خالد القشطيني
يتساءل الناس حول العالم عن سر قرار الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي. الخبراء منهم ينبشون في الأرقام المالية والاقتصادية والاجتماعية عن أسباب ذلك.
ولكنني شخصيًا أجد أن السبب الرئيسي للقرار الذي تمخض عن الاستفتاء الشعبي هو الكره الإنجليزي للأجانب. من الكلمات التي كان الإنجليز يقولونها عن أي شخص يكرهونه قولهم «بلادي فورينر»، بما يعني «أجنبيًا مدمى». لم يعد الناس قادرين على استعمال هذه الشتيمة الآن.
ويعاقبون كل من يقولها باعتبارها كلمة عنصرية. وأعتقد بأن هذا سبب تصويتهم للخروج من الاتحاد الأوروبي. يريدون أن يستعملوا هذه الكلمة بحرية، ولا يأتي فرنسي أو ألماني أو هولندي ويقاضيهم بتهمة العنصرية. للإنجليز قاموس شتائم بحق الشعوب المجاورة لهم. يقولون عن الفرنسي إنه ضفدع، والهولندي شجاع عندما يسكر. وهكذا يعطون اسمًا تحقيريًا لكل الشعوب الأوروبية الأخرى. إنها ذهنية ابن جزيرة يعتد ويفخر بجزيرته. بيد أن الانضمام للاتحاد الأوروبي حرم عليهم كل ذلك اليوم. أصبح الأجانب إخوانًا لهم. ليس ذلك فقط، بل أصبحوا منافسين لهم في أعمالهم. يقبلون بأبخس الأجور ويقومون بأعمال لا يرضى كثير من الإنجليز القيام بها.
يستطيع الأجنبي أن يعيش سنوات طويلة في بلدهم ويتعلم لغتهم وعاداتهم، ويتزوج ببناتهم ويكتسب جنسيتهم، ولكنه يبقى أجنبيًا أو بريطانيًا، ولا يستطيع أن يصف نفسه ويقول إنه إنجليزي. جاءني مهندس عراقي لتصليح جهاز التلفزيون قبل بضعة أيام. أنجز العمل بكفاءة. رحنا نتسامر قليلاً كعراقي مع عراقي. خطر لي أن أسأله: هل ستصوت في هذا الاستفتاء؟ قال: نعم. عدت فسألته ثانية: ولمن ستعطي صوتك؟ للبقاء أو الخروج من أوروبا؟ قال: بكل تأكيد سأصوت للخروج من
الاتحاد الأوروبي. واستطرد في الكلام: يا أخي أبو نايل، كل هؤلاء الأجانب يتدفقون علينا هنا في بريطانيا ويخربون حياتنا.
قالها بلهجة من يملك بريطانيا في جيبه. قلت له: أتريد أن تثبت لي أنك صرتإنجليزيًا بكرهك للأجانب؟ قال: لماذا تقول ذلك؟ قلت: لأنك تتضجر من الأجانب!
بيد أن ما قاله المهندس العراقي - الإنجليزي كان يمثل جل من صوتوا في هذا الاستفتاء، وهم العمال والكسبة وأصحاب المصالح الذين وجدوا في تدفق الأجانب ما ينغص عيشهم ويهدد عملهم ورزقهم، ولأقل أيضًا مزاجهم.
من آداب المائدة عند الإنجليز ألا تسأل ضيفك عن صوته في الانتخابات. لأي حزب أعطى صوته؟ هذا من سنن إنجليزية الإنجليزي. لا تسأل رجلاً أو امرأة لمن أعطى صوته في الانتخابات. بيد أنهم كسروا هذا التقليد بالنسبة لهذا الاستفتاء. حيثما ذهبت سألوني لمن ستعطي صوتك: للخروج أو البقاء؟ وهذا مما يدل على مدى اهتمامهم بهذه القضية المصيرية. كان دخولهم ولادة عسيرة وسيصبح خروجهم إجهاضًا عسيرًا أيضًا. ولا يسعني هنا غير أن أتذكر نصيحة ديغول لقومه: «لا تفتحوا أبوابكم للأنجلو - ساكسون»!
774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع