نجم الدين الصميدعي
ومن يؤمن بالله يهدي قلبه للأيمان
الحمد لله ما حمدهُ الذاكرون الأبرار والصلاةُ والسلامُ على النبي المختار وعلى آلهِ وصحبهِ سادةَ الدنيا والثلةَ الأخيار
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المبين(واعلموا إن الله يحول بين المرء وقلبه وانه إليه تحشرون) صدق الله العظيم(الأنفال 24)
لا يوجد شيء اقرب للإنسان من قلبه الذي هو مجمع انفعالاته ومشاعره وعواطفه وهواجسه. مع ذلك هذا القلب الذي هو الأقرب إليك ليس بيدك( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) الآية واضحة وصريحة والآية الأخرى تؤكد ذلك ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (ق16 )كل المؤشرات تؤكد بأنك لا تستطيع أن تتحكم بقلبك لولا مشيئة الله سبحانه وتعالى وهذا القلب متقلب ومتلون وسمي قلباً لكثرة تقلباته وهو أقرب شيء إليك بل هو ذخرك وكنزك الثمين ولكنه متقلب لذلك ندعوا بما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) هكذا هو حال القلب أحيانا يفر إلى الشك وأحيانا يفر إلى الاضطراب وأحيانا يعود إلى الاطمئنان(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) البقرة 260 وأحيانا يفر القلب من الاستقرار إلى الوجل(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال 2 أحيانا يفر القلب من العداوة إلى الرحمة كما جاءت في الآية الكريمة(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا )آل عمران 103وتوكد لنا الآية الكريمة إن قلب الإنسان يحمل غل والضغينة وسوء الظن بالآخرين(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر10) كل هذه الآيات تؤكد بأن القلب متقلب وأحيانا يصل إلى حالة الانسداد التام يُصبح قطعه سوداء لا حياة فيها ولا إحساس فيها يصل إلى حالة الزيغ( فلما زاغو أزاغ الله قلوبهم)(الصف 5) يُختم قلوبهم أي يُصبح القلب مختوم بظلمه وبطلانه وسوء فعله(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى إبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) (البقرة 7) وبالنتيجة نخاف من قلوبنا نخاف من تقلباته ونخاف من تلونه ونخاف أن يصل بنا إلى حد الظلم والى حد الغرور والغشاوة وان تعمى بصائرنا ﴿وَلَقَدْ درأنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾(الأعراف 179)نخاف أن تصاب قلوبنا بمرض الغفلة ومرض الإعراض هناك ثلاث حالات خطيرة تمر بالمؤمن وتمر بالإنسان محلها القلب وموطنها القلب ومحركها القلب
الحالة الأولى
حالة التحسس تجد بعضا منا متحسس يرتاب من كل فعل يرتاب من كل كلمة يسمعها يتحسس من كل لفظة يًحسَب كل شيء وراءه شيء ووراء الشيء شيء هذا هو القلب المتحسس يعيش دائما في الهواجس والشكوك والظنون بالآخرين بل وحتى لأقرب الناس إليهم وهذه الحالة خطيرة جداً تحتاج إلى المعالجة وقد يجر الإنسان في الوقوع إلى النفاق كما ذكرها القران الكريم(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(المنافقون 4)
الحالة الثانية
حالة ميوله للشهوات تجد البعض منا كثير الميول وكثير الإقبال على الشهوات وهمه هو إشباع الغرائز الآية الكريمة تؤكد بوجود هكذا حالات( وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)(يوسف 53) لم يقل إن النفس ميالة للسوء ولم يقول إن النفس راغبة بالسوء بل قال جل وعلا إن النفس (لأمارة) أي تأمرك وتفرض رغبتها عليك وتفرض شهوتها عليك بأمر وبقوه ويأتي هنا (رحمة ربي)إلا ما رحم ربي وهناك من هو يعاني من هذا المرض لقلة إيمانه ولقلة قدرته ولقلة صبره ذكرهم القران الكريم( الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)(البقرة 10) وفي أية أخرى تؤكد( فلا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)( الأحزاب 34) هذه الميالية للشهوات يوصفه رب العزة والجلالة (بالمرض)
الحالة الثالثة
وهي الحالة التي تصيبنا جميعا ربما تصيب المؤمن غالبا وهي حالة الإدبار أن يجد الإنسان قلبه مدبراً عن العبادة و لا ندري ما هو السبب فجأة يجد نفسه معرضاً عن العبادة بعدما كان منشرح الصدر متفائلا يؤدي النوافل يقرأ القران فجأة يجد نفسه متثاقلا غير راغب يخاف الإنسان أن تستمر به هذه الحالة ويعيش في وضع يئوس و قلبه يعتصر ليس فيه نبض الإيمان إلى أن يصل به المطاف إلى الموت ويختم عمره وهو في حالة الإدبار(ترك العبادة أو تأخيرها) لابد من السعي لمعالجة هذه الحالة أي إنسان يصاب بمرض في جسده يبحث عن العلاج يراجع طبيب لكي يشفى من مرضه.أما مرض الأدبار مرض شديد لابد من أن تبحث عن العلاج. هناك ثلاثة طرق للمعالجة وهي :-
1-أن تقصد الأجواء التي فيها لمسات روحيه (صلاة الجماعة) (قراءة الدعاء) (صلاة الليل)هذه الأجواء والأذكار والعبادات أحسن وأصلح طريقة لمعالجة حالات الإدبار لإرغام القلب إلى الطاعة وذكر الله سبحانه وتعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
2-البعد عن مجالس الغفلة. ونحن مع الأسف مبتلون بمجالس الغفلة أي مجالس البطالة الذين لا يملكون عمل ينتفع به لأخرتهم ولا لدنياهم هي مجالس لغيبة الناس كما هي مجالس الفتنة ومجالس سوء الظن ومجالس اللهو والترف على الإنسان العاقل المؤمن الابتعاد عن هكذا مجالس التي لا فائدة فيها سوى الغيبة والنميمة واللهو والمزاح لا توجد فيها أمور علميه أو معرفيه وهذه المجالس تجعل الإنسان يترك صلاته وعبادته لأمور تافهة.
3-أخذ الموعظة إذا ضاقت بكم الصدور فعليكم بزيارة القبور، زيارة القبور فيها موعظة تذكركم بالآخرة. استمع إلى من يعظك وينصحك كن ليناً ولا تبالغ في نفسك. كان الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري يقول للنبي محمد صلى الله عليه وسلم(أعضني يا رسول الله أوصيني) هذه الحالة يجب أن يتحلى بها المؤمن أن يذهب إلى من يعظه .يذهب إلى أمه ويقول لها أمي أعضني ويذهب إلى أبيه والى أستاذه والى صديقه والى من يجد فيه الموعظة والاستماع إلى الموعظة أمر مهم لمرض الأدبار يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم (المؤمن مرآة لأخيه المؤمن) لربما البعض لا يعرف نفسه إلا من خلال غيره.
نحن مهما كبرت ألقابنا وكبرت عناويننا وكبرت مساحاتنا الاجتماعية نحتاج إلى الموعظة نحتاج إلى واعظ يعضنا نحتاج إلى ناصح ينصحنا.
ولله في خلقه شؤون. ندعو الله وانتم موقنون بالإجابة أن يهدينا سبيل الرشاد ويجنبنا من الغفلة وسوء الظن
1205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع