فلاح ميرزا
التحولات التى شهدتها السياسات الخارجية للولايات المتحدة بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية وانتصارها على المانيا النازية وضعتها فى مواقف غير قابلة للفهم والتعامل معها وفق النتائج التى خرجت بها من الحرب وخصوصا بالنسبة لموضوع الشرق الاوسط والمشاكل التى يعانى منها ابتداء بالانظمة وانتهاء بموقفها من الوعد الذى منحه بلفور لتاسيس كيانات المنطقة وموضوع اسرائيل
الشئ الخطير والخاطئ فى تلك السياسة انها تحاول ان تمسك بكافة الخيوط ومن جميع الاطراف المتناقضة وتعمل فى العلن فى ظواهر الاشياء بعكس ماتخفية من حقائق تلك السياسة فى الباطن اى انها تتعامل مع الشئ وضده, كما ان هناك سياسات غير معلنة تعمل على تكريس التبعية لها , مثلا تتعامل مع الحكومات والانظمة الشرعية بصورة طبيعية وفى الخفاء مع جماعات التطرف لتخلق بذلك بيئة غير مستقرة مع زيادة النعرات الطائفية والصراعات الاقليمية فى تكتيك استخبارى دقيق بالشكل الذى يؤدى الى اضعاف القدرات العسكرية لدول المنطقة مثل العراق وسوريا , وكذلك التعامل مع القدرات الاقتصادية لتلك الدول بقصد انهاكها وايقاف الاستثمار فيها وخنقها اقتصاديا كما فى دول اخرى وبالطبع هذا لايعني انها سوف تتخلى تدريجيا عن تلك السياسة مادامت هناك قطرة نفط واحدة هناك وستبقى تمارس هذه السياسة وتبقيها على راس اولويات امنها القومي ولان موضوعها يتعلق بدور النفط الكبير فى تحديد من سيكون الاقدر على الامساك بقارة اورواسيا من عنقها, وبالمقابل كان هناك تحولا فى الرأي العام الامريكي الذى اصبح له مكانته وبدء يدرك خطورة اللعبة واخذ يهتم فى موضوع مكانة امريكا مستقبلا وحلمها باعتباره عقيدة واسلوب حياة والتشكيك فى ديمومة هذا الحلم او امكانية تحقيقه فى المستقبل كما يقول فريدزكريا الكاتب الامريكي الكبير الذى اخذ يبحث بعصر مابعد امريكا واخر نيل فيرغسون المعروف بايمانه العميق بالراسمالية الامريكية وقدرتها الخارقة يكتب عن امريكا الدولة العظمى المتقاعدة ويقول ان وراء تراجع امريكا ليس فساد الاسواق المالية والمصارف الامريكية او نقص روح العمل وجيل الحلم الامريكي بل ظهور جيل جديد واقعي النظرة والتطلعات والى حقيقة لايمكن اغفالها وهو العالم الخارجي بدأ ينهض ويميل مفكرون اخرون الى ان الانحدار الامريكي فى الساحة الدولية انما هو قبل اي اعتبار اخر انعكاس مباشر لتأكل البيئة التحتية للمجتمع الامريكي امثال توماس فريدمان كبير معلقى صحيفة نييورك تايمزالذى يدعو الى بناء هياكل تحتية فى كافة القطاعات وتنويع مصادر الطاقة بمعنى ان تقوية امريكا من الداخل هو المطلوب , لقد اعتمدت الادارة الامريكية سياسة الخديعة فى الداخل والخارج منذ رئاسة رونالد ريكن الذى كان يخضع للاساطير التلمودية وجورج بوش الذى وقع فريسة اليمن المتطرف وتبنى شعار القديس يوحنا الذى يقول ان الحقيقة تجعلك حراThe Truth shall make you free , ورأت الادارات الاخرى بان ليس المهم المحافظة على الديمقراطية بل على المصالح الامريكية لذلك فان المغامرة الامريكية لاحتلال العراق لم تكن سهلة عليها لانها بمثابة كابوس ثقيل سيجعلها فى نهاية المطاف الى الامتثال الى الامر الواقع وان تعترف بالحقيقة .
السياسات الاستراتجية التى تضعها الدول الكبرى وتعتمدها كبرامج عمل لفترات من الزمن هى ليست ورقة خطاب تقرأ في مناسبة وتنتهى الحاجة منها وخاصة تلك التى لها علاقة بموضوعات الشرق الاوسط لانها وفى منظور تلك السياسات تقع بالمرتبة الاولى واتخذت فى سيرها على مرتكزين الاول يتمثل فى اتخاذ القرار السليم بعد تجربة جميع الخيارات والبدائل والمرتكز الثاني يعتمد على دور المؤسسات الامنية والاستخبارية ومراكز الفكرتحديدا وقال بذلك الزعيم البريطاني ونستون تشرشل , وهذه الموسسات تعمل انطلاقا من ثوابت هدفها الرئيسي خدمة المصالح الامريكية بغض النظر عن مصالح المنطقة ومن يحكمها ومدى علاقتها بها واضعتا المصالح الامريكية فوق كل اعتبار الى جانب مصالح اسرائيل , كونها ليس لها صديق ثابت ولاتعترف بالاصدقاء وتتخلى عنهم بسهولة عندما يتعرضوا لمتغيرات داخلية والامثلة على ذلك كثيرة ومعروفة والنهج الثابت ايضا هو المحافظة على مصالح الدولة العبرية اسرائيل لسبب بسيط هو ان كثير ممن يرسمون السياسة الخارجية الامريكية يعتنقون الديانة اليهودية وعلى علاقة باسرائيل لذلك فان مجموعة عوامل دولية ساعدتها على انتهاج معايير متناقضة فى حل الازمات الاقليمية ,موقفها من القضية الفلسطينية والاراضى العربية المحتلة من قبل اسرائيل والنزاعات الحدودية بين الدول والحرب بين ايران والعراق وقضايا المنطقة المتشابكة واهمها احتلالها العراق ووضع سوريا قد افرزت اراء سلبية ومعارضة لتلك السياسة مما اجبرها على اتباع اسلوب معالجة الاورام التى تعانى منها اوضاع المنطقة عوضا عن استصالها بالكي او بالفوضى وزرع قوى وتيارات تدعو الى تكريس الطائفية والاثنية والانتقام وعن طريق نشر وسائل الاتصال والقنوات الفضائية التى تدعو الى تكريس سياسة العداء والعداء بين شعوب العالم متخذه من تفجير برجى التجارة العالمى قميص عثمان لتوسيع رقعة تواجدها فى منطقة الشرق الاوسط انها معركة بين حيتان البحر وطيور النوارس لاصطياد سمكة البحر التى افلت من فكها لتكون من حصة النوارس وشتان بين هذا وذلك ولكن الحقيقة التاريخية تضعنا امام الواقع الذى انهزم فيه الجبابرة والمارقين وانتصرت فيه قوى الحق ويعترف خبير استراتجي امريكى بان ماحدث فى العراق بعد احتلاله انطلق من غرف البيت الابيض مشيرا الى ان الولايات المتحدة وقعت فى مأزق كبير لان كثير من دول العالم ادركت اللعبة وتسعى للتخلص من السيطرة وحبال المشنقة التى تفرضها السياسة الامبريالية ويضيف ان كل الاحداث والقلاقل فى دول الشرق الاوسط والدول العربية هى بفعل تلك السياسات التى لم تحسن الانظمة العربية التعامل معها بفعل قصور فى الفهم والادراك لطبيعة الاراء التى تحتفظ بها الادارة الصهيونية عن وزراء الخارجية الامريكية الذين اطلقت عليهم بانهم موالين لاسرائيل بعكس ماهو معروف عنهم اذ ان اكثرهم كان يحمل الكراهية للسياسة الاسرائيلية ويؤيدون المساعى العربية لحل القضايا المستعصية لها امثال وليم روجرز وزير خارجية امريكا فى بداية السبعينيات الذى قيل عنه انه باع اسرائيل بخطة روجرز وكيسنجر اليهودى كان غارقا فى كراهية الذات وجورج شولتز الذى ياخذون عليه اعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية ويصنفون جميس بيكركان من اكبر كارهي اسرائيل فى التاريخ ويزعمون ان ورون كريستوفر عرض امن اسرائيل للخطر ويدعون بان هيلارى كلنتون اشد من مجرد عداء لاسرائيل حسب رائ نتنياهو ويصورون كيرى بانه من مضطهدى اليهود . اليس هذا غريبا بدليل باننا لانزال نقول بعكس ذلك ؟ وامام نمو المخاوف الامريكية والاقليمية من اتساع العداء لها وتشنج فى العلاقات مع روسيا وتنامي ازمة العراق وسوريا الا ان الخيارات لازالت غير متوفرة وتراوح بين الاحتواء ماهو سيئ وتفادى السيناريوهات الكارثية مما يعني انها فى حالة تراجع وانحدار نسبي هذا التميز بين التراجع والانسحاب لا يضعنا فى استناجات متسرعة كما يقول الباحث مايكل هدسون وطالما ان الصورة على هذا النحو يمكن تفسير مانشاهده من انحسارامريكي حقيقى وكبير فى المنطقة تجلى فى تخليها عن الخطوط الحمر والخطور الزرق والبيضاء اليس هذا دليلاعلى الانحدار التاريخى الامريكي لذلك قال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارنى ان الرئيس اوباما يتوقع ان يجرى فريق الامن القومي شكل مستمر اعادة تقييم الخيارات السياسية .وتبقى حدود فهم الانظمة العربية على ما يقول به الاعلام الذى تسيطر عليه المنظمات الصهيونية بشان السياسة الامريكية فى المنطقة بالشكل الذى يعبر فيها عن المواقف بعكس حقيقتها وبخلاف ذلك فان القوى الوطنية واحزايها تجد من الصعوبة بمكان الرد عليها بشكل ايجابي رغم ان دول مثل روسيا والصين الذى يهمها ايضا ام المنطقة تبقى متفرجة والله يعين الامة على كل شئ
661 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع