عانات او عانة

                                       

                  الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

عانة Ana او بالاحرى عانات Anat  و احيانا خانا ، هي بلدة رافدينية قديمة وجدت منذ الالف الثالث قبل الميلاد، تقع على الضفة الغربية لشاطىء الفرات الاعلى . تبعد عن بغداد نحو "318 كم" الى الشمال الغربي منها. تعتبر قضاء او بلدة تابعة الى محافظة الانبار .

كانت في العصور القديمة احدى عقد الموصلات بين غربي بلاد النهرين وشمال بلاد كنعان "سوريا". ورد ذكرها في العهد القديم :في حوالي1500 ق.م" بأسم خانا.
في حدود 1900 قبل الميلاد ، حكمت سلالة بابلية- امورية استوطنت في ماري وامتد نفوذها على طول الخابور ثم الفرات وشملت منطقة عانا في عهد ملكها "اياكت -لم" Iagit-lim وكان معاصرا للملك الاشوري الذي حكم في مدينة اشور لفترة قصيرة "ايلا كبكو"(1)
 وصارت بعد ذلك في القرن الحادي عشر مركزا لدويلة ارامية في الفرات الاوسط عرفت بأسم عانات ، واسمها ارامي بمعنى "بيت الماعز" . كذلك وردت في المصادر الاشورية بأسم سوخي .
في زمن الملك حمورابي ، كانت هذه المدينة تحت نفوذ الامبراطورية البابلية في السنة الخامسة والثلاثين من حكمه "1715 ق.م".
 ورد اسم عانات ايضا في حملة الملك الاشوري توكولتي نتورتا الثاني "890-884 ق.م". وقد اصبحت احدى مراكز جيشه المتقدم الى اعالي الفرات . يقول الاثاري "ألوي موسيل 1927" عنها، انها اصبحت معسكرا من معسكرات المملكة الاشورية. ويرجح ان هذه الملك الاشوري قد اقام حصنا في جزيرة تلمش "تبليس" التي تبعد 14 كم عن بلدة عانا . وسجلت الرقم الاشورية بأن هذه المدينة تمثل المرحلة السادسة والعشرين من رحلة الملك توكولتي من آشور الى البحر الاعلى "البحر المتوسط". وكانت المرحلة الخامسة والعشرين من تلك الرحلة التي وثقت، تمثلها جزيرة سبرتي او سوراي التي تبعد عن تبليس زهاء "22 كم" وكان الامبراطور الروماني تراجان قد عسكر فيها عام 115 م.
في القرن الرابع للميلاد، ولأهمية المدينة، فقد بنى "معين" احد امراء مملكة  الحيرة ، وكان مسيحيا  ديرا ، لعله ترهب في نهاية حياته لفترة تقدر بسبع سنوات وذلك في عهد الملك الساساني سابور الثاني "309-379 م" .
كان الامبراطور الروماني جوليان ، قد حاصر منطقة عانا سنة 363م واحرق قلعتها واجزاء اخرى من المدينة، فهرب كثير من اهلها . كما سعى القائد "ورامس" الروماني سنة 591 م محاصرة مدينة عانا ولكن بدون جدوى .
اصبحت عانا بلدة مسيحية بعد انتشار المسيحية في العراق بين القرن الثاني والقرن السابع الميلادي، وكانت قد سكنت فيها جماعات من الديانة اليهودية ايضا قبل ذلك، ظلت عانا وهيت من المدن المسيحية بدليل انه عندما ارسل اليها خالد بن الوليد ليفتحها بعد ان حاصرها أبو عبيدة بن الجراح، خرج اليه جاثليقها، وطلب منه الصلح لأهلها، فصالحهم وأعطاه الجاثليق ما اراد على ان لا يهدم له بيعة ولا كنيسة، وعلى ان يضربوا نواقيسهم في اية ساعة شاؤوا في ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلوات عند المسلمين وعلى ان يخرجوا الصلبان في ايام أعيادهم، لكن خالدا اشترط ايضا ان يضيفوا المسلمين ثلاثة أيام ثم كتب لهم كتاب الصلح "كما ذكر أبو يوسف صاحب كتاب الخراج".
 اما ألشابشتي صاحب كتاب الديارات، فيشير الى ان في مدينة عانة ديرا شهيرا يعرف بدير "ما سرجيوس"*. ويبدو انه كان ديرا حسنا يكثر فيه الرهبان ويقصده الناس وعلية القوم للتنزه ، حيث كان موضعه في غاية الجمال . ولأبي طالب المكفوف الواسطي، شعرا في هذا الدير نقتطف منه:
رب صهباء من شراب المجوس
                            قهوة بابلية خندريس
قد تحسّيتها بناي وعود
                            قبل قرع الشماس للناقوس
بين ورد ونرجس وبهار
                            وسط بستان دير ماسرجي

ويقع بقرب هذا الدير مثوى أم الفضل بنت يحيى بن برمك التي أرضعت الخليفة الرشيد مع الفضل، وكان يحترمها ويجلّها ويأخذها معه، ولما ماتت اقتطع لها بستان في عانا ودفنت فيه ويسمى قبرها "قبة البرمكية" (2)
بعد استيلاء الجيش الاسلامي للعراق ، تحولت تدريجيا  عاناة الى مدينة اسلامية فبنيت فيها المساجد، ومن بينها المسجد الذي بني في جزيرة لباد المعروفة بجزيرة القلعة، حيث شيدت فيه مأذنة تتميز بشكلها الفريد الذي يشبه الفنار.
ذكرها صاحب معجم البلدان: "عانات تقع في الاقليم الرابع، وقرى عانات سميت بثلاث أخوة من قوم عادّ، وخر جوا هرابا فنزلوا الجزائر فسميت بأسمائهم وهم ألوس وسالوس وناووس!.. الخ" (3)   لكن في الحقيقة كانت هناك قرية الوس وهي بلدة كانت ذات اغلبية مسيحية حتى القرن الثامن .

الهوامش
* ماسرجيس مقتطعة من لفظة مار سرجيس أي القديس  الشهيد سرجيوس الذي حينما اهتدى الى المسيحية أمر الأمبراطور مكسيمنيوس كاليروس بقتله نحو سنة 307م ، وقد أعدم معه زميله باكوس في مدينة رسابا  في شمال سوريا التي سماها العرب فيما بعد"رصافة" . اختلفت المراجع العربية في كتابة اسمه فهو سرجيس وسرجس وسركيس وكوركيس "هامش البحاثة كوركيس عواد في الديارات".

المصادر
(1) باقر، طه. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. بغداد: دار الشؤون الثقافية، "ط 2/1986"ص420 .
(2) الحموي، شهاب الدين ياقوت "ت626هـ" معجم البلدان. بيروت: دار إحياء التراث، د.ت. ط289".
(3) الشابشتي، ابو الحسن. "ت998م" الديارات، حققه كوركيس عواد. بغداد: مطبعة المعارف، 1951 "ص147-148".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع