خالد القشطيني
ضم حزب العمال البريطاني، كغيره من الأحزاب السياسية في هذا البلد وغيره، كثيرًا من الانتهازيين النفعيين الذين يدخلون الحزب كمصعد يرتقي بهم إلى الأدوار التي يحلمون بها، كتوني بلير،
وبعين الوقت هناك تلك الشريحة من الإنسانيين والاشتراكيين الذين يجدون في هذا الحزب العمالي، وسيلة لطرح وتطبيق المبادئ التي يؤمنون بها، وذلك كتوني بن ومايكل فوت والقس سوبر وبيفان. من هذه الزمرة أيضًا جو كوكس التي راحت قبل أيام قليلة ضحية لهجمة قاتلة من اليمين المتشدد، وهي في الثانية والأربعين من عمرها بعد حياة عامرة ومكتظة بالمساهمات الإنسانية، من أجل مساواة المرأة وحقوق الإنسان وأعمال المنظمة الخيرية «أوكسفام»، وأخيرًا تبني قضية سوريا واللاجئين السوريين، ومناصرة قوى المعارضة السورية. كانت تحلم وتعمل من أجل مجتمع خير من هذا المجتمع القائم الآن، كما كانت تقول.
كانت بكل وضوح حياة مكتظة بالنشاط والالتزامات التي زاحمت بها مسؤولياتها كأم لطفلتين وزوجة صالحة. لا أستطيع فهم هذا القاتل الذي اختار هذه المرأة بالذات هدفًا له. يقال إنه مختل عقليًا، وما أكثر ما ابتليت به البشرية من مجانين. عرفنا كثيرًا منهم! كان أول تصريح له أنه قام بعمله الشرير هذا باسم منظمة «بريطانيا أولاً» (Britain First) وهي من المنظمات البريطانية
اليمينية المتطرفة
اهتزت بريطانيا برمتها لهذه الجريمة الشنيعة والعشوائية، وباغتت الجميع بوقعها حتى اضطرت الأحزاب السياسية إلى إيقاف الحملة من أجل الاستفتاء الوشيك حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه. لم يألف الإنجليز مثل هذه الجريمة ضد أحد النواب أو النائبات في مجلس العموم، على الأقل في حدود العصر الحديث. الإنجليزي يكتفي بالصياح ورفع الشعارات. لم يألفوا عمليات الاغتيال والمؤامرات، مما ألفه سكان الشرق الأوسط.
ما زالت التحقيقات جارية وربما ستستغرق أشهرًا على المزاج الأنغلو سكسوني الأصيل. المعروف حتى الآن أن القاتل استعمل الأسلحة النارية والجارحة، سكينة. خطر لي أن أسائل نفسي: أيا ترى قد تأثر هذا المعتوه بالمعتوهين الآخرين العاملين ضمن صفوف «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى التي تستأنس باستعمال السكاكين والخناجر وذبح الأبرياء، فأوحت له بالمثيل؟ أترك هذا السؤال للمحققين في هذه الجريمة. بيد أن هناك سؤالاً آخر يخطر في الذهن: هل ستوحي هذه الجريمة وأساليبها لمعتوهين آخرين يقومون بعمليات رهيبة مماثلة؟
إنها بادرة لا تبشر بالخير في هذا المجتمع الهادئ، وبهذا المزاج وهذا الجو الممطر البارد، بيد أن سائر المنظمات الإنسانية والخيرية، بما فيها جماعات العاملين في صفوف المعارضة السورية، ستتوجع لفقدان مثل هذه المرأة الرائعة.
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع