غالب حسن الشابندر
في خطاب حماسي لقائد المجلس الأعلى الاسلامي السيد عمار الحكيم وصف عملية اجتياح مبنى البرلمان العراقي بـ ( الفوضى) ، ودان بشكل واضح العملية محذرا من ان المجلس لن يسمح بمثل هذه الفوضى، ملمحا من طرف خفي الى السيد مقتدى الصدر بأنه المسؤول عما جرى في هذا المجال. وكان خطاب السيد الجليل حماسيا جدا، خاصة في المقاطع التي كان يعرّض من خلالها بالسيد مقتدى، وقبل ذلك بالجموع الغاضبة على مجلس النواب !
لست مع الاجتياح المذكور، وإنْ كان مجلس النواب العراقي بمجمله يستحق المحاكمة، حيث الاداء الفاشل والفساد المستشري، والسيد الحكيم مطَّلع حتما على بواطن الامور، خاصة بعض حملة الشهادات المزورة في المجلس، ولكن بودي ان اسال هنا ، وبكل براءة كمواطن عراقي بسيط :
ـ عندما تُقطَعُ الطرق والسبل بمدرعات الجيش العراقي ، وتتسبب في ازدحام مروري قاتل ، يساهم في حرمان الناس من تحصيل معاشهم ومعادهم ، وتتعطل حركة الحياة في اهم منطقة من مناطق بغداد ( الجادرية ) ، لا لشيء إلا لأن سماحة السيد يرعى مؤتمرا او يشرف على احتفال ربما يخص بيت السيد الحكيم ، في مثل هذه المفارقة ، ألسنا نلتقي بأخص مصداق لمفهوم الفوضى، بل نلتقي بأهم مصداق لمفهوم الاستهانة بضعاف الناس ، ومن لا حول لهم ولا قوة ؟
ــ وعندما يجتاح زوار الجارة الشقيقة ايران الحدود العراقية، وبالاعتداء السافر على شرطة الحدود، وتمزيق كل مستمسكات الدولة التي تحتفظ بها مما يخص مشاكل الحدود واسرارها وطبيعة الاجراءات المتخذة لحماية البلد ، بل أكثر من هذا ، عندما يجتاح هؤلاء البلاد بلا اذن وبلا تأشيرة وبالآلاف بحجة الشوق لزيارة الحسين عليه السلام ، مثل هذه التصرفات اليست من صلب الفوضى سيدنا العزيز ؟ فأين موقفك البطولي منها ؟ ولماذا لم نسمع منك كلمة واحدة تدين هذا الاستهتار بالعراق وشعب العراق بل وحتى حسين العراق ؟
ــ عندما تتحول مستشارية الأمن القومي الى كتلة عشائرية حيث يتم توظيف اكثر من الف عنصر من عشيرة واحدة ، بجرة قلم ، والكثير من هؤلاء المشمولين ببركة مستشار الامن القومي لا يملك من كفاءة سوى كونه( مزارعا يجيد القراءة والكتابة ) ... أقول وفي الحلق غصة : سيدنا العزيز اليست هذه فوضى اخطر من فوضى شباب متحمس لدينه ووطنه يشعر بالغرم والحرمان يقتحم مقر الكثير من اللصوص والحرامية والسراق ؟
قل كلمتك هنا !
هذه فوضى اخطر من فوضى البراءة العراقية بكل ما تزخر به من عفوية وعاطفة وحب ، فلماذا هذه الفوضى لا تسترعي انتباه سيدنا العزيز، ولماذا لا يخرج على التلفاز ليعلن ان مستشارية الامن القومي عبارة عن اقطاع وظيفي محتكر ؟
ــ عندما تنوب عن كل الشعب العراقي لتبلِّغ ولي امور المسلمين سماحة السيد علي الخامنئي ــ حفظه الله ــ وكان يتماثل للشفاء بأن كل الشعب العراقي ، وبالاخص المجلس الاعلى يرفع يده بالدعاء للسيد الجليل، فيما انت لا تمثل الشعب العراقي كله ، ولا كل الشعب العراقي كما نقلت عنه بل ولا حتى ربع الشعب العراقي ، فهل هي الا استهانة بارادة ومقدرات هذا الشعب المسكين ؟
ومتى كانت الاستهانة بارادة شعب اقل خطرا من فوضى عارضة وربما بعض اسبابها موضوعية ؟
السيد عمار الحكيم حتما مطلع جيدا على ان الفوضى بحد ذاتها محكومة بقوانينها الداخلية الصارمة ، فكان الأجدر به ان يتحدث لنا عن اسباب هذه الفوضى ، وان يحلل لنا موضوعيا المناشئ الحقيقية لها ، فلعله يصل الى نتائج تخفف من ثورته الخطابية الحماسية على هذه الجموع ( البعثية، ذات الاكمام الوسخة، الشعور الشعثة ... ) ، والا ماذا تقول سيدنا لهذه الجموع وانت محصن بما لم يحصن به نفسه امبراطور الحبشة،ولا كسرى ساسان؟
هل تريد المزيد سيدنا العزيز ؟
التكنوقراط السياسي الذي تدعو اليه سيدنا الكريم هو عين الفوضى ، لأنك تعلم بأنه مسيّس وموظف لخدمة الكبار، ربما انت منهم ـ لا سمح الله ولا قدر ــ واللعبة باتت مكشوفة، فإن الفوضى تشمل البلد من اقصاه الى اقصاه ، وإلا فأية فوضى اكثر من منطق الاقطاعيات السياسية والحزبية والعائلية في معهد التدريب الدبلوماسي، ومكتب رئاسة الوزراء ، بل وحتى مجلس النواب الذي تدافع عنه ، فهل هناك فوضى مقنعة اكثر من ان يتحول مجلس النواب الى كتل اسرية حاكمة متحكمة ؟
الشاب الحافي العاري - سيدنا - الذي لم يعرف حدا للشبع ، ولم ير بعينه لعبة السيرك التي يجيدها احد ابنائكم البررة، يتحرق ثورة وهو يرى خمسة من اصهار واقارب المالكي داخل البرلمان، وكذلك محمود الحسن صهر خالد العطية نائب رئيس البرلمان العتيد في ظل حكومة المالكي، وشقيق فالح الفياض مستشار الامن القومي، والقائمة تطول ... هذا الشاب ليس بعثيا، ولا فوضويا، وربما ولا سياسيا ، وانما جائع ، عريان ، يريد ان يأكل كما يأكل الناس ، يعيش كما يعيش الناس، فاقتحم البرلمان. كانت ثورة – سيدنا - وليست فوضى، ثورة عفوية – سيدنا – لم يخطط لها في قصور ودور ظاهرة وخفية تجري في داخلها محاصصات التمثيل الدبلوماسي والعقود، حيث في الاثناء ترددون مصطلح ( الغوغاء ) تقليدا لصدام حسين وهو يشتم الثائرين ، لتصفوا بها هؤلاء الجياع ، حثالة البروليتاريا الرثة ...
(للحديث بقية)
956 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع