سلام جبار عطية
في الاختراعات التي توصل اليها الانسان كانت الحاجة الانسانية هي الام والمصدر لتلك الاختراعات. ولو لم يكن القياس مثيرا لحساسية الفقه لتمكنا من القول بان الحاجة هي ايضا ام الفتوى!
ولا داعي هنا للمكابرة بتعظيم مساحة مايسمى الثوابت , فللمتحرك من المعاملات للشخص المسلم مساحة كبيرة وهي في الواقع اكبر بكثير من الهامش الخجول الذي منحه له الفقه.
إن العرض التاريخي الذي قدمه الاستاذ بجمان وطنخواه, في تناول الفتوى للمتغيرات في ايران يؤكد ما نذهب اليه في اساس الحاجة وامومتها للفتوى,
1-في بدايات القرن العشرين حرمت الحوزة العلمية في ايران استخدام صنبور الماء ولم تُجزه شرعا وقد عللت ذلك بانه ليس (كُرا)!, ثم عادت لتجيز استخدام مياه نفس الصنبور بعد علمها بان المياه فيها جارية ولاينطبق عليها مقياس الكُر.
2-حرمت نفس الحوزة مياه ال(دوش), لانها لاتملك تحقيق الغُسل الارتماسي!, وحينما ضغطت وزارة الصحة والقصر الملكي باتجاه ممارسة العادات الصحية عادت الحوزة لتجيز الدوش باحيائها للغًسل الترتيبي.
3-تحريم استخدام المصباح الكهربائي والذي عللته بانه سيكون سببا في السهر لساعات متاخرة وانشغال المؤمنين عن صلاة الصبح! وبعد التفاوض مع الحاج امين الضرب صاحب مصنع المصابيح الكهربية ودفعه الاموال الكبيرة عادت الحوزة لتجيز استعمال المصباح. علما ان بعض علماء الحوزة في مشهد رفضوا التجويز وحرضوا مقلديهم بمساعدة الحكومة الروسية على حرق معمل المصابيح الكهربائية في العام 1911.
4-تحريم تناول السُكّر الصلب او الكلة قند (القند مخروطي الشكل)! , اذ اشاع المتدينون انذاك بان الكله قند يصنعها الكفّار الروس وهي مخلوطة بمطحون عظام الموتى . علما بان السبب الحقيقي يعود الى عدم نجاح التفاوض مع تجار استيراد القند ورفض التجار دفعهم الوجوه الشرعية. والدليل على ذلك ان الحوزة عادت لتجويز تناول القند بعد ان وافق المستوردون دفع الوجوه المطلوبة حيث اكد علماء الحوزة بعدها بان القند تذهب نجاستة بعد ان يغسله الشاي فيصبح طاهرا جائز.
5-تحريم استخدام غسّالة الملابس, والعلة في ذلك هي خلط الالبسة الطاهرة بالنجسة. وقد تم تجويز الاستخدام بعد زيارة وزير الاقتصاد الانكليزي ومدير مصانع الغسالات الى ايران والحوزة.
6-في العام 1963 حرّمت الحوزة على النساء التصويت في الانتخابات والاستفتاءات العامة والمحلية رغم ان الشاه لم يستجب لذلك وكان يحتكم للاصوات على اساس الجنسية لا الجنس , لكن الغريب في الامر هو عودة الحوزة نفسها الى تجوز التصويت للمراءة في العام 1980 بعد ان احتاجت لصوتها في انتخاب الجمهورية الاسلامية التي تحكمها الحوزة سياسيا وعقائديا,
7-تحريم انشاء ومد السكك الحديد في عهد الشاه رضا, وقد علل السيد علي كني التحريم انذاك بان السكك الحديد ستكون طريقا لتسلط الكفار على المسلمين., وبعد الضغط الحكومي والمطالبات الشعبية حللت واجازت الحوزة مد السكك الحديد وتسيير القطارات.
8-تحريم لعبة الشطرنج. والعلة في ذلك بان اللعبة هي اموية الاصل وقد كان بنو امية يلعبون بالبيادق, ثم سكتت الحوزة عن تاسيس اتحاد للشطرنج في زمن رئاسة الشيخ الهاشمي رفسنجاني.
9-تحريم استخدام جهاز الفديو وبعده جهاز ال(سي,دي) معللتا ذلك بفساد الامة الاسلامية من خلال مشاهدة الافلام الاباحية وحرمت تبعا لذلك اطباق الاستقبال الفضائي (الستلايت) ثم الانترنيت , وبعد ان اصبحت الدولة هي المُصنّع الاكبر للكومبيوترات والهاتف الخلوي ومتلك العلماء والحوزات مواقع الكترونية للتبليغ, ذاب التحريم من مصدره.
ومن خلال هذا العرض الموجز لنموذج قولبة الفتوى يتبين لنا بان تاريخ الفتوى محاصر بالحاجة ومقيد بالزمان والمكان ومحكوم بالاشخاص وعليه يمكن ان نكرر قولنا في بداية الموضوع بان الحاجة ام الفتوى.
1110 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع