بقلم : سالم ايليا
لقد كان الرئيس الأسبق صدام حسين أول رئيس عراقي قفز على القوانين بإنفراده بصياغتها وإرتجالها في بعض الأحيان على شاشة التلفاز حين كان يوعز لمرافقه الأقدم بكتابة القانون خلال زياراته الميدانية ومن ثمّ نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي أو الأيام التي تليه دون أشباعه بالدراسة من قبل المختصّين أو أخذ رأي الوزير المختص أو في أحسن الأحوال كان يتصل مكتبه شكلياً بأعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء (لإبلاغهم) بالقرار أو الإنتظار لعرضه في الإجتماع الإسبوعي لمجلس الوزراء والتوقيع عليه حيثُ لا يتجرأ أياً منهم لمعارضته ، وكمثال لا يزال ماثلاً للأذهان صياغته وأقراره لقانون سمح بموجبه للفلاحين والبدو بحفر الآبار الإرتوازية في مناطقهم لإستخدامها في الري وإرواء الأغنام وللإستخدام الشخصي دون الرجوع الى أصحاب الإختصاص لدراسة القانون وما يصاحبه من ضرر على خزين المياه الجوفية ، مما أثار حفيظة المختصّين وبعد مراسلات عديدة لوزارة الري ، خرج صدام حسين في زيارة أخرى ليعلن الغاء القانون الذي تسبب في عشوائية حفر الآبار وإهدار المياه الجوفية التي تعتبر الخزين الإستراتيجي للمياه السطحية (الأنهار والبحيرات) ، ومثال آخر خلال زيارته للأهوار سمح لصيادي الأسماك بإستخدام المفرقعات والسموم لصيدها مما أتت هذه الطريقة على جميع أحجام الأسماك والقضاء على الثروة السمكية وايضاً تم الغاء القانون بعد حصول الكارثة ، وهنالك أمثلة لا حصرة لها .
كذلك فهو أول رئيس سمح لأبنائه بالتدخل في إدارة الدولة ولا أريد الخوض في التفاصيل المملة لهذا الأمر ، فكل العراقيين بل العالم أجمع على معرفة كاملة بهذا الأمر .
كذلك أعاد المجتمع الى العصبية القبلية بدعوته للعشائر الى مبايعته أثناء إستقباله لرؤسائهم في القصر الجمهوري أو في زياراته لهم وتشجيعه للعودة الى قوانين العشيرة خلال أحاديثه المتلفزة ، وأعطى أولوية التعيين لأبناء عشيرته وبلدته كأفراد حماية له وتعيينهم أيضاً في المناصب المهمة متجاوزاً الكفاءة والتحصيل الدراسي (صهره حسين كامل المجيد كمثل ، وهذا ما أكده طارق عزيز خلال اللقاء الذي أجراه معه في السجن الناطق الرسمي للحكومة السابق علي الدباغ) .
وهو أول رئيس تألّفَ موكبه من عشرات العجلات ومئات الحمايات وكانت الطرق تقطع لساعات عديدة في إنتظار مروره ربما لثوانٍ فقط في الشوارع أو تقاطعاتها ، في حين لم يتجرأ ملوك العراق ورؤسائه حتى إنتهاء فترة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر على إستخدام أكثر من سيارتين واحدة للرئيس أو المسؤول والأخرى لمرافقيه وفي أكثر الأحيان سيارة واحدة فقط ولم يكن هنالك أي حماية عدا حالات المواكب الرسمية في إستقبال رؤساء الدول ، وأتذكر جيداً حين زار الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر الجامعة التكنولوجية وكنتُ طالباً فيها سنة 1976م بسيارة مرسيدس واحدة كانت تقلّه مع مرافقه وسائقه ولم يكن معه أي فرد من الحماية ، حتى إنّ إبنه محمد الذي قتل مع زوجته في حادث مروري كان يأتي في بعض الأحيان لأخذ زوجته الطالبة حينذاك في قسم السيطرة والنظم بسيارة من نوع (داتسون) وينتظر خارج الجامعة حتى خروجها اليه لأنه كان يحظر على غير الطلاّب الدخول الى الجامعة وفي كثير من الأحيان كان يوصلها سائق خاص بسيارة مرسيدس قديمة موديل 1966 ، ومن الممكن التأكد مما ذهبت اليه بشأن أحمد حسن البكر من خلال الرابط أدناه :
http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=123915#axzz47FEhxAuS
وبهذا فقد كان صدام حسين أول رئيس سخّر إمكانيات الدولة بكل طاقاتها لخدمته وخدمة عائلته وحيثُ فتح الباب على مصراعيه للحكام والسياسيين الجدد بعد 2003م ليحذوا حذوه !!! .
ويؤكد الصحفي محسن حسين نائب المدير العام لوكالة الأنباء العراقية حينها وهو أحد الصحفيين المرافقين لصدام حسين في جولاته الخارجية مذ كان نائباً لمجلس قيادة الثورة من أن صدام حسين بدأ يسافر بطائرة مستقلة لوحده عندما أصبح رئيساً للجمهورية ويسافر الوفد المرافق له من المسؤولين والوفد الصحفي بطائرة أخرى !! ويوضّح من خلال حديثه على الرابط أدناه مدى إحتراز صدّام حسين من عدم ظهور إسماً غير إسمه في الإعلام حتى لو كان المعني أقرب الناس اليه :
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=285019
كذلك كان أول رئيس أمر بتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق العراقية من خلال تسفيره عنوة لشرائح معينة من الشعب من والى مناطق أخرى مما أربك الحياة الإجتماعية للعراقيين وكما حدث للكرد ، إضافة الى تغييره للواقع البيئي لمناطق أخرى كتجفيف الأهوار الذي أدى الى كارثة بيئية بشرية وحيوانية بفقدان العراق لأنواع مهمة من الطيور المهاجرة وتقليص الثروة السمكية الى أدنى مستوياتها وقراره خلال الحرب مع إيران بقطع النخيل على ضفاف شط العرب والمناطق الحدودية المتاخمة لإيران فتراجع العراق عن رياديته كأول بلد للنخيل في العالم ، وقراره الأسوأ بالعقاب الجماعي لشريحة عراقية كبيرة كان معظم أفرادها مواطنين خدموا البلد فرماهم على الحدود بعد إسقاط الجنسية عنهم وجرّدهم من كل أموالهم وممتلكاتهم تحت ذريعة التبعية الإيرانية تاركاً في جيوبهم خمسة دنانير فقط !!، فماذا نتوقع من شخص يعود هو وأفراد عائلته الى العراق بعد غياب في المخيمات والمنافي لأكثر من (23) عاماً وبعد أن طردته حكومة بلده بأبشع الطُرق اللاإنسانية بتهمة الإنتماء العرقي الذي لا ذنب له فيه ؟ ـ ـ هل نتوقع منه ومن أبنائه إخلاصهم للبلد ؟ ـ ـ هل لو كنّا نحن محلّهم سنتصرف بطريقة أفضل ؟ ـ ـ وهذا بالتأكيد سينطبق على المهجّرين من اليهود في نهاية الأربعينات من القرن الماضي وعلى المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين وجميع من هجّر عنوة من منطقته في الوقت الحاضر.
أما في مجال إهدار المال العام وسرقته فلا يختلف إثنان من أن ميزانية الدولة كانت مباحة للرئيس الأسبق صدام حسين ولا يوجد أي شخص يستطيع سؤاله عن الصرفيات أو المُنح التي كان يمنحها لرؤساء دول دون مسائلة وهم أنفسهم الذين وقفوا ضده بعد دخوله للكويت ، فالكثير من الدول الأفريقية والدول العربية كانت تسترزق من الخزينة العراقية وشعب العراق جائع وحيثُ كان يعيش هذا الشعب على مكارم السيد الرئيس (حفظه الله) بمنح العائلة العراقية دجاجة واحدة لشهرٍ معين وتبقى وسائل الإعلام تطبل لتلك المكرمة . وقد قالها الرئيس الأسبق صدام حسين خلال أحد لقاءاته مع عضوات إتحاد نساء العراق من إن زوجته السيدة ساجدة خيرالله ذهبت الى مدرستها مشيئاً على الأقدام في منتصف الستينات من القرن المنصرم لأنه لم يكن لديها درهم واحد لركوب وسائط النقل !! ، إذن من أين أصبح لديها الملايين ؟ ، والشيء ذاته ينطبق على جميع أفراد عائلته وأقاربه ويكفي الرجوع الى أحد لقاءات الأستاذ صلاح عمر العلي على الرابط التالي للتأكد من صحة ما طرحته في هذه المقالة :
https://www.youtube.com/watch?v=_iyUNkxl8-U
وفي سياق التصرف بالمال العام دون الإستناد على القوانين النافذة ، ذكر لي أحد الأطباء الأخصائيين الذي كان يقييم في المملكة المتحدة في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم (الذي عاد الى العراق نتيجة الجولة التي قادها وزير التعليم العالي حينها لتشجيع عودة الكفاءات الى الوطن لحاجة العراق لهم) من أنّ الظروف وضعته بعد عودته في أن يقابل صدّام حسين بشكل مباشر لإكمال معاملة تعينه وكما وعده وزير التعليم العالي حين طلب منه العودة والإيفاء بما وعد به !! ، وبعد المقابلة التي حققت الغاية منها تفاجئ من ان الرئيس أمر له أيضاً بإستلام سيارة برازيلي من الشركة العامة للسيارات ومبلغ ثلاثة آلاف دينار ، لكنه حاول رفض هذه المنحة قائلاً للسكرتير بأنه لا يستطيع أخذ هذه المنحة لأنه ولله الحمد غني وهذه أموال الشعب (الدكتور كان قد غادر العراق في الفترة التي لم يكن فيها أي رئيس جمهورية أو وزير يستطيع التصرف بأموال الشعب إلا من خلال القانون الذي يشمل الجميع ، كذلك معيشته لمدة طويلة في المملكة المتحدة رسّخت لديه هذه القناعة) فردّ عليه السكرتير قائلاً "هاي هدية السيد الرئيس أخذها وأطلع ولا تدخل نفسك في مشاكل أنت في غنى عنها" ، فأخذها الطبيب مرغماً وغادر ، فقد كان الرئيس يهب ما لا يملك !!.
كذلك فقد إنتشرت الرَشَاوى والفساد بين مؤسسات الدولة خلال فترة حكم صدام حسين مع إطالة الحرب مع إيران وإنتعشت السوق السوداء والوساطات للحصول على السلع الضرورية المفقودة حتى شملت المؤسسة العسكرية بمراتبها المختلفة ، فكان الجندي ضحية للحرب والإبتزاز المادي للحفاظ على حياته ، وقد وصلت ذروتها في نهاية الثمانينات مروراً بالحرب ضد التحالف الدولي بدخول الكويت وتحريرها وما صاحبها من سرقات وفوضى طالت المؤسسات الكويتية وشعبها وحيثُ إشترك فيها الوافدون والعاملون الأجانب في الكويت ، لكنها سُوّقَت إعلامياً بإتهام العراقيين بتنفيذها فقط ، وهذه الظاهرة شجّعت ضعاف النفوس فيما بعد على إجتياز الحاجز الأخلاقي للممارستها علناً وأمام عدسات كاميرات الفضائيات أثناء الغزو الأمريكي للعراق في 2003م وسرقة وتخريب مؤسسات الدولة العراقية وبتشجيع من جنود الإحتلال وعناصر المخابرات الكويتية والأجنبية المرافقة للإحتلال وما بعده .
إذن ما يفعله الآن السياسيون من تجاوزات على القوانين وسرقة وإهدار للمال العام كان قد فتح الباب اليه الرئيس الأسبق صدام حسين وحيثُ أعطاه الشرعية السلطوية وليس الشرعية القانونية الدستورية لممارسته للذي جاء من بعده .
أما ما بدأ البعض بترويجه من أن قصور صدّام حسين كانت قصوراً للشعب كونها لم تكن مسجلة بإسمه أو إسم أحد أفراد عائلته وإنما كانت من ممتلكات الدولة فهذا هو التزييف بعينه ، حيثُ لم يكن يستطيع أي فرد من أفراد الشعب رؤيتها ولو من بعيد لكونها محاطة بمساحة واسعة من الأراضي المحصنة والبعيدة عن الأنظار والمجهزة بأجهزة المراقبة الحديثة .
وللذي يتهمني بظلم الرئيس الأسبق صدام حسين فعليه الإطلاع على المقالة المعونة "لماذا أُعدِمَ اللواء الركن قوات خاصة عصمت صابر عمر؟؟؟" بقلم الدكتور صبحي ناظم توفيق وكان شاهد عيان على واحدة من بربرية الحكم في فترة الرئيس الأسبق صدام حسين ، وطريقة مقتل وزير الصحّة رياض حسين على الروابط أدناه :
http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/23285-2016-04-21-19-39-19.html
الرئيس الأسبق صدام حسين يقر بقتل وزير الصحة الدكتور رياض حسين في حكومته على الرابط أدناه :
https://www.youtube.com/watch?v=6eumgszYOKI
إبنة وزير الصحة المغدور ريّا رياض الحاج حسين المقيمة في الشارقة تحدثت عن إحتمالات إعدام والدها لموقع جريدة "الشرق الأوسط" على الرابط أدناه :
http://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=9165&article=235261#.Vx0FMDE3uIU
ومما يجب الوقوف عنده تصفية الرئيس الأسبق صدام حسين لخيرة أعضاء الحزب الذي إنتمى اليه وجمّد آليته ونظامه الداخلي وجعله مجرّد منظمة أمنية تنفذ أوامره دون مناقشة (ملاحقة المعارضين له والقبض على أبناء الشعب لتجنيدهم بما سمّي بالجيش الشعبي لإرسالهم للحرب) أو حتى دون إبداء الرأي لأعضائه بأبسط القرارات التي أتخذها هو وإفرغه من شموليته القومية حتى أنّ أعضاء قيادته القومية لم يتجرأوا على إنتخاب أمين عام جديد للحزب خلفاً لمؤسسه وذلك لوجود رأي بإعطاء المنصب الى شبلي العيسمي الذي كان أحق من صدام حسين فبقي المنصب خالياً .
ومن الممكن الإطلاع على الرابط أدناه ليتأكد القاريء الكريم من بعض المآسي التي شملت حتى عوائل من كانوا مسؤولين في حزبه وفي الدولة .
قصة إعتقال زوجة محمد عايش القيادي في حزب البعث بعد أن أعدمه صدام حسين على الرابط أدناه :
http://www.al-mashriq.net/inp/view.asp?ID=87827
(رواية) مقتل وزير الدفاع الأسبق عدنان خيرالله الطلفاح وأسبابها في الرابط أدناه :
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?p=916420#post916420
ولي تحفظ على هذه (الرواية) وخاصة عند ذكر حالة الجو ، حيثُ يدعي مزهر الدليمي موثقاً ما يلي : " وحسب تسجيل إدارة الأنواء الجوية، كان الطقس جيداً جداً وكذلك الرؤية بينما الرياح خفيفة فمتوسطة السرعة" إنتهى كلام مزهر الدليمي ، وهذا التوثيق للأمانة غير دقيق لأنني كنتُ في موقع عسكري قريب جداً من الحادث أثناء أداء خدمة الإحتياط ، ولقد كانت هنالك بالفعل عاصفة ترابية شديدة جداً أثناء الحادث وأحدثت دماراً بمباني الوحدات العسكرية المرابطة هنالك وهذا مطابقاً لما جاء في البيان الحكومي .
وحيثُ يعتقد البعض بأن الرئيس الأسبق صدام حسين كان رجل دولة وذلك بحكمه المتسلط الفردي والدكتاتوري الذي أمسك بزمامه بقبضة حديدية لشعب لا يستطيع حتى التعبير عن آلامه علناً ، وتجاهل هذا البعض المعنى الحقيقي لرجل الدولة القادر على تحويل بلده المتخلف الذي يُعد من دول العالم الثالث الى بلد متقدم ومتطور تنتشر فيه اليات الحكم اللامركزي بطريقة ديناميكية ونظام ديمقراطي حر ، فصدام حسين لم يكن يوماً رجل دولة وإنما بقيَ محتفظاً بصفته كرجل ثوري يؤمن بالقوّة لتغيير ما حوله وحيثُ كان يفتخر بمناسبات عديدة بصفته الثورية التي لم يستطع يوماً نزع جلبابها وإن تظاهر في بعض المواقف عكس ذلك لكن نزعته الثورية غالباً ما كانت تظهر بتصرفاته وقراراته الداخلية والخارجية .
أما في مجال إعلانه الحروب على جيرانه ، فقد كان من الممكن جداً تفاديها والخروج بنتائج سياسية مرضية جداً للعراق دون إراقة قطر دم واحدة على الرغم من الأوضاع المتوترة التي كانت سائدة على الحدود حينذاك وخاصة الحدود الشرقية مع إيران بعد مجيء الخميني للسلطة بثورة شعبية في شهر شباط 1979م ، وسأورد هنا بعض الملاحظات التي تدلل على سعي الرئيس الأسبق صدام حسين للدخول في تلك الحروب ومنها تصريح ممثل العراق في الأمم المتحدة حينذاك صلاح عمر العلي من أنه كان يستطيع إيقاف الحرب في يومها الأول لكن القيادة العراقية رفضت ذلك وكما مبين في الرابط أدناه :
لقاء صلاح عمر العلي أحد أقدم قياديي حزب البعث مع قناة الجزيرة الفضائية والذي يكشف فيه جوانب مهمة من الأحداث ومنها إصرار الرئيس الأسبق صدام حسين على دخول الحرب مع إيران على الرابط أدناه :
https://www.youtube.com/watch?v=_iyUNkxl8-U
كذلك هنالك عدّة أفلام وثائقية تؤكد تخطيط صدام حسين لدخول الحرب ضد إيران الخمينية وإستفزازه لوزير الخارجية الإيراني في المؤتمر السادس لدول عدم الإنحياز الذي إنعقد في هافانا (كوبا) من 3-9 سبتمبر/أيلول سنة 1979م ، حيثُ أبقاه واقفاً بجانبه وهو جالس وبيده السيكار دون دعوته للجلوس حين زاره الوزير في مقر إقامته للتفاهم على نزع فتيل التوتر في العلاقات وحل آليّة تطبيق إتفاقية 1975م الخاصة بالحدود بين البلدين ، وبذلك تجاوز كل السياقات البرتوكولية الدولية في التعامل مع الضيوف ، وتجاوز الأعراف العربية والعشائرية التي ترحّب بالعدو إذا طرق بابهم ، إضافة الى قيامه بجولات تفقدية ميدانية للحدود وحثه للجيش على إنتظار ساعة الصفر وهذا ما حدث عند زيارته بأيام قلائل قبل الحرب لزرباطية وبدرة وجصان وإعتلائه لإحدى الدبابات المرابطة على الحدود والقائه لكلمته على الجنود مثيراً فيهم الحماس للإستعداد لغوض المعركة ، ثم زيارته لضابط المرقب الحدودي قائلاً له بالحرف الواحد : "من ننطيكم الأوامر بالتحرك تدخلون بسرعة منّا" مؤشراً على الطريق الترابي الداخل الى إيران ، ثمّ تبعها بالإعلان الرسمي لإلغاء إتفاقية الحدود لسنة 1975م وإعلان الحرب.
وللأسف الشديد كان هنالك الكثير من المتسلقين والمنتفعين الطفيليين الذي كانوا يصفقون ويبررون التصرفات والقرارات الخاطئة للرئيس الأسبق ، فقد حوّلوا هزائمنا في عهد صدام حسين الى إنتصارات باهرة ، فالحرب مع إيران وإن خسرنا فيها حوالي المليون مواطن عراقي بين شهيدٍ وجريحٍ ومعوّق والآلاف من الأسرى والأرامل واليتامى مع آلاف القصص الحزينة والمؤلمة لنساء تزوجنَ بعد أن يأسنَ من عودة أزواجهن ثمّ يتفاجئنَ بعودة أزواجهنَ بعد عشر سنوات من الأسر وهنَ على ذمم رجال آخرين ربما من ذوي القربى للزوج الأول ، كذلك خسارة العراق لمليارات الدولارات بعد أن كان الخزين المالي للعراق عند تبؤء صدام حسين الموقع الأول (180) مليار دولار بإعتراف "القائد الضرورة" في أحد لقاءاته لنخرج بعد الحرب بمديونية بلغت ستين مليار دولار ثمّ زادت الى (270) مليار دولار بعد حرب الكويت ، فكل هذه الكوارث والمآسي حولناها الى نصرٍ مبينٍ بعودة الحال الى ما هو عليه قبل الحرب مع إيران على الحدود التي بقيت دون زيادة أو نقصان لشبرٍ واحدٍ على الأرض !!! ـ ـ ـ لا بل تغاضى "القائد الضرورة" عن حقوقنا التي كانت موضع تفاوض بعد وقف إطلاق النار ليتفرغ للحرب الأخرى بدخوله الى الكويت فجأة ودون علم حتى لرئيس أركان جيشه !! المسؤول الأول عن العمليات العسكرية ، وليعتبر عدو الأمس النظام الإيراني "الفارسي" كما كان يطلق عليه صديق اليوم والذي أسماه النظام الإيراني الجار المسلم ويودع طائراتنا التجارية والحربية عنده عملاً بالمثل العراقي "سلّم البزونة شحمة" !!! متناسياً ما حصل بين البلدين بين ليلةٍ وضحاها لحربٍ إستمرت ثمانية سنوات أكلنا فيها بعضنا البعض وأصبح فيها "الدم الى الرُكَب" مثلما يقول المثل العراقي .
وفي حرب الكويت التي ناطح (كما يقول الشاعر عباس جيجان) فيها أعتى وأشرس دولة في العالم مع ثلاثين دولة أخرى مجتمعة دون الأخذ بنظر الإعتبار أبسط البديهيات في الدراسات العسكرية التي تقول إن الجيش الذي يدخل في حرب لمدة سنة يحتاج بعدها لخمسة سنوات على أقل تقدير لإعادة تنظيمه ، وبهذا كان الجيش العراقي بحاجة الى أربعين سنة لإعادة تنظيمه بعد حرب الثمانية سنوات مع إيران للدخول في حربٍ أخرى ، غير أن القائد العام للقوات المسلحة صدّام حسين الذي حصل على رتبته بقرار أقرّه هو أدخلنا بعد أقل من سنتين من حرب إيران بحرب عالمية ضد أقوى جيوش العالم عدّة وعدداً مقابل جيش منهك وغير مهيأ لها عسكرياً ونفسياً وبطريقة فاجئت حتى أقرب المقربين ، وحيثُ كانت المؤسسة العسكرية قد نخرها التسيب والفساد الإداري والمالي كنتيجة طبيعية لحرب ضروس دامت ثمانية سنوات بعد أن كانت هذه المؤسسة النموذج الأعلى في النزاهة قبل سيطرة صدام حسين على الموقع الأول في الدولة والحزب .
وربما الكثير منّا لا يعلم بأنّ صدّام حسين كان قد خطط منذُ زمن بعيد للدخول الى الكويت وضمّها الى العراق !! ، وقد إتخد من إتهامه للكويت بأنها كانت وراء إنخفاض أسعار البترول كذريعة لتنفيذ خطته وكمبرر مثلما فعل حينما أعلن الحرب على إيران ، ومن الممكن الرجوع الى بيانه التحذيري للبعض من دول الخليج (وكما أعلن بعدها من أنه قصد الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة) وعبارته الشهيرة "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" وذلك في الذكرى السنوية لإنقلاب السابع عشر من تموز/1990م وإتهامه لهما بأنهما كانتا السبب في إنخفاض أسعار البترول وحيثُ كانت الإمارات تضخ كميات أكبر بكثير من حصتها المقررة وأكثر من الكويت لكنه هاجم الكويت فقط ولم يتأخذ أي فعل ضد الإمارات !! ، كذلك من الممكن العودة الى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية/1989م الذين زاروا العراق في الذكرى السنوية للحرب العراقية ـ الإيرانية للتهنئة (بإنتصار) العراق وحيثُ كان معظم الشعب الكويتي مع العراق قلباً وقالباً ، وخلال طرح الأسئلة سأل أحد رؤساء التحرير صدام حسين عن سبب إمتناع العراق عن توقيع إتفاقية الحدود بينه وبين الكويت علماً بأن العراق قد وقّع الإتفاقيات الحدودية مع السعودية (التي منحها نصف منطقة الحياد العراقية الغنية بالبترول) ومع الإردن (التي وهبها جزء من الأرض العراقية الغنية بالفوسفات) ومع سوريا (التي وقف رئيسها حافظ الأسد حينذاك مع إيران ضد العراق) ومع تركيا (التي كانت تتوغل دائماً في الأراضي العراقية لمطاردة حزب العمّال الكردستاني) وبقيت فقط دولتين جارتين لم يوقع صدّام حسين إتفاقية الحدود بينهما هما إيران بسبب المفاوضات بعد الحرب والكويت (التي وقفت مع العراق في حربه ضد إيران)؟؟؟ ، كان جواب صدام حسين للصحفي الكويتي وهو ينظر نظرات لها معانٍ كثيرة الى وزير إعلامه حينها السيد لطيف نصيّف جاسم الذي كان حاضراً ذلك اللقاء كالآتي : " إحنا والكويت بلد واحد وماكو فرق بيننا ، وإحنا مرتبين ترتيب إنشاء الله راح يرضي إخواننا في الكويت !!" ولم يكن يعلم الشعبان العراقي والكويتي من أنّ هذا الترتيب سيكون بالدخول الى الكويت وحصول الكارثة على الشعبين ، وربما الأسباب التي جعلت صدام حسين يفكر بإحياء مطالبة ضم الكويت الى العراق هي تداعيات ما أفرزته الحرب العراقية ـ الإيرانية من أهمية الكويت لضمان الأمن القومي العراقي وخاصة جزيرتي وربة وبوبيان وحاجة العراق الى منفذ مباشر على البحر للإستيراد والتصدير وخاصة النفط وقيام الحكّام الكويتيين بالحفر المائل (لشفط) النفط العراقي مستغلين إنشغاله بالحرب إضافة الى الحقوق التاريخية التي يطالب بها العراق منذ العهد الملكي مروراً بالعهد الجمهوري بعد الجلاء البريطاني منها وإعلان إستقلالها في حزيران من العام 1961م ونقض أمير الكويت للإتفاق الغير معلن بين العراق والسعودية والكويت لإحتواء (الثورة الإيرانية) ونظام الملالي فيها والذي وعدتا فيه الكويت والسعودية بمساعدة العراق مالياً في حالة التصدي للنظام الإيراني الجديد لكن الكويت طالبت بتلك المُنح على إعتبارها ديون ، كذلك شعور صدام حسين بالزهو بقوته العسكرية التي منحته الثقة المفرطة بقدرته على مقارعة الدول العظمى عسكرياً ، لكن صدّام حسين كان قد أسقط وكعادته من تفكيره إختلاف الزمن وتوقيتاته في مثل هذه القرارات المهمة والتغيرات الدولية بإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بسيطرتها على السياسات الدولية بعد تفكك الإتحاد السوفيتي وحلف وارشو وعدم قدرة العراق على ديمومة التسليح الذاتي للأسلحة الغير تقليدية والتي لم يكن يملكها أصلاً ووقوعه في هالة التصنيع العسكري العراقي الذي لم يصل في جميع الأحوال الى الواحد من الألف لتصنيع الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية لتلك الأسلحة والبون الشاسع بين حربنا مع إيران كدولة إقليمية مستوردة للتكنلوجيا العسكرية مثلنا ومواجهة دولة عظمى مثل أمريكا مصنّعة للآسلحة المتطورة والمسيطرة بلا منازع على الأجواء البرية والبحرية والجوية بأسلحتها المسيطر عليها بالأقمار الصناعية والتي حسمت المعركة وبسرعة لصالحها ، وحيثُ كان واضحاً تماماً كيف ستكون نتيجة المنازلة للمعنيين والبسطاء في العالم أجمع إلاّ صدام حسين الذي أوهم الجميع بأن لديه "سلاح خارق" سيفاجئ به الجميع لمقارعة أمريكا !!!، لكن الأحداث أثبتت بطلان هذا الوهم وبساطة قراءة التوقعات ورؤية الأحداث في تفكير صدّام حسين .
وبعد خسارتنا لمئات الآلاف من الجنود والأليات العسكرية وتحطيم ما تبقى لنا من قدرات عسكرية في أيام معدودة وتدمير كافة البنى التحتية الخدمية وتدمير جميع مرتكزات الإقتصاد العراقي من معامل مدنية إنتاجية الى معامل التصنيع العسكري وتنازلنا مرغمين عن أجزاء مهمة من أرصفتنا المطلّة على الخليج وميناء أم قصر ودفع فواتير الحرب وثمن السلاح الذي ذبحنا به التحالف الدولي مع تعويض الكويتيين أضعاف الخسائر التي لحقت بهم جرّاء هذا العمل اللامسؤول ـ ـ ـ والأهم من كلّ ذلك إذلال الجيش المنسحب بطريقة عشوائية ونقل مفردات الصور المهينة للبعض من الجنود المتهالكة وإن كانت محدودة من تقبيل أحذية وتوسلات وضيعة بجنود العدو للإبقاء على حياتهم والتي إستغلها الإعلام المعادي المتمرس وسوقتها فضائياته بأسرع من البرق .
بعدها خرج علينا "القائد الضرورة" وإعلامه ليزفوا بشرى النصر للعراقيين معللين هذا النصر بعنادنا للمجتمع الدولي وركوبنا لرؤوسنا بقولنا كلمة "لا" لن نخرج من الكويت (بالمروّة) ، فخرجنا منها (بالكوّة) ورؤوسنا مطأطئة وبدأنا في السنوات التي تلتها نحتفل بذكرى خسارتنا المشينة على أنها إنتصار كبير بقولنا أكبر "لا" في التاريخ قالها رئيس غير مدرك لحجم الكارثة التي الحقتها بنا أكبر قوة عسكرية في العالم .
كما بدأنا نتغنى بأكبر حصار دولي جائر علينا ونفرز تداعياته ومآسيه ونصفه بصفات دلّت على جهل قيادة البلد لما وصل اليه من دمار ـ ـ ـ فالبطاقة التموينية التي لا يزال الشعب العراقي يعمل بها منذ ما يزيد على (25) سنة والتي أصبحت جزء من هويته وحيثُ سوّقها الإعلام الحكومي وأعوان الرئيس الأسبق على إنها (المعجزة) التي نظمت معيشة العراقيين وكسرت الحصار !!! ، فأي منطق سخيف هذا التفسير ، وحيثُ من المفروض أن تكون البطاقة التموينية حالة مؤقتة فأصبحت حالة دائمية لبلد كان سيكون من أغنى بلدان العالم لولا حماقة قائده !! .
فالبطاقة التموينية التي إعتبرها البعض معجزة من معجزات وزارة التجارة ما هي إلا بيانات بسيطة لتنظيم إستلام الحصص التموينية لشعب بقي جائعاً لحد الآن يستلم من خلالها كميات قليلة من الشاي والسكر والدهن والطحين المخلوط بالحصو الناعم ونوى التمر المطحون والرمل وما خفيَ كان أعظم حيثُ ذكر لي أحد مسؤولي توفير البطاقة التموينية حينها من أن الطحين كان يحتوي حتى على الفئران الميتة اليابسة (التي طحنت مع الحنطة) في السايلوات وهو أساساً لم يكن صالحاً للإستهلاك الآدمي !! ـ ـ ومثلما تعودنا فقد حولنا هذا الجوع القسري والحصار المدمر الى إنتصار مذهل إعلامياً وطبل له المطبلون ووصفنا بطاقته التموينية بالمعجزة وأثنينا على مبتكريها وجعلناهم أذكى من علماء العالم ومبتكري حضارته الألكترونية ونسينا بأن أبواب دورنا كانت تُدَق كل يوم تقريباً من قِبَل النسوة اللاتي تبدو عليهنَ ملامح العِزّة مطأطئات رؤوسهنَ خجلاً للسؤال عن قدحٍ من السكر أو القليل من الطحين لإطعام أطفالهنَ ـ ـ فالمشكلة تكمن من أن هنالك من لا يخجل لحد الآن للمجاهرة بتلك الهزائم والمآسي بإعتبارها إنتصارات للقائد الذي وصفه البعض على (أنه العراق والعراق هو) !!! .
وآخر قراراته المدمرة للّحمة الوطنية المتجانسة كانت إطلاقه لما أطلق عليه "الحملة الإيمانية" التي بذرت بذور التطرف الديني والمذهبي الذي نرى نتائجه الآن ، فالشعب العراقي لم يكن ملحداً أو بعيداً عن الدين والإيمان لتقود الدولة ورئيسها الذي يدلل تاريخه السياسي على علمانيته حملة إيمانية لإرجاع شعبه الى إيمانهم الديني ، وإذا كان لا بد من هذه الحملة فهي تصلح فقط له وللبعض الملتفين من حوله .
إنّ ما زرعه الرئيس الأسبق صدّام حسين كان معروف سلفاً من أن حصاده مر
فالى متى سيبقى البعض يمجّدون القادة ويبررون أخطائهم على حساب المصلحة الوطنية ؟؟ .
إن الغاية من التطرق الى تحديد مسؤولية ما حصل للعراق ليس للإساءة لشخص أو حزب معين ، وإنما لغرض تنبيه البعض من عدم الإنجرار بعواطفهم وإنتماءاتهم الطائفية في تبرير الأخطاء القاتلة والمدمرة لشعبٍ بأكمله وتوثيق المسؤولية التاريخية لأخطاء فردية أو جماعية أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن من تدهور ستقرأها الأجيال القادمة لتأخذ منها الدروس والعِبَر لتفاديها مستقبلاً حرصاً على العراق ووحدته .
1011 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع