١٤تموز ... يوم أنتصر أبناء سومر

                                   

                      حامد خيري الحيدر

بعد مايقارب القرن من عمر الأمبراطورية  الأكدية التي أسسها (سرجون الأكدي) عام 2371 ق.م أخذت عوامل الضعف تدب فيها كنتيجة طبيعية  للتوسع الكبير الذي امتدت اليه ولاستنزاف امكانياتها وطاقاتها الاقتصادية والبشرية في الحروب المستمرة مع البلاد الأخرى وفي أخماد الثورات وحركات التمرد في الداخل وفي الأقاليم البعيدة المحتلة،

مما أدى بالنهاية الى ضعف السلطة المركزية وحدوث حالة من الانقسام والانفلات الاداري في عموم الدولة المترامية الأطراف، خاصة في السنوات الأخيرة من حكم ملكها الخامس (شار كلي شري) 2254_2230 ق.م، فاستغلت قبائل (الكَوتيين) الرعوية  الهمجية القاطنة في منطقة جبال  (زاكروس) تلك الأوضاع المتردية  لتشن هجمات متتالية على مدن وادي الرافدين مسقطة اياها الواحدة تلو الأخرى، ثم أعقبتها عام  2230 ق.م بهجوم كاسح أخير على العاصمة (أكد)1 لتدمرها وتحرقها، منهية حكم هذه الامبراطورية.... وقد وصف أحد الكتاب السومريين همجية هؤلاء (الكَوتيين) أبلغ وصف بعبارته.... ((الكَوتيون أفاعي وعقارب الجبال... الذين يأكلون اللحم النيئ... الذين لايعرفون دفن موتاهم)).            
    أستمرت سيطرة (الكَوتيين) على مدن وادي الرافدين لأكثر من  125  عاماً، اعتبرت هذه الفترة بحق من الفترات المظلمة في التاريخ حيث تميزت بندرة واضحة في الكتابات وغموض يكتنف الاوضاع السياسية، كما توقفت خلالها عجلة التقدم الحضاري بشكل كبير في كافة المجالات، وعمت البلاد  فوضى عارمة لخصتها العبارة الطريفة التالية التي أوردها كتّاب جداول الملوك السومريين2 لوصف ومليء فراغ تلك الحقبة الزمنية السوداء.. ((من كان الملك ومن كان غير الملك؟)) .. لم يترك هؤلاء (الكَوتيين) كونهم من البرابرة ونتيجةً للفارق الحضاري الكبير بينهم وبين سكان وادي الرافدين آثاراً محسوسة أو ملموسة في ثقافة البلاد  ومسيرة  تاريخها العام، كذلك لم يتمكنوا من أحكام قبضتهم على جميع مدنها، فظلت سيطرتهم مقتصرة  فقط  عند المدن الأكدية في الوسط، لذا بقيت المدن السومرية في الجنوب تتمتع بحكم شبه مستقل وبحرية سياسية واقتصادية، حكمت خلالها عدد من السلالات  القوية، لعل أشهرها سلالة  (لكًش الثانية) خاصة في زمن أميرها (كَوديه) عام  2200  ق.م، بالإضافة الى سلالات أخرى في مدن  (نفر) و(أور).
في سنة  2120  ق.م تأسست سلالة قوية في مدينة  (الوركاء) هي السلالة الخامسة، أسسها الأمير السومري (أوتو حيكَال) الذي عمل على تشكيل جيش قوي، بذات الوقت سعى للتحالف مع بقية المدن السومرية وتزعمها، ثم توحيد جيوشها ليعلن نفسه ملكاً على بلاد سومر وأكد. معلناً العصيان على الحكم (الكًوتي) والثورة عليه، فبدأ بتحرير مدن وادي الرافدين من سيطرة (الكًوتيين) غير عابئ  بتحذيرات ملكهم (تريكَان) الذي أرسل له الرُسل لإنذاره بأشد العواقب. على أثر ذلك جهز  (الكَوتيون) بالمقابل جيشأ كبيراً لملاقاة جيوش سومر، دارت حينها معركة كبيرة بين الجانبين عند مدينة (كاركار) قرب مدينة الحلة، أستطاع  السومريون بقيادة (أوتوحيكَال) من الحاق هزيمة منكرة بالجيش (الَكَوتي) الذي هرب من أرض المعركة ومعه ملكه المهزوم (تريكَان)، ليلاحقه السكان حتى قبضوا عليه مع عائلته عند مدينة (دبروم) شمال مدينة بعقوبة، حيث كان يريد الهروب الى الجبال، فجلبوه  ليركع عند قدمي (أوتوحيكَال) الذي وضع قدمه على رأس  (تريكَان). والمفارقة الغريبة هو وقت حدوث هذا الانتصار، وذلك في  يوم الرابع عشر من تموز، فقد صاحب ذلك اليوم حدوث خسوف للقمر من تلك السنة  فكان  فألاً سيئاً على (الكَوتيين) حسب المعتقدات السومرية...... ترك (أوتوحيكَال) بعد انتصاره العظيم وتحريره أرض سومر نصاً تاريخياً مدوناً باللغة السومرية تحدث فيه عن قصة هذا النصر المؤزر....
 ((فوض الاله  (أنليل)3 سيد البلدان... الرجل العظيم  (أوتوحيكَال) ملك (الوركاء)، ملك سومر وأكد، أن يحطم أسم  (الكَوتي) أفعى وعقرب الجبال، الذي رفع يده ضد الآلهة، الذي نقل ملوكية بلاد سومر الى بلاد غريبة وملئها بالحقد والكراهية، الذي أبعد الزوجة عن زوجها وأبعد الطفل عن أهله، الذي أقام العداوة والعصيان في كل البلاد... آنذاك ذهب  (أوتوحيكَال) الى سيدة الآلهة (أينانا)4 ليدعوها قائلاً : ياسيدتي  يالبوة الحرب التي تهاجم أعداء سومر، لقد فوضني الاله (أنليل) أن أسترجع ملوكية سومر فكوني حليفتي في ذلك... ليسير (أوتوحيكَال) الملك الذي منحه الاله  (أنليل) القوة، واختارته الالهة  (أينانا) الى قلبها، الى المعركة ضد  (تريكَان) ملك (الكًوتيين)، حينذاك تملك الفرح أهالي  (الوركاء)، وتبعه كل الرجال في بلاد سومر كأنهم رجل واحد... في يوم الرابع عشر من تموز وصل (أوتوحيكَال) الى (كاركار) المكان الذي جمع فيه (الكَوتيون) جيشهم... لتساند الآلهة أبناء سومر، فأخسفت القمر ذلك اليوم،  ليكون نذير شؤم على الملك  (الكَوتي) وأيذاناً بهزيمته في المعركة... فتحققت أرادة الالهة، وتمكن البطل العظيم  (أوتوحيكَال) من دحر (الكَوتيين) وتحطيم جيشهم، ليفر (تريكَان) بعدها من أرض المعركة الى (دبروم)... لكن أهلها قبضوا عليه وعائلته ووضعوا القيد في يديه، ثم اقتادوه الى (أوتوحيكَال)، فألقى بنفسه عند قدميه، ليضع (أوتوحيكَال) قدمه على رقبته... هكذا أعاد هذا البطل الملوكية الى سومر)) .
أن قدرنا مع تموز لقدرٌ أزلي... فيا ترى متى يأتي تموزنا الجديد...؟
 
الهوامش
1_ (أكد) أو (أكادة)... عاصمة الامبراطورية الأكدية التي شيدها الملك سرجون لتكون مقراً لمُلكه... لم تكتشف بقاياها حتى الآن، كما لايزال موقعها غير محدد بشكل دقيق، لكن يعتقد انها تقع بين مدينتي المحمودية والحلة.
2_ (جداول الملوك السومريين)... قوائم متسلسلة بأسماء وسنوات حكم الملوك والسلالات التي حكمت وادي الرافين منذ تأسيس مدنه الأولى في زمن ما قبل الطوفان وحتى زوال سلطة السومريين السياسية.. يُعتقد أنها دونت في مطلع الألف الثاني ق.م.. تعتبر من المحاولات الأولى لكتابة التاريخ.
3_ الإله (أنليل)... أقوى آلهة السومريين، وهو إله الجو والهواء، مقره مدينة (نفر).
4_  الإلهة (أينانا)... إلهة الحب والحرب السومرية، تقابلها (عشتار) في الأكدية، مقرها مدينة الوركاء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك