علاقة إسرائيل بأميركا والفلسطينيين

                                     

                        د. منار الشوربجي


لفت انتباهي أن تخصص مجلة فورين أفيرز الأميركية ملفها فى عدد يوليو/أغسطس لإسرائيل. فالمجلة خرجت فى هذا العدد بغلاف يحمل العلم الإسرائيلى ويضم ملفاً يحوي بين دفتيه عدة مقالات وضعت لها المجلة عنواناً «الكفاح من أجل إسرائيل».

ومقدمة الملف لم تشر للسبب وراء اختيار هذا التوقيت لنشره. فمدير تحريرها جوناثان تبرمان قال إن الكل يعرف أن الشرق الأوسط يعاني اضطراباً شديداً وأن توتراً يسود العلاقة بين الولايات المتحدة «وواحدة من أكثر حلفائها أهمية، أى إسرائيل»، لكن «ما لا يدركه الكثيرون هو التحول العميق الذى تشهده إسرائيل نفسها. فهي لم تعد تشبه الصورة التى لاتزال فى أذهان الغربيين عنها، أي الدولة الليبرالية الصهيونية».

دولة «بن جوريون وأبا إيبان وجولدا مائير واسحق رابين». والواضح أن المجلة اعتبرت أن تلك التحولات، الجارية بالمناسبة منذ فترة طويلة، كافية لشرح التوقيت. غير أن مضمون الملف نفسه وما جاء فيه، وربما ما لم يأت، له دلالاته المهمة.

فلأن الملف معني «بالتحول العميق الذى تشهده إسرائيل»، قال مدير التحرير إن مجلته «لجأت لعدد من ألمع السياسيين والمراقبين من داخل إسرائيل»، كان لافتاً أنها لم تستكتب إسرائيليين من داخل المنظومة الحاكمة فى بلادهما وكانا طرفاً مباشراً فى تلك التحولات ولهما آراء نقدية واضحة فيما يجري اليوم عموماً في إسرائيل. وأقصد بهما وزير الدفاع موشي يعلون ونائب رئيس الأركان الإسرائيلي يائير جولن، اللذين استقالا فى الشهور القليلة الماضية.

فموشى يعلون، المنتمي لحزب الليكود مثل نتنياهو، حين قدم استقالته، قال فى بيان رسمى أنه وجد نفسه مؤخراً «فى نزاعات مع رئيس الوزراء حول قضايا تتعلق بالمبدأ وبالمهنية» وأضاف أن «عناصر متطرفة وخطرة صارت تهيمن على إسرائيل وعلى الليكود». أما يائير جولن، نائب رئيس الأركان، فقد حذر من تنامي تيارات العنصرية والعنف فى المجتمع الإسرائيلي مشبهاً ما يجري هناك بما كان يجري فى أوروبا عموماً وألمانيا تحديداً فى ثلاثينات القرن الماضي، أي في عهد النازي، فتعرض لهجوم كاسح انتهى باستقالته.

وربما فى غياب مثل تلك الشهادات، كان من الممكن تقديم إسرائيل بالصورة الإيجابية عموماً التى تم تقديمها بها. فالكاتب مارتن كريمر، مثلًا، وصف إسرائيل بأنها «أكثر أمناً من أي وقت مضى... ومن أكبر القوى العسكرية في العالم». وتسعى هى وروسيا لاجتذاب بعضهما البعض بينما «العلاقات مع الصين والهند تزدهر». وهو المعنى نفسه الذى عبر عنه مدير تحرير المجلة بقوله أن إسرائيل «تتمتع بلحظة نادرة من السلام النسبى».

لكن لعل أهم ما جاء بالملف هو ما بدا وكأنه مناظرة ضمنية بين رؤيتين لطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة والموقف من القضية الفلسطينية. فمارتين كريمر، أستاذ العلوم السياسية الأميركي الإسرائيلي، قال ببساطة أنه يمكن الاستمرار فى احتلال الأرض الفلسطينية لأجل غير مسمى وأنه لا يوجد ما يجبر إسرائيل على التخلي عن الوضع القائم الذي يراه كريمر الأفضل لها. فهو قال إنه «لا يوجد حل قريب لذلك الصراع الدائم» مع الفلسطينيين وأن إسرائيل «صارت متمرسة فى كيفية احتواء آثاره».

وأن ما يواجه إسرائيل اليوم ليس حملة المقاطعة العالمية ولا بيانات الأمم المتحدة ولا حتى إيران وإنما هو ملء الفراغ الهائل الذي ستتركه الولايات المتحدة بانسحابها من المنطقة. لكن كريمر يرى أن انسحاب أميركا وجفوتها مع إسرائيل يعطي الأخيرة الفرصة «لتنوع من علاقاتها وتبني قدراتها المستقلة» حتى تتحول من مركز للصراع فى المنطقة لمركز للاستقرار وملء الفراغ كقوة إقليمية كبرى.

أما الطرف الآخر فى المناظرة، روبرت دانين، الدبلوماسي الأميركي السابق، فيرى أن اللحظة الراهنة هى أفضل لحظة لتحويل علاقة إسرائيل الخاصة بالولايات المتحدة إلى «تحالف رسمي»، يجعل أي اعتداء على إسرائيل بمثابة مسؤولية أميركية لرده. ويرى دانين أن التوتر الذى بدا واضحاً في عهد أوباما مرشح لأن يظهر من جديد بسبب التحولات الديمجرافية والاجتماعية فى كلا البلدين، خصوصاً أن استطلاعات الرأي صارت تؤكد أن الأجيال الجديدة من الأميركيين أقل تعاطفاً مع إسرائيل.

ولهذا السبب تحديداً، ينبغي «ربط البلدين بتحالف رسمي بينما لاتزال إسرائيل تتمتع بوضع متميز في واشنطن». ويرى دانين أن الوقت الحاضر مناسب أيضاً للاستجابة بشكل إيجابي لمبادرة السلام العربية ليس بالضرورة للتوصل لحل. «فالحديث مع العرب له مزايا استراتيجية حتى لو فشل في إنهاء الجمود مع الفلسطينيين» لأنه يقدم إسرائيل للعالم بصورة أفضل ويفتح قنوات مع العرب، «مع الاستمرار في التأكيد على التحفظات الإسرائيلية على المبادرة».

المفارقة هي وجه الشبه بين رؤية كريمر ورؤية دانين رغم اختلافهما. فرغم اختلافهما حول حاجة إسرائيل لأميركا، إلا أن كليهما لا يرى أهمية للتوصل لاتفاق مع الفلسطينيين. فبينما يرى كريمر إمكانية لاستمرار الوضع القائم، ينصح دانين بالاستجابة للمبادرة العربية ولكن ليس بالضرورة للتوصل لاتفاق!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع