د. منار الشوربجي
الأرجح أن يكون المؤتمر العام للحزب الجمهوري الأميركي، الذي سينعقد الشهر الجاري، من أكثر مؤتمرات الأحزاب الأميركية إثارة للجدل في تاريخ أميركا الحديث. فالمؤتمر الذي سينعقد في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو فى الفترة من 18 إلى 21 يوليو الحالي لن يشبه بحال مؤتمرات الحزبين الديمقراطي والجمهوري خلال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل. وكلمة السر في ذلك هي دونالد ترامب.
فالحزب الجمهوري لم يفق بعد من صدمة وصول دونالد ترامب لترشيح الحزب.
فهو حصل على أكثر من 13 مليون صوت من أصوات الناخبين وبالتالي حصل على أكثر من 1500 مندوب يمثلونه في المؤتمر العام وهو رقم يزيد بمقدار مائتي مندوب تقريبا عن المطلوب للفوز بالترشيح.
وقيادات الحزب كانت تعول على رموز أخرى من جيب بوش لماركو روبيو لكنها فوجئت بتصدر تيد كروز ودونالد ترامب السباق. ولأن كروز مكروه وسط زملائه في مجلس الشيوخ وبين قيادات الحزب التقليدية عموما، لم يُلق الحزب الجمهوري بثقله وراءه فكانت النتيجة انسحاب كروز وفوز ترامب.
لكن الأمر الواقع لم يثن تياراً مهماً في الحزب عن مساعيه الحثيثة للإطاحة بترامب، مرة عبر البحث عن مرشح جمهوري يقدم نفسه لمنصب الرئاسة مستقلا ضد كل من ترامب وكلينتون، ومرة عبر العمل على الانقلاب على ترامب فى المؤتمر العام، عبر حملة تدور على قدم وساق هذه الأيام لإقناع نسبة من مندوبيه للتخلي عنه أثناء التصويت في المؤتمر العام. والمحاولة الأولى فشلت حتى الآن بينما تظل الثانية بالغة الصعوبة من شأنها أن تحدث توترا شديدا لو جرت فعلا في المؤتمر العام.
لكن الأكثر خطورة من ذلك هو أنه قد أصبح جلياً أن الحزب الجمهوري سيخوض معركة الخريف ضد هيلاري كلينتون وهو منقسم بشدة على نفسه ومثخن بجراح الحملة التمهيدية. فحتى كتابة السطور، أعلنت رموز نافذة في الحزب مقاطعتها للمؤتمر العام، سواء عن طريق رفض إلقاء واحد من خطبه أو عن الامتناع عن الحضور من الأساس، مثل الرئيسين السابقين بوش الأب وبوش الابن وميت رومني مرشح الحزب في آخر انتخابات رئاسية، فضلا عن رموز الحزب المهمة التي رفضت علنا دعم ترامب كمرشح للحزب، مثل رموز بوزن السناتور ليندزي جرام.
ليس ذلك فقط، إذ من الأحداث ذات الدلالة المهمة، الاجتماعان اللذان عقدهما ترامب مع أعضاء حزبه فى مجلسى النواب والشيوخ. فبينما تقول التقارير الصحفية إنه باستثناءات قليلة، كان اجتماعه مع النواب الجمهوريين إيجابيا، وخرج الحاضرون، بمن في ذلك بول ريان، رئيس المجلس، يثنون على أداء الرجل، فإن اجتماعه مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين كان عاصفا وجاء ليضيف لجراح الحزب الجمهوري. فهو فضلا عن هجومه على عدد من الأعضاء الذين لم يحضروا الاجتماع، خاض ترامب معركة كلامية مع اثنين منهما.
فترامب هاجم أحدهما، السناتور جيف فليك، وتوعده بالهجوم عليه علناً بينما أعطى للآخر، بن ساسي، محاضرة غير لائقة. لكن الأخطر من هذا وذاك أن ما يجمع كل من هاجمهم ترامب هو أنهم إما لم يدعموه بعد لمنصب الرئاسة أو انتقدوا تصريحات له. وكعادته في توجيه الإهانات والاتهامات دون دليل، هاجم دونالد ترامب كل من لم يدعموه من الجمهوريين قائلا إنهم يؤيدون مرشحة الحزب المنافس، بل وزعم أنه يعرف قائمة ترشيحات هيلاري كلينتون للمحكمة العليا في حالة فوزها بالرئاسة.
حتى اجتماع مجلس النواب، الذي يقال إنه كان إيجابيا، سئل فيه ترامب عما إذا كان سيحمي المادة الأولى للدستور، وهي المادة التي تنص على سلطات الكونجرس، فتهرب الرجل من الإجابة عبر التأكيد على أنه سيحمي كل مواد الدستور!
كل تلك الانقسامات داخل الحزب الجمهوري سيكون لها بالضرورة تجلياتها في مؤتمر الحزب الجمهوري. وهي مسألة مهمة لأن الوظيفة الرئيسية للمؤتمر العام هو أن يقنع الناخبين بأن الحزب متماسك وقوي له رؤية وقادر على أن يقود البلاد ليس فقط من خلال منصب الرئاسة وإنما أيضا من خلال مقاعد الأغلبية في الكونجرس بمجلسيه. ومن هنا، يظل الأرجح أن يعكس المؤتمر انقساما وتوترا داخل أروقته وخارجها. بل وسيحمل في تقديري عددا من المفاجآت، خصوصا أن ترامب، على خلاف المعتاد، أعلن أنه لن يفصح عن اسم الشخص الذي سيخوض معه السباق مرشحا لمنصب نائب الرئيس إلا أثناء المؤتمر.
لكن كل ذلك لا يعني بالضرورة أن فرص ترامب في الوصول للرئاسة قد تلاشت لأن برني ساندرز قد يمنحه قبلة الحياة لو أعلن رسميا دعمه لهيلاري كلينتون كمرشحة للحزب. فجمهور ساندرز، الذي لا يثق في كلينتون مطلقا، ويمثل يسار الحزب الديمقراطي، لن يعطى صوته لها. عندئذ، تكون الساحة مفتوحة على كل الاحتمالات، ليس لأن جمهور ساندرز سيؤيد ترامب، وإنما لأن ترامب سيكون بإمكانه الفوز في المجمع الانتخابي إذا ما أصاب مؤيدو ساندرز الإحباط وامتنعوا عن التصويت من أصله!
777 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع