيّ متضافر في تفعيل الرؤى؛ فالشاعر يرى في حلول المساء مقبرته، وفي الغيوم البيض كفنه؛ فقد وازى بين الرؤيتين في تفعيل الإيقاع السوداوي اليائس الذي يحسه صوب الوجود؛ ثم عمد إلى خلق التوازي الرؤيوي في الشطرين الأخيرين؛ كما في قوله: "من كانْ لم يَرَني من قبلُ ذا جسدٍ/ زهراً كتفتيحِ صبحٍ سوفَ يُبْصِرُنِي"؛ نحن هنا إزاء توازٍ شطريّ/ ينعكس دلاليًّا من خلال صيغة الشرط؛ مما يؤدي إلى تلاحم الشطرين معاً بإيقاع دلاليّ متوازن، غاية في الحس والتنامي الشعوري.
وقد يعتمد جوزف حرب التوازي النسقي؛ لخلق التوازي الدلالي على مستوى تناظر الرؤى وتلاحمها في آن معاً؛ رغبة منه في إيقاظ روح التنامي الإيقاعي، والتوازي النسقي في أسطره الشعريَّة، كما في قوله:
"خَصْرُكِ الهَفُّ زنَّرَتْهُ الأقاحُ
وبمشطٍ من السنُونُوْ رخيٍّ
وبرجليكِ ليسَ خُفُّ حريرٍ
والمَجَاعَاتُ صِرْنَ فيكِ عذارى
فانهضي. صرتِ قامةً من غصونٍ
    /
/
/
/
/
وسَقَى نَهْدَكِ البياضَ الصباحُ
سرَّحتْ شَعْرَكِ الطويلَ الرياحُ
طَرَّزتْهُ يدُ المسا، بلْ جناحُ
سنبلاتٍ بكفهِنَّ الرِّماحُ
فَتَّح الوردُ فَوْقَهَا لا الجراحُ"( ).


هنا؛ تتوازى الأنساق اللّغويَّة في الشطرين؛ لخلق التوازي الدلالي في الرؤى على مستوى الشطرين الأول والثاني، كما في التوازي التالي:

(خَصْرُكِ الهَفُّ زنَّرَتْهُ الأقاحُ/وَسَقَى نَهدكِ البياضَ الصباحُ)
توازٍ نسقي            توازٍ نسقي
إنَّ هذا التوازي النسقي يؤدي إلى تلاحم الشطرين معاً في بلورة الرؤى الغزلية التوصيفية للمحبوبة، ليأتي النسقين متوازنين شطريًّا؛ وهذا ما ينطوي كذلك على بقية الأسطر الشعريَّة الأخرى؛ كما في قوله:
(وبرجليـكِ ليـسَ خُفُّ حـريـرٍ/ طَرَّزتُهُ يـدُ المسـا، بلْ جنـاحُ)
(فانهضي. صرتِ قامةً من غصونٍ/ فَتَّح الـوردُ فَوْقَهَا لا الجـراحُ)
إنَّ التوازي النسقي يتم تفعيله بالأنساق اللّغويَّة المتوازنة بين الشطرين؛ مما يجعل الشطرين متلاحمين بالدلالات، والرؤى المتوازية، فالصورة الأولى تكتمل نسقيًّا بالصورة الأخرى؛ بمعنى أن جزء الصورة الأولى يكمن في الشطر الأول، والجزء الآخر يكمن في الشطر الثاني، لهذا؛ يبدو الالتحام النصيّ قائماً بين الشطرين محفِّزاً للدلالات من جهة ومبيناً فاعلية الصورتين المتداخلتين في حركتهما من جهة ثانيَّة؛ وهذا يؤدي إلى تفعيل إيقاع القصيدة جماليًّا ودلاليًّا؛ لخلق التوازن النسقي بين الشطرين، وجعله متضافراً على المستوى الدلالي؛ وهكذا؛ يحقق التوازي النسقي بين الرؤى إلى تفعيل الصور وازدياد تماسكها وتلاحمها النصيّ.
وصفوة القول: إن توازي الرؤى- في قصائد جوزف حرب- من مثيرات الحركة الشعرية في قصائده،وموجهاتها الإيقاعية ومؤثراتها في التحفيز النصي، ولهذا يصعب أن تجد العبث والفوضوية والتلاشي التجريدي المغرق في قصائده، إنه يزركشها بريشة فنية جمالية ،تستثير الدهشة ،وتثير الشعرية من أعماقها وجذورها الفنية العميقة.
1-اللغة والانكسار المشهدي:
ونقصد بـ [الانكسار المشهدي]: أن يبلور الشاعر المشهد بلقطات مكثفة؛ تشي بالانكسار المشهدي، والتبعثر الدلاليّ الذي يمزِّق وحدة المشهد، ويرمي اللقطات في حيِّز مشهدي منكسر على المستويات المشهديّة كلها؛ ولعلَّ الانكسار المشهديّ - في نصوص جوزف حرب- مرده التحفيز الجمالي؛ لإثارة المشهد الشعري، والتشظي النفسي، والتضاد الدلاليّ؛ والّلافت أنَّ الأبنية النسقيَّة المعتمدة في نصوص جوزف حرب ذات فاعلية قصوى في تحفيز رؤاها، وتحقيق تماسكها النصّيّ  وتفعيلها المشهديّ.
والمثير  حقاً- في نصوص جوزف حرب- قدرتها على خلق التفاعل المشهدي بين اللقطات التصويريَّة،  والشذرات المشهديَّة المكثفة، كما في قوله:
"وَرُؤَايَ حمامٌ كُحْليٌّ
 يفتحُ أجنحةً في الريحِ.
 وفي فلكِ الروحِ يطيرُ، ويدورُ.
 يرسُمُ دائرةً فوقَ جبيني، ويدورُ
 ويرى في كفِّي قلماً ممتلئاً ماءَ كلامٍ.
 ولكي يشربَ منه يَغُطُّ مناقيرَ لَهُ بعبارةِ ماءٍ، ويدورُ.
.........................
  ديواني شجرٌ من ورقٍ وهي سطورُ"( ).
هنا، يُقَدِّم لنا هذا النصّ حركة مشهديَّة مكثفة، من اللقطات التصويريَّة المنكسرة التي تشي بمشاهد تصويريَّة متتابعة، يحكمها نسق انكساري؛ إذْ إنَّ كل نسق مشهدي يختلف عن المشهد الآخر؛ رغم التحفيز البصريّ الذي يُقَدِّمه الشاعر لبلورة المشهد، وتعميق شاعريَّة الجمل المشهديَّة التي تنطوي على إيقاعات بصريَّة متوازنة حيناً، ومتراكمة متنافرة، أو متباعدة حيناً آخر، كما في قوله: "وَرُؤَايَ حمامٌ كُحْليٌّ/ يفتحُ أجنحةً في الريحِ./ وفي فلكِ الروحِ يطيرُ، ويدورُ./ يرسُمُ دائرةً فوقَ جبيني، ويدورُ/ ويرى في كفِّي قلماً ممتلئاً ماءَ كلامٍ"؛ ففي قوله في الصورة المشهديَّة الأخيرة: "ويرى في كفِّي قلماً ممتلئاً ماءَ كلامٍ" تعبير انكساري يعكس حركة انكسارية في المشهد؛ فالمشهد - في البدء- كان مجسِّداً لرؤى الحمام الكحلية؛ ثم تابع النسق إلى قوله: "ممتلئاً ماءَ كلام"؛ حيث فاجَأ القارئ بهذه الصورة الانكساريَّة التي أزهلت القارئ؛ وزادت حيوية الصورة البصريَّة/ وعمقها التأملي الاستبطاني لدى القارئ؛ ومن هنا؛ جاءت القصيدة تحفيزيَّة على المستوى المشهدي؛ بإثارة القارئ ذهنيًّا، وبصريًّا بصورة لم يألفها على هذه الشاكلة المشهديَّة، أو الإسناديَّة المفاجئة.
وقد تأتي الانكسارات المشهديَّة - في قصائد جوزف حرب- ذات فاعليَّة جماليَّة قصوى في ترسيم المشهد، وتعميق فاعليته البصريَّة والدلاليَّة؛ إذْ إنَّ القارئ سيكون مندهشاً باللمحات الخاطفة التي سيتركها المشهد الشعري بانكساره، أو انحرافه المفاجئ، عن سيرورة النسق المشهدي المرسوم بعدسة مونتاجية جماليَّة توصيفيَّة دقيقة، كما في قوله:
"وأَعلمُ أنَّ بي قصباً مليئاً بألحانٍ
 إذا عُزِفَتْ لأَصغتْ، وانتشى حجرٌ،
 ومالتْ برقصِ الخصرِ قامةُ كُلِّ غصنٍ،
 وماجَ بماءِ أزرقِهْ الجناحُ.
 مقاماتي لأروعُ ما سَيُصْغِي إليه مساً، ويَسْمَعُهُ غمامٌ،
 فيصعدُ حينَ يمطرُ منه صوتٌ كألحاني، إذا سقطتْ دموعٌ، على مَنْ أشْعَلُوا قلبي وراحوا./ وحتَّى يرجعوا كطيورِ نبعٍ، أنا قصبٌ،/ وأيَّامي الرياحُ"( ).
هنا؛ اعتمدت القصيدة في شعريتها على التضافر المشهدي، لتحفيز القارئ بالمشهد الشعريّ المتنامي؛ الذي يُحَرِّك الأنساق المشهديَّة بخطى جماليَّة/ ولقطات مشهديَّة مثيرة؛ مرسومة بعناية تصويريَّة؛ وقدرة فائقة على المباغتة الشعريَّة، كما في قوله: "وحتَّى يرجعوا كطيورِ نبعٍ، أنا قصبٌ،/ وأيَّامي الرياحُ"؛ إنَّ القارئ للوهلة المشهديَّة الأولى سيحط رحاله البصريّ على التركيب التالي: "أنا قصبٌ/ وأيَّامي الجراحُ"؛ نظراً إلى تساقط دموع الشاعر وبكاء صوته في المشهد السابق؛ لذا، توقَّع القارئ أن يأتي المشهد الآخر متضافراً مع مشهد الدموع والبكاء؛ وهو لفظة "الجراح"؛ لكن الشاعر كسر توقُّعَ القارئ بانحرافه المشهدي بقوله: "وأيَّامي الرياحُ"؛ وهكذا؛ استطاع الشاعر أن يحقِّق إثارته المشهديَّة بهذه الحركة الاهتزازية في حركة المشهد؛ من رؤية مشهديَّة متوقعة؛ إلى رؤية أخرى غير متوقعة، تبهر عين القارئ، وتخلق - لديه- متعة مشهديَّة بهذا الانتقال المفاجئ المنكسر في حركة المشهد الشعريّ.
2-اللغة ومحفزات الاستهلالات النصيَّة:
ونقصد بـ [مُحَفِّزات الاستهلالات النصّيّة]: دينامية الاستهلالات المثيرة التي تفجرِّها نصوصه الشعريَّة؛ من خلال إثارتها التصويريَّة المحكمة؛ وحركتها الإيقاعيَّة المتماوجة التي تتفاعل ومسار القصيدة الفني، والإيقاعي، والدلاليّ؛ لذا؛ فإنَّ الاستهلالات النصّيَّة المفاجئة هي الشرارة التي تجتذب إليها المتلقي؛ لدفعه إلى تأمل القصيدة؛ باستفزازتها اللغويَّة الجديدة، وتناميها التصويري؛ ومغامرتها الدلاليَّة؛ وكم من القصائد قد خبا وميضها بسبب ضحالة استهلالاتها، وتعرجاتها الدلاليَّة الممطوطة، وعدم اتساق إيقاعها مع حركية النصّ ومساره الفني.
وتُعَدُّ قصائد جوزف حرب شاعريَّة في استهلالاتها النصّيّة، وتفاعلاتها التصويريَّة، من حيث حساسيتها الفنية، وحركاتها المتسقة مع تموجاتها الصوتيَّة؛ فلا يشعر حيالها القارئ بالملل، والسأم؛ بل على العكس من ذلك تجتذبه إليها باتساقها مع ما يليها من عناصر التركيب؛ مما يجعلها متناغمة إيقاعيًّا وتصويريًّا مع المشهد المجسد. وهذا أكثر ما نلحظه في قصائده العموديَّة ذات الأشطر المتساوية، كما في قوله:
"أُلَمْلِمُ في الطريقِ لَكُمْ خُطَاكُمْ
وأشربُ لَيْلَكُمْ مِنْكُمْ، ولكنْ
وهل لِشرَاعِكُم في الأُفقِ خفقٌ
وَهَبْتُ الأرضَ راياتيْ، وتاجي
رَسمتُ لها الشفاهَ من الخُزامى
    /
/
/
/
/
وأجْعَلُ زادَ راحِلِكُمْ جناحيْ/
لكي أسقي سُكَارَاكُمْ صَبَاحِيْ
إذا لَمْ تستقرَّ بهِ رياحي؟
وما أَبقيتُ لي إلاَّ جراحي
وكُحْلَ المقلتينِ من الأقاحِ"( ).

هنا؛ يشتغل النصّ الشعريّ على الإثارة الاستهلاليَّة المهندسة فنيًّا من خلال تواشج الاستهلال إيقاعيًّا وجماليًّا مع مثيرات الأسطر الشعريَّة كلها؛ إذْ إنَّ الحساسيَّة الفنية التي استهل بها القصيدة أضفى على حركة الاستهلال ديناميَّة تصويريَّة متولِّدة من الحسّ العاطفي المثير الذي فجَّرَهُ الشاعر في دفقة الاستهلال، كما في قوله:
[أُلَمْلِمُ في الطريقِ لَكُمْ خُطَاكُمْ  /   وأجْعَـلُ زادَ راحِلِكُمْ جناحـيْ،]
والَّلافت أنَّ هذا التناغم الاستهلاليّ التصويريّ؛ ينسجم ومداليل الأسطر الشعريَّة التصويريَّة؛ التالية؛ خاصّة البيت الأخير:
[رَسمتُ لها الشفاهَ من الخُزامى  /   وكُحْـلَ المقلتينِ مـن الأقاحِ]
إنَّ هذا التواشج الإيقاعي المثير بين الأسطر الشعريَّة؛ يخلق حركة إيقاعيَّة موسيقيَّة تتشكل تصويريًّا في ائتلاف نسقي، وانسجام فني عجيب؛ يؤذن بالتنامي التصويري، والحسّ الرومانسي المرهف بالموقف الغزلي الشعوري المجسد.
وقد يعتمد جوزف حرب الشفافية المتناهية في نسج قصائده، لتأتي ومضة جماليَّة مشرقة باستهلالات نصّيَّة مثيرة؛ تنسجم وإيقاع القصيدة الكلي بنسق تآلفي فني عجيب، كما في قوله:
"خَوْفَ أنْ نَخْسَرَ من أيَّامِنَا حتَّى الشُّفَافَهْ،
 خوفَ أن نحيا معاً مِثْلَ إضافَهْ،
آهِ ما أجْمَلَ أنْ يَبْقَى لنا ما بينَنَا بعضُ المَسَافَهْ.
 آهِ لو نُلغِي لماذا؟/ كيفَ؟ من أينَ؟
فلا يُبْقِي لنا العنقودُ من سيرتِهِ إلاَّ السُّلافَهْ.
 لن يكنَ النهرُ نهراً عندما ما بينَ جريِ الماءِ، والغابةِ في وديانِهِ يُلْغِي ضِفَافَهْ"( ).
إنَّ هذه الومضة الجماليَّة لهذه القصيدة متلاحمة متناسقة من أول كلمة فيها إلى آخر كلمةفي تشكيلها؛ وقد أضفى الشاعر عليها مسحة جماليَّة من خلال دهشة الاستهلال؛ مفجراً من خلالها متعة القصيدة؛ وقد ساعدته براعة الاستهلال أن ينهي القصيدة بجماليَّة فنية لافتة، ومسحة إيقاعيَّة منسابة، تمتثل إليها الصور الباقية؛ وكأنها خلية حيَّة واحدة متنامية بإيقاعها الجمالي؛ من استهلالها إلى ختامها؛ بفواصل شطريَّة متناغمة إيقاعيًّا، كما في قوله: "الشفافَهْ، المسافَهْ، السلافَهْ، ضفافهْ"؛ ليأتي تلاحم القصيدة دلاليًّا/ وإيقاعيًّا بدورة ترنيمية تنساب من دفقة الاستهلال إلى قفلة الختام؛ وهكذا، يثيرنا جوزف حرب بإيقاع قصائده الاستهلالي المثير الذي يُحَفِّز نصوصه إيقاعيًّا وجماليًّا، مما يجعلها مكتنزة فنيًّا بإيقاعات جماليَّة عالية المستوى، والعمق، والشعور، والإيحاء، والحساسيَّة الشعريَّة.
3-اللغة ومحفِّزات الخواتيم النصيَّة:
ونقصد بـ [محفِّزات الخواتيم النصيَّة]: محفِّزات الرؤى التصويريَّة، أو المشهديَّة التي تخلقها النصوص الشعريَّة في القفلات النصيَّة؛ من حيث كثافة الأنساق التصويرية المحكمة في فاصلة الختام، لتأتي القصيدة مهندسة فنيًّا بالإثارة الختامية؛ ذات الحسّ الشعوريّ المرهف، والصدى الجمالي الآسر الذي تتركه على مستواها التشكيلي، والدلالي، والإيقاعي؛ من خلال تآلف الختام مع أصداء القصيدة ودلالاتها؛ لتأتي الخاتمة؛ وكأنَّها إفراز طبيعي جمالي لما استحدثته القصيدة من دلالات ورؤى في رؤيتها ومحورها الارتكازي الفني.
وقد سعى جوزف حرب - في تشعير قصائده- إلى الاستهلالات المثيرة، والقفلات الختامية المفاجئة التي تعكس الحسّ الشاعري الترسيمي المثير، لقصائده، لتأتي محكمة الأنساق اللغويَّة، متفاعلة المداليل؛ مكثفة المشاعر والأحاسيس؛ مغامرة في مسعاها الفني، وحركتها التصويريَّة المدهشة، التي تخلق إثارتها من حركتها الإيقاعيَّة، وتناميها التصويري، ومفاجأتها للقارئ بسيرورة نسقية جديدة تجتذب إليها المتلقي من حيث لا يدري، تاركة في خلده بصمة تأملية، أو لذة استكشافية من جرَّاء القفلة الختامية المثيرة التي تبقى مفتوحة دلاليًّا في الأعم الأغلب، كما في قوله:
"قُرَىً، لمْ يبقَ منها غيرُ ما تبقيهِ ممحاةٌ منَ الكلامْ.
 جاءَ الحمامْ
 أزالَ من كُلِّ القُرَى الركامْ.
..........................
 ومِنْ بعيدْ عادَ جميعُ النازحينَ. رافقوا الريحانَ والصلاةَ، في الضُّحَى، إلى القبورِ كي يُوَدّعوا الشهيدْ
 مَنْ حَمَلَتْهُ القُبَّراتُ بالمناقيرِ إلى قريتِهِ؛ وأغمضتْ عينيهِ في جناحِهَا، وقَبَّلَتْ جُرُوحَهْ،
 ومن رخامِ النايِ عَمَّرَتْ ضَرِيْحَهْ"( ).
هنا، وزَّع الشاعر الرؤى على مناطق مختلفة من النصّ؛ إذْ جاءت تلكم الرؤى محمّلة بدلالات؛ عديدة؛ تبعاً لشعور الشاعر؛ وقد جاءت قفلة الختام؛ مثيرة فنيًّا وجماليًّا؛ تأكيداً لمكانة الشهيد وروحه الطاهرة؛ بأنْ تحمل روحه القبّرات، وأن تغمض عينيه بجناحها، وأن تقبل روحه؛ وأن تهدهد راحته الأبديَّة بأنغام الناي الرخيم،  ورخام الضريح؛ وهكذا، انسكبت القفلة الختاميَّة بإيقاعيَّة لافتة تثير القصيدة؛ وتحفِّز مدلولاتها النسقية، وإيقاعاتها اللغويَّة؛ وكأنها إفراز روحي لنبض الشاعر، وعمق أحاسيسه ورؤاه الشعوريَّة المرهفة.
وقد تأتي بعض القفلات النصّيّة – عند جوزف حرب- فائرة العواطف؛ عميقة الإحساس؛ رهيفة الشعور؛ إلى درجة ينسى المرء فيها ذاته، منساباً بإيقاعها الترنيمي الجمالي، وصداها الفني العميق، كما في قوله:
"عِنْدَما تَنْقُرُ خوخَ الدمعِ من بستانِ عينيكِ عصافيرُ الشتاءْ،
 وأنا، لا يورقُ الشعر، ولا يَبْقَى على صدري قميصُ الشعراءْ،
..............................
 عندما أشْعُرُ إنْ غبتِ امَّحَتْ كُلُّ النساءْ،/ تقرعُ العتمةُ أجراسِي، وأغْدُو مِثلَ هذا الغيمِ مشنوقاً بخيطانِ البُكاءْ"( ).
هنا؛ تثيرنا هذه القصيدة بإيقاعها الاستهلالي المثير، وفاصلتها الختاميَّة المتوافقة، مع صورها ورؤاها، وتشبيهاتها المتتالية؛ ليخلق حالة من التلاؤم الفني بين الفاصلة الاستهلاليَّة التي يبدؤها بالفاصلة نفسها التي اختتم بها القصيدة؛ ليبدو الإيقاعان متشابهين؛ وكأنَّ الشاعر يهندس القصيدة هندسة تشكيليّة متلاحمة؛ يبثّ من خلالها الصدى الرومانسيّ؛ بألق تصويريّ وحسّ جمالي رفيع؛ يرصد أبعاد الرؤية وجمالها؛ وقد جاءت القفلة الختامية، مثيرة للقارئ بالتوافق الإيقاعي المحكم مع صور القصيدة؛ وعباراتها كلها؛ كما في قوله: "عندما أشْعُرُ إنْ غبتِ امَّحَتْ كُلُّ النساءْ،/ تقرعُ العتمةُ أجراسِي، وأغْدُو مِثلَ هذا الغيمِ مشنوقاً بخيطانِ البُكاءْ"؛ إنَّ هذه القفلة الشاعريَّة المرهفة؛ تثير القارئ وتدفعه إلى الإحساس باللذة الجماليَّة من جرَّاء هذا الإسناد الجمالي(خيطان البكاء) الذي ارتقى جمالياً بقاعلية القفلة النصية وتفاعلها مع الفاتحة الاستهلالية، ؛ وكأنَّ القصيدة لوحة فنية متكاملة الخطوط والأصداء والألوان والظلال الإيحائيَّة؛ وهذا ما يجعل قصائده بغاية الإثارة والإمتاع، ابتداءً من الفاتحة الاستهلاليَّة، وانتهاءً بالقفلة النصية.
4-اللُّغة وهندسة المعنى:
ونقصد بـ [هندسة المعنى]: أن يُنَظِّم الشاعر رؤاه الشعريَّة؛ لتأتي المعاني منظمة دلاليًّا بخيط خفي يشدّ الدلالات؛ ويوحدها في بلورة الرؤية العامة، أو الرئيسة التي تنبني عليها القصيدة؛  ولعلَّ هذه التقنية تسهم في تحفيز الدلالات، وتناميها جماليًّا، لإكسابها نسقاً تكامليًّا متفاعلاً يسهم في تعميق الرؤية، وتعزيز مدلولها النصّي في ذهن المتلقي أكبر فترة ممكنة؛ والّلافت أنَّ شعراء الحداثة لا يلجأون إلى تنسيق قصائدها، تنسيقاً دلاليًّا بقدر ما يسعون إلى تنسيقها التشكيلي، بمعنى أنَّ الشكل يفرض نفسه على المعنى في القصائد الحداثية عموماً؛ في حين أنَّ المعنى المنظم هو الذي يفرض إيقاعه على القصائد الكلاسيكية؛ وبقدر ما يهندس الشاعر معانيه الشعريَّة في القصائد الحداثية   تثير تلكم القصائد موقفاً محدَّداً، أو رؤية محددة مخصوصة إزاءها ،وإزاء معناها ورؤيتها؛ ليتخذ القارئ منها خصوصية رؤيوية محكمة في أثناء كشفه لرؤاها، ومداليلها الشعريَّة.
وقد استطاع جوزف حرب أن يخلق نصوصه خلقاً جديداً؛ بهندسة تشكيليَّة منظمة فنيًّا، وهندسة دلاليَّة؛ تفرز الرؤى؛ وتوزِّعها ضمن الإطار النصّيّ؛ فلا تنافر يشوِّه وحدة الدلالات، والرؤى ضمن السياق الشعري العام الذي تخطه القصيدة على مستوى رؤيتها الكليَّة أو العامة؛ مما يعني أنَّ ثمَّة تكاملاً وتلاحماً وهندسة دلاليّة تفرضها نصوصه على القارئ؛ مثيرة فيه هزة شعوريَّة تنضج وتكتمل كُلَّما تعمق في الغوص في محراب القصيدة؛ وفك شيفراتها الدلاليَّة؛ فما أجمل تلاحم الرؤى، والدلالات في هذه القصيدة:
"مَضَتْ هَذِي السنينُ، وأنتِ فيها على بُعْدٍ، ولم أعْشَقْ سِوَاكِ.
 كأنَّكِ رُغْمَ رُمْحِكِ في فؤادِيْ وِسَادِيَ، أو وُرودِيَ، أو مَلاكِيْ.
عشقتُ زوالَ حُسْنِكِ، حينَ غيري لبعضِ الوقتِ لم يَعْشَقْ صَباكِ.
رَمَتْكِ يدي بوردٍ، مِلْتِ عَنْهُ
 لِمَنْ بكئيبِ دَمْعَكِ قد رَماكِ.
يراكِ جميعُ من طردوكِ منهم
 ومَنْ عيناهُ رافقتاهُ حتَّى يرى بهما جمالكِ،
لا يراك
 أنا وادٍ، وأنتِ مرورُ صوتٍ، فمالي في الهوى إلاَّ صداكِ"( ).
بادئ ذي البدء نقول: إن جمالية اللغة الشعرية – عند جوزف حرب- تكمن في هندستها وهندسة معناها،وكأنه ينمنم خيوطها،ليخلق منها بساطاً سحرياً مزركشاً بأجمل الألوان،وأزهاها وأنضرها، وأول ما يستوقفنا – في هذه القصيدة- التنظيم الدلاليّ المحكم الذي يسهم في التعبير عن الحالة الغراميَّة التي اعتصرت قلب الشاعر؛ بصدى إيقاعي منظم أو متناغم؛ إذْ إنَّ القارئ يلحظ هذا التنظيم من خلال العلائق الإسناديَّة التي تخطها القصيدة؛ دلاليًّا؛ فالشاعر - بداية- يعبِّر عن حبّه الدائم للمحبوبة؛ وأنها الوحيدة في حياته الغرامية التي استحوذت على عالمه، وأسدلت بستار جمالها على عينيه؛ وهي رغم قسوتها ما تزال وردته الزاهية، وملاكه الجميل الحنون الذي يسدل على عالمه السعادة والأنس، والنشوة؛ بيد أنَّ إيقاع الحرمان مازال يسيطر على عالمه؛ ويبثّ في نفسه الأسى والحزن والشوق الدائم؛ وما له غير رنين صدى صوت المحبوبة الذي ينبعث من طرف الوادي؛ ويبثّ في نفسه الدفء والأمل بالحياة؛ إذْ يقول: "أنا وادٍ، وأنتِ مرورُ صوتٍ، فمالي في الهوى إلاَّ صداكِ"؛ إنَّ الصدى يمثل للشاعر الأنس، والدفء الروحي، والأمل بالحياة؛ وهكذا؛ ينظم الشاعر إيقاع قصيدته الدلالي؛ للمعاني كلها التي تتضمنها القصيدة؛ فجاءت الأبيات جميعها داعمة للرؤية العامة التي تمثِّل لبّ التوق، والشوق، والحرمان الذي ينبعث من أعماق الشاعر صوب الحبيبة الخالدة التي تمثِّل له منهى السكينة،و السعادة، والاستقرار، والنشوة الروحية.
والملاحظ أنَّ نصوص الشاعر جوزف حرب الغزليَّة تخط إيقاعها الجمالي، وتنظيمها النسقي، من خلال تنظيم الرؤى، والمعاني المبثوثة في الجمل كلها؛ كما لو كانت كتلة فنيَّة واحدة، أو نسيجاً فنيًّا متلاحماً شكلاً ومعنًى، كما في قوله:
"تركتُ ورائيَ كُلَّ النساءِ اللَّواتي أقَمْنَ برُوحِي، وعَلَّقْنَ في جسدي جَمْرَهُنَّ.
 وعِشْتُ، جراحِيْ قَرَنْفُلَةٌ عِنْدَهُنَّ، وموتِيَ عيدُ.
 رحيلي قريبٌ؛ ولا شيءَ إلاَّ بعيدُ.
 وها إنِّي الآنَ وحدي، إلى أينَ أمضي إذا الدربُ كانتْ أمامي؟
 وإنْ كانتْ ورائيْ لِمَنْ سأعودُ؟
 وإنِّي وحيدٌ وحيدٌ وحيدُ"( ).
إنَّ الّلافت – في هذه القصيدة- إيقاعها الجمالي، وتنسيقها الدلالي؛ إذْ إنَّ الشاعر يرصد جراحه الغراميَّة؛ بأسى شعوريّ؛ انكساري؛ ويرى ذاته الآن وحيداً؛ كل شيء قد تلاشى ولم يبق منه إلاَّ خيوط الذكريات التي عبقت بها روحه؛ وهكذا، يهندس الشاعر الدلالات والإيحاءات في قصائده، محقِّقاً درجة عليا من التكثيف الدلالي، والتناغم الإيقاعي المنظم؛ الذي يضفي عليها مسحة جماليَّة نسقيَّة متضافرة على المستويات كلها.
5-اللغة وهندسة المقاطع الشعريَّة:
ونقصد بـ [هندسة المقاطع الشعريَّة]: تنسيقها الفني، وتناغمها التصويريّ، وائتلافها النسقي، من حيث ارتباط بعضها بالبعض الآخر؛ لتعبِّر عن الرؤية المركزيَّة، أو الكلية التي تنبني عليها القصيدة؛ وكأنَّ الشاعر يهندس المقاطع الشعريَّة هندسة فنية، ودلاليَّة محكمة في آن واحد؛ والملاحظ أنَّ الشاعر الحداثي يستخدم هذه التقنية؛ بوصفها منظمة لإيقاع القصيدة؛ إذْ تسهم في تنظيم محاور القصيدة كلها؛ للكشف عن رؤاها، ومداليلها بدقة؛ بحيث تتوضّح أمام المتلقي الرؤى، والأفكار، والدلالات، والصور كلها؛ الأمر الذي يجعل القصيدة على اختلاف مقاطعها لحمة واحدة متناسقة، مؤتلفة؛ متماسكة؛ يستطيع المتلقي حيالها أن يضع القصيدة تحت مختبره التحليلي، ليلتمس خيوطها؛، ويفكك شيفراتها، وأنساقها اللغويَّة بدقة متناهية؛ نظراً إلى تنظيمها النسقي، وارتباط مقاطعها فيما بينها برباط فني وثيق.
ومما لاشكَّ فيه أنَّ  قصائد جوزف حرب تعتمد التنظيم الدلاليّ، والهندسة التشكيليَّة المحكمة؛ بحيث تأتي المقاطع كلها متضافرة في الكشف عن مجرى الرؤية العامَّة التي تخطَّها القصيدة؛ كما لو أنَّ الشاعر يهندسها، وينظمها دلاليًّا قبل اتخاذها شكلها النهائي الفني الذي تجسَّدت فيه؛ ومن النماذج الممثلة على ذلك قصيدته "جبينْ" التي يقول فيها:
"في الثاني عشرَ التموزيّ
 جمعتُ سريعاً جسديْ. وركبتُ السيارةَ كي أُمْضِي زمنَ الحربِ ببيروتَ
 تَفَقَّدْتُ جديداً جَسَدِيْ، خشيةَ أنْ أَمْضِي وأنا ناسٍ شيئاً مِنْهُ
 فَلَمْ ألمحْ بين الأشياءِ جَبِيْنِي.
 فَرَجِعْتُ إلى البيتِ لأبحثَ عنه
 وجدتُ جبيني يَجْلُسُ في البيتِ كما تذهبُ في الأرضِ جذورُ السَّرْوِ.
 فَقُلْتُ لَهُ: جسدي في السيَّارةِ، يَبْقَى أنتَ.
 فَقُمْ لنغادِرَ هذا البيتَ إلى بيروتَ. فقالَ: أنا لن أذهبَ.
 قلتُ له: لَنْ يَبْقَى أحدٌ مِنْهُ هُنَا.
 قُمْ قد نُدْفَنُ تحت ركامِ البيت إذا نحنُ بقينا.
 إسرائيلُ سَتَمْحُو حتَّى الممحوَّ.
 فَقُمْ نَذْهَبْ.
 لَنْ أذهبَ. أُقْتَلُ أبقى حيًّا لستُ أُفَكِّرُ  في هذا.
 لي بيتٌ..لي قبرٌ في الأرضِ.
 هُناً. لستُ بريحٍ عابرةٍ، أو بجعٍ مُرْتَحلٍ.
 لستَ تخافُ!؟
 أخافُ. ولكن لستُ جباناً.
 خُذْ هذا الجسدَ التاعس، واذهبْ، فأنا باقٍ، وتَشَاجَرْنَا.
 وتَشَاتَمْنَا
 وبَكَى جسدي.
 لكنَّ جَبِيْنِي لَمْ يَرْحَمْ أحداً.
                *    *    *
في بيتي رَبْطَةُ خُبْزٍ،  قِنِّيْنَةُ ماءٍ.
 بعضُ الجِبْنَةِ يَعْلُوها عَفَنٌ أبيضُ أخضرْ.
 وبيتي زاويةٌ أقْبَعُ فيها عند القصفْ. ما فَكَّرْتُ بتركي البيتَ، ولا بالخُبْزِ، ولا بالماءِ، ولا بالموتِ.
 ولا بمخابئَ  آمنةٍ لدواويني، فَكَّرْتُ طويلاً بجبيني" ( ).
لابد من الإشارة بداية إلى أن الإشارة بداية إلى أن  شعرية الكثير من القصائد – عند جوزف حرب- ترجع إلى هند يتها المقطعية وتلاحم مقاطعها بخيط دلالي موحد يشد عراها،وهذا يعني أن الأفق الرؤيوي لدى الشاعر أفق جمالي تأملي موحد الرؤى منسجم الدلالات،متواشج المعاني في إبراز نواتجها الفاعلة، ولهذا تتناغم رؤاه وتحقق منتوجها الفني المؤثر.

وهنا، يعتمد الشاعر تماسك الرؤى، وهندسة المقاطع الشعريَّة هندسة فنيَّة سرديَّة قصصيَّة شائقة محكمة؛ إذْ إنَّ المقطع الأول يتحدّث عن المحاورة الجماليَّة الفنية الكاشفة بينه وبين جبينه؛ في اليوم المأزوم؛ ذلكم اليوم الذي بدأت الحرب الإسرائيلية على لبنان؛ محاولاً رصد المشهد النفسي الذي عاشه في سني الحرب هذه بمحاورة فنية كاشفة عن الصمود، والعزة، والإباء، وما جبينه إلاَّ رمزاً لصموده، وثباته على مواقفه البطولية وإحساسه الوطني العميق، أما المقطع الثاني فجاء لتأكيد دلالات المقطع الأول؛ إذْ أولى جبينه المكانة التي يستحقها؛ لأنَّه الأصل في كرامة الإنسان؛ وإذا رضخ الجبين، فَقَدَ الإنسان كبرياءه وشموخه وإباءه؛ لهذا لم يسأل الشاعر عن سبل العيش الضرورية من ربطة خبز وقنينة ماءٍ، وجبنة بيضاء، ولا المخابئ ولا الدواوين الشعريَّة المؤلفة، وإنما سأل على جبينه الذي هو رمز عزته، وشموخه، وصموده، وكرامته؛ وهكذا، جاءَ المقطعان الأول والثاني متضافرين بهندسة دلاليَّة تكشف أهميَّة الصمود في وجه الطغيان؛ وعدم الاستسلام للذعر، والضعف مهما كانت درجة القوة التي يملكها العدو من أسلحة وعتاد؛ ما يهم دائماً الصمود والثبات على المبدأ؛ والحفاظ على الكرامة التي تمثّلت في دال "الجبين".
وقد يعمد الشاعر جوزف حرب إلى خلق التماسك في القصائد التشكيليَّة؛ عن طريق هندستها التشكيليَّة المحكمة على مستوى الجمل؛ أي ينتقل الشاعر من الهندسة المقطعيَّة، ليشكِّل نصّه تشكيلاً موحداً؛ لا مقاطع تفصل فيما بين الرؤى؛ عن طريق هندسة الجمل؛ وتوحيد دلالاتها على المستوى النصّي، وليس المقطعي؛ كما في قوله: في قصيدة "النرجس الكئيب"؛ ما يلي:
"أمضيتُ عُمْرِي في بهائِيْ نرجسةً على صفوِ ماءِ.
 لَكِنْ مَضَى العمرُ بي هباءً
 وما حَفَّ بي جَسَدِي فمٌ.
 أو يدٌ مَشَتْ فوقَ مِسْكِ خَصْرِي.
 وما تولَّهَ بي حبيبٌ.
 ولا عَرِيشُ هَوَىً سقاني نَبِيْذَهُ.
 أو أَسَالَ بي دَمْعَتِي وداعٌ.
 أنا وحُسْنِي.
 أليسَ من عَابِرٍ رآني؟
 ألم تَهُبَّ وَفيكَ طيبٌ على صَبَاً فيَّ يا هوائي؟
 ها قَدْ مَضَى العُمْرُ، لا رَنِيْنِي، أفاقَ نهدي، ولا غنائي
 ولم يَزُرْنِي سِوَى شتائيْ.
 ولا يجيبُ..متى أنادي عليَّ إلاَّ صدى ندائي.
 أنا هنا نَرْجِسٌ كئيبٌ. قُلْ لي: جَرَى الماءُ أم بُكَائي
 يا نهرُ فيكَ؟ وما أرى؟ صورتي على الدمعِ أم مسائي"( ).
يلجأ الشاعر - هنا- إلى تنظيم الجمل، وهندستها هندسة نسقية رومانسيَّة محكمة بإيقاع عاطفي انسيابيّ، يصفو كصفاء ماء الفرات عذباً رقيقاً، راسماً صدى الصور الرومانسيَّة بإيقاع عاطفي مشحون بالتنسيق والهندسة التشكيليَّة؛ إذْ تتضافر كل جملة مع مثيلتها في التركيب؛ لخلق درجة عليا من التلاحم النسقي، والتضافر الجملي على مستوى الجمل كلها؛ من بدايتها إلى نهايتها؛ كنوع من التفعيل الإيقاعي العاطفي للجمل؛ وقد اختار قافية رقيقة تنساب بصدى رهيف هي قافية الهمزة بعد المد؛ لتمطيط الحركة الصوتية، وبث شحناته العاطفية الغرامية دفعة واحدة؛ لخلق حركة نسقية تتآلف على صعيد القوافي؛ راسماً أصداء هذه الحركة بشفافية متناهية؛ كما في قوله: "أنا هنا نَرْجِسٌ كئيبٌ. قُلْ لي: جَرَى الماءُ أم بُكَائي.. يا نهرُ فيكَ؟ وما أرى؟ صورتي على الدمع أم مسائي". وهكذا؛ يُنَسِّق جوزف حرب قصائده، وفق جمل متوازنة تعتصر بلاغتها من تنسيقها النصّيّ، ونمنمة تشكيلها الجماليّ المثير؛ وربما تبدّى لنا أن هذا النصّ يُفَجِّر شعريته من خلال تنسيق إيقاعاته الصوتية، وأسلوبه المثير في توازن الجمل، واعتصار مداليلها الرومانسيَّة؛ التي تُحَفِّز الدلالات، وتشحن اللغة بفيض دلاليّ متجدّد، غاية في التنامي الشعوري والعمق الإيحائي.
6-اللغة ومُحَفِّزات العناوين وائتلافها مع مضامين المتون  الشعريَّة:
ونقصد بـ [مُحَفِّزات العناوين وائتلافها مع مضامين المتون الشعريَّة]: أنّ تندمج مداليل العناوين والمتون الشعريَّة، بحيث يبدو العنوان الشرارة الأولى المضيئة للقصيدة، ورؤيتها الدلاليَّة؛ فلا يبدو في القصيدة تنافر بين عنوانها ومضمونها؛ وكأنها قطعة واحدة؛ لا ينفصل أحدهما عن الآخر؛ بأي شكل من الأشكال؛ حيث يندمج في نسيجها العنوان والمتن وتزول الحواجز فيما بينهما إن وجدت؛ مادامت محفِّزات العناوين والمتون متآلفة دلاليًّا على المستويات كلها.
وقد امتازت قصائد جوزف حرب بتفاعل عناوينها ومتونها الشعريَّة؛ تفاعلاً يثير القارئ، ويُحَفِّز مداليلها الشعريَّة؛ ولاشكَّ في هذا مادامت عناوين قصائده مشتقة أصلاً من متونها؛ لهذا، فأمر طبيعي أن تنسجم العناوين مع المتون الشعريَّة، مسهمة في تبئير الرؤية، وتعزيز مدلولها ومنتوجها الإيحائي، كما في قصيدته المعنونة بـ "القلم الأبيض"؛ إذْ يقتطع العنوان من المتن؛ وهذا ما تبدَّى في قوله:
"ذاتَ سَوَادْ اجتمعَ الباطلُ والحقُّ
 ظلَّ الباطِلُ يُغْرِي الحقَّ فَرَقّْ،
 وغَفَا.
 قتل الباطِلُ في الليلِ الحقَّ،
 وأَحْرَقَهُ حتَّى صار رمادْ.
 جاءَ القلمُ الأبيضُ، حَوَّلَ كُلَّ رمادِ الحقِّ مِدَادْ.
 فإذا ما فَتَّشَ أهلُ الحقِّ، فَلَنْ يجدوُهُ طوالَ الدهرْ إلاَّ في الحبرْ"( ).
هنا؛ يأتي العنوان جزءاً لا يتجزأ من المتن الشعريّ؛ فالشاعر يرى أنَّ الباطل قد سيطر على الحقّ في هذا العالم الذي نعيشه؛ حتى قتله؛ وأحرقه، وأحاله إلى رماد؛ فجاء القلم الأبيض وجمع رماد الحق؛ وجعل وجوده مقصوراً فقط على صفحات الكتب والمحابر  دون أن يتعداها إلى معالم الوجود الحقيقية على أرض الواقع؛ لهذا؛ ظلَّ الحق بعيداً مدفوناً في هذا العالم الوجودي المعيش لا نعثر عليه إلاَّ في الخرافات، الروايات والكتب المثاليَّة؛ وقد جاء العنوان جزءاً لا ينفصل عن القصيدة؛ لأنَّه مقتطع أصلاً من متنها. ومادام كذلك فهو متضافر مع المتن في تبئير الرؤية النصيَّة وتحفيزها الدلالي.
وقد تأتي بعض العناوين مشتقة من المتون؛ بدلالتها ورؤيتها النصيَّة، كما في قصيدته الموسومة بـ "الألم الغامض"؛ إذْ اشتق هذا العنوان من متنها مع بعض التغيير، فالمتن يتضمن مدلول العنوان مع تغيير الصفة [الألم الكحلي]؛ كما في قوله:
"كُلُّ امرأةٍ تعشقُ هذا الألمَ الكُحْلِيَّ وأنتَ تضاجُعُهَا
 عَمِّقْ فيها الجُرْحَ، وعَمِّقْ في قامتِهَا تلك اللَّذَّةَ من وَجَعِ الجُرْحْ.
 لا تَنْسَ وأنْتَ تَضَاجِعُهَا أن تُرْسِلَ في مَجْرَى الجُرْحِ مياهَ الملحْ.
 أَشْعِلْهَا لِتَؤُوْهَ وتَصْرُخَ.
 واجْعَلْ من كلِّ مَغَامِضِها وتراً إنْ حُرِّكَ أنْ.
 أعمقُ ما يَهْوَاهُ عَقْلُ امرأةٍ، أن تتلَّوى في شبقٍ، وتُجَنَّ، فَدَعْهَا بينَ يديكَ تُجَنّْ.
 كي لا تُدْرِكَ عند مجيءِ الصبحِ مجيءَ الصُبحْ.
 فاعْصِفْ فيها،  واعْصِفْ،
 كُنْ وَهْجَ الجَمْرِ، وَرَشقَ الرُّمحْ.
 حتَّى إنْ هدأتْ عاصفةُ الجَسَدِ اغْمُرْها كمياهٍ يَغْمُرُها الصَّوانْ، لكنْ بحنانْ"( ).
هنا، يتفاعل العنوان مع المتن الشعريّ تفاعلاً مستقطباً لرؤاها الشعريَّة، ومحفِّزاً للدخول إلى عالمها النصّيِ؛ فالشاعر يرصد مغامرة جنسيَّة؛ رصداً دقيقاً فوتغرافياً؛ إذْ يرصد حركة الجسد، ولغته الإباحيَّة؛ ويحاول أن يَصِفَ لواعجَ الأنثى، وحركتها الشبقية في اصطهاجها الجنسي؛ وغريزتها اللامتناهيّة؛ محاولاً خلق توليفية في قصائده بين المتون والعناوين؛ لإثارة الشعريَّة؛ لتمثل ذروتها الدلاليَّة، وكثافتها الإيحائيَّة؛ وهكذا، جاءت قصائد جوزف حرب منظمة فنِّيًّا على مستوى إشارتها النصّيَّة الأولى، ممثلة بالعناوين، وانتهاءً بآخر كلمة في متونها الشعريَّة كلها؛ كما لو أنَّ جوزف حرب ينظم القصيدة، ويهندسها تشكيلاً بنائيًّا قبل إخراجها يصورتها النهائيَّة التي هي عليها للقارئ، لتبدو غاية في التلاحم، والتلاؤم، والتفاعل، والانسجام على المستويات النصيَّة كافة.
* نتائج واستدلالات:
1-تنبني القصيدة الشعريَّة – عند جوزف حرب- على بداعة التشكيلات اللغويَّة، وبلاغة تمفصلاتها الشعريَّة؛ لدرجة تبدو قصيدته متواصلة العطاء، كثيفة الدلالات؛ خاصَّة على مستوى التنامي التصويريّ؛ ولانبالغ إذا قلنا؛ تمتلك قصائد جوزف حرب خصوصيَّة في الأداء، وتميُّز في المعنى؛ ناهيك عن بداعتها التصويريَّة المحكمة؛ إذْ  يلتف الشاعر على القارئ في نسق تشكيلاته اللغويَّة؛ وكأنها منسوجة نسجاً فنيًّا محكماً؛ أو محبوكة حبكاً نسجيًّا متآلفاً على المستويات كلها.
2-إنَّ شعر -جوزف حرب – مثال تجسيدي صريح  للشعر الوجداني الإنساني؛ إذْ إنَّ القارئ يجدُ فيه لذّة دائمة، وألقاً ساحراً، وشفافيَّة شعريَّة عظيمة؛ مع كل مطالعة لنصوصه الشعريَّة؛ بمعنى أنَّ إنسانيته العظيمة؛ ورُقِيِّه التشكيلي المستمر حلَّقت بفضاءات قصائده شعوريًّا، ودلاليًّا، وإنسانيًّا فوق حدود الواقع؛ فانتظم النصّ – لديه- بلغة توصيفيَّة حينًّا، وتصويرية حنياً آخر؛ ثم يقوم بتعميقها فنيًّا عن طريق التبئير النسقي، وتكثيف الرؤى والأحداث؛ لتطرح تساؤلات عميقة متجذِّرة في حقل الفن، والاستكشاف، والتأمل الوجودي.
3-إنَّ هندسة المعنى في المقاطع الشعريَّة، وتحفيزها للقارئ؛ بالانسجام، والتفاعل، والتضافر،  يجعلها ذات سيرورة نسقية منظمة؛ تبهج القارئ بتفاعلها؛ وإنْ كان ثمَّة إغراقاً في متاهات سرديَّة، وتفاصيل يوميَّة؛ فإنَّ هذا لا يضعفها أو يُّمَزِّق وحدتها؛ مما يجعلها ذات خصوصيَّة صوتيَّة إيقاعيَّة منسجمة، وجرس صوتي موسيقى  متناغم على مستوى الألفاظ، والحروف، والقوافي المتآلفة، أو المتناغمة وإن تنوعت فهو لخدمة النغم وتعدد نغماته؛ لخلق الدهشة  في المستويين التصويريَّ والإيقاعيَّ في آن معاً.
4-إنَّ ثمَّة ملمحاً بارزاً - في شعريَّة جوزف حرب- يتمثل في اللعب على إيقاع اللغة المألوفة؛ ولعل ولع جوزف بالشعر المحكي، وصياغته الماهرة له؛ أضفى على شعره الفصيح سهولة، وسلاسة  إيقاعيَّة، تنسجم في صداها الصوتي مع إيقاعها المحكي؛ إذْ يقترب شعره في صداه الصوتي من إيقاع اللغة المحكية؛ بالقوافي الدائرية المنسجمة، و الفواصل النسقية المتواشجة أو المتوترة على صعيد نسقها الصوتي والإيقاعي.
5-يكثف جوزف حرب المتناقضات أو المتضادات في تكثيف درجة شعريَّة مشاهده التصويريَّة ولقطاته التصويريَّة الدراميَّة؛ لهذا، تبدو شعريته مفارقة للمعتاد؛ من حيث مزج المتباعدات، وإثارة الجدليات و المتناقضات؛ في نسق تشكيلي متآلف؛ يثير القارئ رغم المتضادات، والانزياحات المتتالية؛ ليخلق في تشكيلاته اللّغويَّة الاستعارة الدهشة، أو الصورة الحلم، ذات الإيقاع الحلمي الترنيمي الساحر؛ ومن هنا؛ أصبحت القصيدة – عند جوزف حرب- لغة خلق، وتشكيل جمالي نسقي فاعل على المستويات التعبيريَّة كلها؛ فلم تُعَّد قصيدته توصيفيَّة ساكنة؛ بل أصبحت تموج بالأنسنة، والتفعيل البصري المجسد؛ لتثير القارئ بصريًّا كما تثيره إيقاعيًّا أو نسقيًّا بائتلافها وانسجامها على المستوى النصّي.
6-إنَّ نصوص جوزف حرب تجتهد دائماً لخلق أفق شعري جديد؛ عن طريق ابتكار الصور الجديدة، وتكثيف الأنساق التصويريَّة؛ لتجتذب القارئ إليها؛ ومن ثمَّ تحفيزه إلى مطالعتها وفك شيفراتها؛ لهذا، ظهرت حركة نشطة في صوره الشعريَّة المشهديَّة التي تحاول ارتقاء سلم التشخيص، والأنسنة، والتكثيف البصري؛ إذْ تَتَبَنَّى قصائده تقنيَّة الانزياح والحركة الدائبة على مستوى دوالها ومدلولاتها؛ لتحفيز القارئ؛ بتغاير أنساقها الدائبة؛ وانزياح مدلولاتها المفاجئة؛ وعلى هذا؛ تنفتح بنية قصائده على ممكنات شعريَّة متجدّدة تحاول ارتياد الجديد والممتع دائماً على صعيد الرؤى، والأنساق التصويريَّة؛ وأفق القصيدة الجمالي/ والدلالي بشكل عام.
7-إنَّ سعي قصائد جوزف حرب دائماً إلى خلق الإيقاعين "الداخلي/ والخارجي" عن طريق التكرار/ والتجنيس الصوتيّ، وسَّع عناصر شعريتها، وأمدَّها بطاقة حيويَّة على صعيد تناغم الصور، وائتلافها، وتكثيفها الإيحائي، وتنظيمها الدلاليّ؛ الأمر الذي جعلها ذات تشكيلات تصويريَّة مثيرة، تتجاوز الحيِّز المرئي البسيط إلى حيِّز جماليّ تصويريّ بصري جديد؛ لهذا، لم تعد قصيدته تبحث عن الإيقاع الخارجي بسبب تنظيمها الداخلي؛ بإيقاعات تنبعث من أصداء الكلمات ذاتها وتنظيمها في السياق؛ لهذا، جاء الإيقاع الخارجي إفرازاً طبيعيًّا للإيقاع الداخلي في خلق اللذة الجماليَّة في قصائده كلها .
 
( )  حرب، جوزف، 2009- أجملُ ما في الأرض أن  أبقى عليها، دار الريس؛ بيروت، ط 1، ص 228-229.
( )  المصدر نفسه، ص 58- 59.  
( )  المصدر نفسه، ص 427- 429.
( )  المصدر نفسه، ص 124- 125.
( )  المصدر نفسه، ص 94- 95.  
( )  حرب، جوزف، 2008- كُلُّكَ عندي إلاّ أنتْ، ص 296- 297.
( )  المصدر نفسه، ص 394- 397.  
( )  المصدر نفسه، ص 223- 225.  
( )  حرب، جوزف، 2008- كُلُّكَ عندي إلاّ أنتْ، ص 60- 61.  
( )  المصدر نفسه، ص 52- 53.  
( )  المصدر نفسه، ص 338- 343.  
( )  حرب، جوزف، 2009- أجملُ ما في الأرض أن  أبقى عليها، ص 253- 255.  
( )  حرب،  جوزف، 2008- كُلُّكَ عندي إلاّ أنتْ، ص 102- 103.  
( )  المصدر نفسه، ص 121- 123.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

699 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع