هل حان الوقت لـ (خويبون) آخر؟
القضية الكردية
الدكتور هنري آستارجيان
ترجمة: آرا دمبكجبان
في خضم الفوضى الحاضرة في الشرق الأوسط – متمثلة بالهيجانات السياسية الكبيرة، العمليات العسكرية لإقامة إبادات جماعية جديدة، التهديد بنشر الأسلحة النووية، التغييرات الديمغرافية الكبيرة للسكان – تحتل القضية الكردية وضعاً مركزياً مهماً لحكومات تركيا، إيران، العراق، و سوريا، و بطبيعة الحال نحن، الأرمن.
ليست القضية الكردية حديثة الولادة؛ فنضال الشعب الكردي للقبول كمجموعة إثنية-قومية تتمتع بنوع من الحكم الذاتي بدأ حوالي سنة 1843 عندما حشد قائدهم الأمير بدرخان في بوهتان جيشاً قوياً تعداده 40,000 مقاتل من الأرمن و الأكراد و أعلن الحرب على العثماني الغاصب. ساهم الأرمن في هذه الحركة بحماس لأنهم رأوا خلاصهم به من الأستبداد التركي.
أصبح هذا الأتحاد نعمة و بركة للأرمن لأن العشائر الكردية التي كانت معادية لهم في الماضي، أصبحت حليفتهم ضد عدو مشترك واحد...الحُكم التركي. و في الوقت نفسه ألغى الوضع الجديد تحالف الأرمن مع الأتراك ضد العشائر الكردية.
ناضل الأرمن و الأكراد طويلاً، كل حسب ظروفه، لأجل تحقيق حقوقهم القومية، و في حالة الأكراد...الهوية الكردية. و أفضل مثل على هذا هي الأنتفاضات و الثورات التي قادها الشيخ عبيد الله و الشيخ سعيد في بداية الربع الأول من القرن الماضي.
لقد كانت العلاقات الأرمنية – الكردية متقطعة و غير موثوقة من قبل الجانبين، على الرغم من وجود فترات من التعاون المتبادل.
في أثناء فوضى تغيير التحالفات، تغيَّرت أيضاً المصالح و الطموحات الشخصية و القومية، و كذلك قوى الحركة السياسية. و كانت هذه المرة عن طريق التخطيط الألماني و التصميم المبيَّت لحزب الأتحاد و الترقي (تركيا الفتاة)، الأكراد، بالأشتراك مع الحكومة و قسم من الشعب التركي، ارتكب الجميع جريمة الإبادة الجماعية للأرمن في 1915. لقد قتلوا و نهبوا، أغتصبوا نساءنا و خطفوا أطفالنا. لم تكن المشاركة في ارتكاب هذه الجريمة عملاً وطنياً يخدم القضية الكردية.
بعد مرور سنوات على أرتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الأرمن، نمت الكراهية بعمق ضد الأكراد، و لم يكن للأرمن أي أتصال بهم إطلاقاً. أحسَّ بعض من الأرمن، ان مصطفى كمال الذي جاء الى الحكم في 1921، أنتقم لمأساتهم عندما أعدم 700 من وجهاء الأكراد و الشيوخ بقطع رقابهم. في الحقيقة، كانت لعمليات الأعدام أسباباً و حوافز أخرى.
أرتكب أتاتورك جريمة إبادة جماعية من نوع آخر ضد الأكراد بإنكاره قوميتهم و منعهم من التحدث باللغة الكردية و ممارسة شعائر ثقافتهم. و شاركت الدولة بعمليات التطهير العرقي بأختطافها الأطفال الأكراد و إبعادهم بإرسالهم الى مدارس بعيدة، و إعطائهم أسماءاً تركية، و غسل أدمغتهم و منحهم الهوية العرقية التركية.
كان بإمكان أتاتورك قتل الأكراد، و لكنه لم يستطع أن يقتل الطموحات الوطنية الكردية.
في نهاية العشرينات من القرن الماضي أستمر الأكراد في نضالهم و شنّوا نزاعاً مسلحاً ضد الحكومة المركزية نظَّمه حزب خويبون (Xoybun – Khoyboon) الذي أسَّسه الأكراد مع الأرمن، و نجح الحزب في تأسيس جمهورية آرارات و إعلان أستقلالها في 28 تشرين الأول 1927. لعب حزب "الأتحاد الثوري الأرمني / الطاشناق" دوراً بالغ الأهمية في توجيه الانتفاضة نحو النصر.
سحقت السلطات التركية الجمهورية الوليدة في أيلول 1930، و لكنها لم تقضِ على فكرة المسألة الكردية التي نجت و عاشت و تقدَّمت خطوة أخرى نحو الأمام. في هذا الوقت أزداد توهج الحماسة الثورية عندما قاد سيّد رضا، القائد العلوي لعشائر زازا، ثورة جديدة؛ حيث استجابت قوات أتاتورك لها و شنَّت مجزرة رهيبة ضد أكراد درسيم و زازا في 1937. بدأت المعلومات المخفية عن هذه المذبحة تظهر الى الوجود الآن و بعد سبعين سنة. (لي موضوع عن درسيم و مذابح الأكراد من قبل أتاتورك سأنشره لاحقاً. آ. د. )
لم ييأس الأكراد أبداً. و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، كانت الظروف مناسبة لأكراد إيران لخلق جمهورية أخرى، و هذه المرة في مقاطعة مهاباد. ساعد السوفييت في تأسيس هذه الجمهورية، ليس حُبّاً بالأكراد بل لتحقيق مطامحهم الخاصة و مصالحهم الأقليمية، فأعلنت الجمهورية أستقلالها عن الحكومة المركزية في طهران في 22 كانون الثاني 1946. رأسَ القاضي محمد الدولة و الملا مصطفى البارزاني وزارة الدفاع. سحقت حكومة طهران، بمساعدة السوفييت و البريطانيين، جمهورية مهاباد بعد 11 شهراً من تأسيسها، و أرسلت القاضي محمد الى المشنقة، بينما لجأ الملا مصطفى الى قاعدته في منطقة بارزان في كردستان العراق.
في الثالث من شباط سنة 2012 و تحت رعاية مسعود البارزاني، رئيس أقليم كردستان العراق، أنضمت الأحزاب الكردية المتصارعة من إيران مع قادة الأكراد من كردستان الكبرى، و أحتفلوا الذكرى 66 لتأسيس جمهورية مهاباد. كان الحدث غير أعتيادي لكونه الأحتفال الأول من نوعه من 66 سنة. ماذا كان العامل الدافع و المحفِّز له؟
أستناداً على تاريخهم الثوري و النضالي من أجل تحقيق الأستقلال، و من خلال خطابه الذي وجَّهه الى المحتفلين، أقسم البارزاني على توحيد أكراد تركيا و إيران و العراق و سوريا لتحقيق حلمهم في إنشاء كردستان الكبرى. لم يصرِّح أي سياسي أو قيادي كردي على مستوى مسعود البارزاني تصريحاً من هذا الوزن في العلن و بأعلى صوته من قبل. كان للتصريح نتائج أبعد من الكلمات التي قيلت، و أكثرها وضوحاً مصالحة الأحزاب الكردية و العشائر و المجموعات السياسية المختلفة و المعادية لبعضها و تحضيرها لإعادة تأسيس جمهورية كردية على غرار مهاباد.
في الواقع، كانت الخطة من وضع الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الجمهورية الأسلامية في إيران من الداخل لتخليص العالم من التهديد النووي الإيراني. حاول مسعود البارزاني و لكن جهوده لم تُثمِر بسبب العداء المستفحل بين الأحزاب و المجموعات الكردية الإيرانية.
سنأتي الى التفاصيل لاحقاً، و لكن ما يهمنا في هذا الموضوع و هو أمر معروف منذ زمن و لكن ليس من خلال خطاب لمسؤول كردي منتَخَب مثل البارزاني، أي الألتزام بتأسيس كردستان موحَّدة تجمع كردستان العراق و إيران و سوريا و تركيا. على الذين يبحثون في أمر أتحاد مثل هذا يجب ان يأخذوا بنظر الأعتبار حقيقة كون جزء من كردستان المنشود هي أراضي أرمينيا الغربية. نحن المالكون الوحيدون للولايات الست التي أُدخلَت أعتباطاً في خرائط كردستان. هذا الأمر غير مقبول، و اذا بقي الوضع كما هو عليه، فإن أي تقارب أرمني – كردي سيولد ميتاً.
أوضح الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون حقوق الأرمن و الأكراد، في الأرض و مصادر المياه، في منطقة الأناضول بدقة و صادقت على خريطته عصبة الأمم آنذاك. و يعتبر هذا حل عادل و منصف للمسائل المعنية المتبادلة. لا تستطيع معاهدة لوزان الجائرة و لا أي معاهدة غير منصفة أخرى أن تمحي البنود (معاهدة سيفر- آ. د.). المبادرات القائمة لترميم الكنائس و إعادتها، و التي لم يكن في الأساس أي داعي للإستيلاء عليها أو تدميرها، هي مبادرات مرحَّبة فيها، و لكن هناك أمور متعلقة اكثر تعقيداً من إقامة القداس و الصلوات في كنائس آختامار و القديس كيراكوس.
يعتبر البيان الأول الصادر من البرلمان الكردي في المنفى في بروكسيل نزيها و نبيلا في معانيه الذي تضمَّن الأعتذار عن الفظائع و البشاعات التي أرتكبتها العشائر الكردية (في أثناء جريمة الإبادة الجماعية للأرمن في 1915 – آ. د.) و لكنه لا يغيِّر الوضع ماديا على الأرض. لقد تخلَّصنا نحن و تجاوزنا الآثار النفسية الناتجة عن قتل أبائنا و أجدادنا على الرغم من ان السياسات الحقيقية ترفض العواطف و الأحاسيس الأنفعالية.
فرضّ علينا التاريخ و الجغرافية و المصالح الوطنية قدراُ مشتركاً و محتوماً، إذ لا يمكننا الطلاق و الأفتراق عن بعض، إلّا اذا تنازلنا عن أرمينيا الغربية، وطننا.
و يبقى هناك سؤال واحد بحاجة الى جواب: هل من الممكن أن يكون هناك خويبون آخر؟
الدكتور هنري آستارجيان
ترجمة: آرا دمبكجيان
1196 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع