د. محمد صالح المسفر
انفضت القمة العربية في دورتها العادية السابعة والعشرين التي انعقدت أمس الإثنين، في العاصمة الموريتانية نواكشوط في غياب عربي ملحوظ.. المتابع لأخبار اجتماعات وزراء الخارجية العرب في نواكشوط عبر وسائل الإعلام العربية بكل أنواعها ينتابه القلق والحيرة ويشفق لحال الأمة ويتوجس خيفة على مستقبل سيادة الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومستقبل الأجيال القادمة.
وسائل الإعلام تتحفنا كل يوم بتصريحات وزرائنا الميامين عن أن قمتهم ستكون ناجحة وسترتقي بقراراتها لتكون في مستوى المسؤولية لمواجهة المصاعب والكوارث التي تجتاح عالمنا العربي، تنبئنا وسائل الإعلام بجهود وأنشطة السادة الوزراء وسهرهم الطويل للوصول إلى توافق في الآراء حول هموم العرب وما أكثرها، لكن هذه الأخبار والتعليقات تختلف باختلاف العاصمة العربية، فما تقوله وسائل الإعلام المصرية عن حال الأمة يختلف عن ما تقول به شقيقتها في الجزائر أو المغرب أو تونس أو عواصم دول مجلس التعاون.
(2)
القمة العربية انعقدت في ظل ظروف ومتغيرات عربية ودولية واضحة المعالم، كانت تحتاج إلى قيادات ذات عزم وحرص على تماسك الأمة، وحماية وحدة أراضيها وعدم السماح لأي قوة بالمساس بسيادة الدول العربية. كنا نريد قيادات عربية تحضر القمة لتجادل بعضها بعضا، من أجل الخروج بقرارات ملزمة لهم، بما يحقق بعض أهداف الأمة العربية ومن أهمها ردع العدوان التوسعي الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني الأعزل، ووقف العدوان الروسي على الشعب السوري تحت أي ذريعة، وردع إيران، المتربصة بالخليج والجزيرة العربية والعراق وسورية ولبنان، ووضع الحكومة العراقية أمام مسؤولياتها، بالتخلي عن التبعية لإيران ورفضها لهيمنة الولي الفقيه في طهران، ووضع نهاية عاجلة للمليشيات الشيعية المسلحة، التي سامت أهلنا في كل أرجاء العراق سوء العذاب، خاصة الفلوجة وما جاورها، وكذلك سورية، ونبذ الطائفية، والكف عن اضطهاد أهل السنة والجماعة في العراق.
كنا نتوقع من القمة العربية في موريتانيا أن يكون من أهم قراراتها العاجلة وضع خطة فورية لإنقاذ محافظة الموصل مما يعد له من قوة تدميرية وجبروت أمريكي أوروبي ويراني وطائفي تقوده الحكومة العراقية الراهنة.
كنا نتوقع أن يقرر العرب المجتمعون في موريتانيا إجراء اتصال عاجل والتفاوض مع أهل الموصل أيا كان انتماؤهم، للوصول إلى حل، يحل به السلام في ربوع الموصل قبل أن تدمر ويفني من فيها من البشر. إنكم في قمتكم كنتم أمام مسؤولية تاريخية لحماية الموصل وسكانها من زلزلة الساعة، "إن زلزلة الساعة لشيء عظيم". كنا نتوقع أن تقرروا التفاوض مع من يملك وسائل القوة والإكراه داخل محافظة الموصل كي لا تقع مذبحة ضد أهلها، كلكم، وبمبادراتكم، تدعون للتفاوض وتطبيع العلاقة سرا وعلانية مع الإسرائيليين وهم ألد أعداء لهذه الأمة ولدينكم، أما أهل الموصل ومن فيها فمعظمهم من أتباع دينكم الإسلامي كان الأولى بكم أن تتداعوا وتتضامنوا من أجل الموصل، لكن تجاهلتها قمتكم وتركتموها تواجه حتفها وأنتم تنظرون. كلكم تطالبون الحكومة الشرعية اليمنية بالتفاوض مع البغاة (الحوثي وصالح) الذين بغوا على البلاد والعباد وانتزعوا السلطة بقوة السلاح، فلماذا لا تتفاوضون من يفرض سلطانه اليوم على الموصل من أجل إنقاذ الإنسانية هناك.
(3)
تعلمون علم اليقين أن إيران والحشد الشيعي وحكومة حزب الدعوة الطائفي الحاكم في بغداد دمروا الأنبار، اليوم والموصل سوف تدمر بالتعاون مع أمريكا والدول الغربية جنبا إلى جنب مع إيران وحزب الدعوة. وحلب الشهباء عاصمة التاريخ تدمر اليوم أمام أعينكم يا قادتنا الميامين بقوة روسية ساحقة لا رحمة فيها، وجحافل الميليشيات الشيعية المستوردة من خارج الحدود، وكذلك عصابات المرتزقة القادمين من كل فج عميق بموافقة نظام بشار الأسد الحاقد الباغي على كل القيم.
(4)
تذكرون -قادتنا الميامين- أنكم باركتم في قمة شرم الشيخ مارس 2015 "عاصفة الحزم " من أجل دحر البغاة الذين استولوا على السلطة ومقدرات الشعب اليمني بقوة السلاح، وأعلن بعضكم المشاركة فعلا في تلك المعركة وقلتم في بيانكم الختامي "ستستمر عاصفة الحزم إلى أن تحقق أهدافها ودعيتم إلى انسحاب التحالف الانقلابي صالح والحوثيين من العاصمة صنعاء، ومن كل المدن والأرياف ومن جميع المؤسسات الحكومية وتسليم السلاح للسلطة الشرعية ويدور الحول، ولم يستجب الحلف الانقلابي لقراركم. وقمتكم في موريتانيا تراجعت عن قرارها السابق ويؤكد إعلانكم في نواكشوط على "استئناف العملية السياسية من حيث توقفت قبل الانقلاب". ليس هذا ما كنا نتمنى ونتوقع من قمتكم. كنا نأمل من قمتكم الموقرة إصراركم وتفعيل قراراتكم الماضية بإجبار صالح والحوثي على الاستجابة لتنفيذ قراراتكم السابقة وقرارات الشرعية الدولية، ودعم عاصفة الحزم وعدم الخضوع للضغوط الخارجية في أي شأن عربي.
أذكركم -قادتنا الميامين- أن الرئيس الروسي بوتين أرسل لقمتكم في شرم الشيخ رسالة "تضمنت مقترحات لحلول سلمية في سورية وليبيا واليمن"، في الوقت الذي كانت تقوم بتسليح نظام بشار الأسد بأحدث الأسلحة لكي يخضع الشعب السوري لإرادته. واليوم روسيا لم تكتف بتزويد النظام السوري بالسلاح المتطور، وحمايته من اتخاذ أي قرارات دولية تدينه، على جرائمه، التي يرتكبها ضد الشعب السوري. بل إنها تشارك ميدانيا في العمليات العسكرية لإبادة الشعب السوري، أنها بفعلها ذلك ترتكب جرائم حرب ضد الإنسان العربي في سورية. إن قمتكم اليوم لم تقرر وضع حد للتدخل الروسي والأمريكي والأوروبي في قضايا أمتنا، وعليكم أيها القادة الميامين، اتخاذ كافة التدابير، لوضع حد لهذه التدخلات الأجنبية، سواء تدخلات سياسية أو عسكرية في شؤون أمتنا وأنتم على حلها قادرون.
آخر القول: قمتكم فشلت قولا وعملا في تبني قرارات للدفاع عن الوطن العربي ولم تفعلوا شيئا لإنقاذ أهل الموصل من الفناء على يد القوى الكبرى، وإنقاذ حلب وإدلب وحمص وكل سورية من العدوان الروسي الآثم، ولم تفعّلوا قراراتكم من أجل إنقاذ اليمن قبل فوات الأوان.
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع