الترقية بالكفاءة والترقية بالأقدمية !

                                   

                      مهند النابلسي

 
 
بطيخة واحدة ام عدة بطيخات ؟ ...

لا اعتقد أن أحدا يريد أن يلتبس عليه مفهوم الترقية بالكفاءة فيصبح أحيانا " الترقية بالواسطة " او " الترقية بالمحسوبية"، فبدون تعريف واضح محدد للكفاءة ومعايير قياسها، يصبح من الصعب جدا تطبيق مفهوم " الترقية بالكفاءة"، ومن الأجدى تجنبه مرحليا، وحتى باليابان والغرب وامريكا فالترقيات السريعة تعتبر مخاطرة، ولكن حاجة المؤسسات الصناعية والخدمية للديناميكية والتطور ومواجهة التحديات الكثيرة تتطلب احيانا الشجاعة بالاقدام على اعتماد هذا الاسلوب والمخاطرة باتخاذ قرارات جريئة.
في اليابان يصطدم  مفهوم الترقية بالأقدمية  مع الحاجة الماسة لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولكن متطلبات العمل والمنافسة الشديدة في الصناعة تتطلب وجود كوادرمؤهلة، ويعني ذلك اختيار  الأحسن لكل عمل بدون اعتبار خاص  للخبرة او للعمر، وتعتبر اليابان  من أكثر الدول اعتمادا للأقدمية  في الترقيات الوظيفية، كما تحدث التجاوزات الجديدة المؤهلة تفاعلا وضجة تؤدي احيانا لتعطيل التعيينات الجديدة ووضع العراقيل امامها، الا أن كثيرا من المدراء يتقبلون فكرة التجاوزالمبني على التفوق والكفاءة، ولكن تطبيق هذه الفكرة يصطدم عمليا بالتفكير التقليدي المعتمدعلى الأقدمية: فالموظف القديم لا يملك الاندفاع والحماس ولكنه قد يعوضهما بفضيلة الخبرة المتراكمة، كما اننا لا يجب ان نغفل عن مزايا " الأقدمية" فهناك الاحترام والتقدير للكبار اللذين أفنوا اعمارهم في الخدمة، وهناك الشعور الجميل بالآمان الوظيفي، بالاضافة لكون هذا التشكيل الهرمي المؤسسي التقليدي يساهم أساسا بانشاء " خزان" من المعلومات والمعرفة والخبرات المتراكمة التي تسهل جميعها سريان الامور بسلاسة وانسياب، ولكن بالمقابل فأجواء المنافسة والتحدي والتطور لا تسمح اطلاقا بالركود، فما هو الخيار الوسط الأنسب؟  انه 70 بالمئة ترقية بالأقدمية و30% ترقية بالكفاءة او باعتماد "الأفضلية التنافسية"، ولكن من الهام جدا بمجتمعاتنا العربية اتخاذ خطوات جريئة استباقية قبل الاقدام على هذه الخطوة  وهي تحديدا: مقاومة الواسطة جديا وليس بالشعارت فقط وبتدبيج المقالات وكذلك بمكافحة المحسوبية المتجذرة وما يسمى عرفا " كرت غوار "! ثم بالتوعية المستمرة بمتطلبات نمو الصناعة والخدمات ومرافق الأعمال والتطور الاخرى، وكذلك التنبيه لضرورة استخدام الكفاءآت وتفعيل دورها في مجتمع الأعمال  وتعزيز انطلاقتها  وتسليط الأضواء على انجازاتها ...أي أن الأمر يتطلب حدوث تغييرات "جذرية وربما ثورية" في طرق تفكيرنا الجماعي، كما لا يمكن انكار تنامي الوعي  والانفتاح  والرغبة الشعبية الجامحة لمحاربة كافة اوجه الترهل والتسيب والفساد الاداري والمالي ...فهذه العوامل وغيرها  تسمح تدريجيا بتكوين تربة خصبة صالحة لتطبيقات عصرية مماثلة، ويجب هنا ان نعترف بصراحة أن الترقية بالكفاءة خيار صعب  وفيه مخاطرة: فأنت نظريا على الأقل لا تستطيع أن تخمن قدرة شخص ما على الاداء والانجاز افتراضيا قبل تجربته على ارض الواقع، وقد يساعد هنا التدريب المكثف  والاداء السابق لهذا الشخص المرشح، وما يملك من رؤيا وحكم صحيح على الامور  ومعرفة كافية ورغبة بالتعلم وسلوكيات مناسبة لمواجهة تحديات الوظيفة، واذكر كمثال معبر ان الواسطة والمحسوبية والدعم الكبير قد أوصل مهندسا "متواضع القدرات" لأن يشغر عدة مناصب مؤثرة في مؤسسة صناعية كبرى في نهاية الألفية  الثانية،  ولم يستطع ان ينجز متطلبات هذه الوظائف بالرغم من شعوره بالزهو والخيلاء و"شوفة الحال" كما يقولون بالعامية، وعندما تولى المسؤولية مدير تنفيذي جديد صارم خاطب هذا الشخص بقوله: أنت تحمل عدة "بطيخات" بيديك وعاجز تماما عن التعامل معها وتكاد أن تسقط من يديك الهزيلتين او سقطت  واحدثت جلبة وتلوثا! وانا لست مهتما بابقاء هذه البطيخات على يديك وعليك أن تكتفي ببطيخة واحدة فقط! فذهب صاحبنا شاكيا-باكيا لعرابيه المتنفذين طالبا النجدة!
 
الحقيقة ان الشخصية البشرية تثيرالاندهاش والاعجاب احيانا،وخاصة امام التحديات العملية والقيادية، فقد تجد أشخاصا قد تصرفوا بروح قيادية فذة وواجهوا صعابا ونجحوا بتجاوزها، بالرغم من عدم توقعنا لذلك، لذا يقول ماتسوشيتا (أحد عباقرة الادارة اليابانية والرئيس السابق لشركة ناشيونال باناسونيك الشهيرة): كثيرا ما أمنح الشخص الكفؤ الفرص حتى اذا اقتنعت بنجاحه لدرجة ستين بالمئة فقط! أما النتيجة التي سنخلص اليها هنا فهي أن الترقية بالكفاءة عمل صعب واختيار فيه مخاطرة وجرأة، ولكن بغير الجرأة على اتخاذ هذه "المخاطرة" فمن الصعب توقع نمو كبير ونجاح باهر في عالم الأعمال والتحديات والمنافسة الشرسة، ومن الضروري اللجؤ لهذه المخاطرة من وقت لاخر لاحداث قفزات نوعية في مجالات البحث والتطوير والخدمات والتسويق، وهذا هو ربما ما ينقص مجمل صناعاتنا وخدماتنا العربية!
م.مهند النابلسي
كاتب وباحث متخصص بالجودة والتميز والاستراتيجية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

950 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع