د.عبدالقادر القيسي
في لقاء خاص على قناة(ان ار تي) وفي برنامج حوار خاص بتاريخ22/7/2016، تحدث السيد رئيس الجمهورية(فؤاد معصوم) بأمور كثيرة، اقتطف منه ما يتعلق بمقالنا وما نصه(( س/ مقدم البرنامج:
لم يصلكم ملف إرهابي حقيقي، وكل الملفات التي تصلكم هي قضايا جنائية وليست إرهابية وليس هناك ملفات لقيادات إرهابية، ولم يتم اعتقال أحد من القيادات الإرهابية لغاية الان؟
جواب: الى الان لم تردنا وهي ليست بشكوى ولكن الى الان لم تصلنا قضايا او لدينا قضايا حول اشخاص تورطوا في قضايا إرهاب حقيقي داعشي من عام 2014 وربما الى الان لم يعتقلوا أحد من هؤلاء لان اغلبهم انتحاريين فمثلا الذي يفجر او عبوة ناسفة فهؤلاء لا يعتقلون لأنه يفجر نفسه/
المقدم: لكن دكتور نسمع يوميا اعتقال الجهات الأمنية 50 او مائة او ميتين او أكثر ولو جمعناهم لوصلت الى الاف؟
جواب: الى الان سمعت واحد فقط في طريق الأردن سلم مجموعة مسافرين الى داعش ... انا لا اشك بنزاهة القضاء، لكن الإجراءات الأولية اشك فيها، وهناك شكاوى لكثيرين فهناك أناس محكومين بالإعدام تم إعادة محاكماتهم خرجوا بعدها أبرياء فالشك في الإجراءات وليس بالقضاء، فالاعتراف سيد الأدلة في القضاء لكنه كيف اعترف هل هدد ام بإرادته ام بطريقة فنية من قبل المحققين الذين تمكنوا من انتزاع هذا الاعتراف، فهناك قضايا جنائية عادية تم تحويلها الى قضايا إرهابية وهناك احكام من سنة 2006 و2007 لم يتم طرحها الا في 2016... وانظر بالملفات الباقية منذ عام 2006 و2005 وأيضا ليس فيها قضايا إرهاب، فكلها قتل شرطي قتل نساء، قتل موظف...)).انتهى الحديث//
بعد حديث السيد الرئيس الصريح، هل يعطينا الحق بمطالبة البرلمان بإصدار قانون العفو العام بشمول كافة من صدر بحقهم حكم اعدام بموجب قانون مكافحة الإرهاب المرقم 13 لسنة 2005؟
يثير قانون العفو العام مواقف سياسية متباينة تركزت حول المواد التي تضمنها والاشخاص المشمولين به او المستثنين منه خوفا من امكانية استفادة المتهمين والمحكومين وفق قانون مكافحة الإرهاب المرقم 13 لسنة 2005 من صدوره من خلال إطلاق سراحهم على الرغم من اجماع الكتل على اهميته واعتباره أحد الخطوات المهمة لتحقيق المصالحة الوطنية، غير متناسين، الى ان عدد كثير من المحكومين والمتهمين بهذا القانون (12 الفا متهم ومحكوم بالإرهاب)، كانوا ضحية الاعترافات القسرية وكما اكد على ذلك السيد الرئيس والمخبر السري والذي اكد عليه وزير العدل بوجود(600) مخبر سري كاذب، وقبله السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى بإحالة حوالي (500) مخبر سري الى القضاء لكذب ادعاءاتهم، وبعضهم أطاح بمئات المواطنين، وكما حصل في ابي غريب، عندما سببت إفادات لمخبرين سريين اثنين، في اعتقال مئات الشباب في سنوات مضت، الامر الذي يتطلب توسيع حالات المشمولين بالعفو.
ان تصريح السيد الرئيس يؤكد بما لا يقبل الشك بان نظام العدالة الجنائية المطبق في العراق لازال يعاني بعض العيوب وهناك محاكمات لمتهمين وفق أحكام قانون مكافحة الإرهاب على قدر من الجور، وهناك احكام عديدة تسترشد بالأدلة المنتزعة بالإكراه، حتى في الحالات التي يقوم المتهمون فيها بسحب اعترافاتهم في المحكمة، وهذا مؤشر قبل هذا التصريح لدى رئيس الجمهورية، عندما أكد في 23 شباط عام 2015 الى “.. انه متردد في التصديق على 500 حكم اعدام تنتظر تصديق رئاسة الجمهورية لوجود اعتراضات وطعون سياسية وجنائية فيها.. داعيا الى مراجعة بعض هذه الاحكام لوجود شك في الاجراءات المتعلقة بالاعترافات والادلة).
ورئاسة الجمهورية حريصة على التدقيق بالملفات لا سيما تلك التي تتضمن ادعاءات بوجود تهم كيدية او اعترافات اخذت بالإكراه، وبتصريح السيد رئيس الجمهورية بصدد عدم وجود احكام اعدام لإرهابيين حقيقيين دواعش؛ فذلك يحتم على ضرورة مراجعة هذه الاحكام كونها صدرت بعد محاكمات مشكوك في شفافيتها ومهنيتها، وستكون سبباً لمزيد من الشعور بالظلم، مما يستوجب على مجلس النواب وبمطالبة شجاعة وحقيقية ومسؤولة من لدن السيد الرئيس بشمول جميع من تم اصدار حكمه وفق قانون مكافحة الارهاب بقانون العفو العام، لاسيما ان إعادة المحاكمات المزمع إقرارها في قانون العفو العام ما هي الا افراغ لقانون العفو من محتواها والدوران في إجراءات يطول حسمها ونتيجتها تعسف اكبر، لان الية تطبيق إعادة المحاكمة تحددها عدة نصوص وقيود قانونية تحول دون احقاق الحق وشمول كثير من المحكومين.
ان مشروع قانون العفو العام فيه نص؛ هناك صعوبة إجرائية وقانونية في تطبيقه (شمول المحكوم بجناية او جنحة يدعي انتزاع اعترافه بالقوة الحق بتقديم طلب اعادة محاكمته وعلى الجهة القضائية المختصة عند توفر الادلة اعادة محاكمته وفقا للقانون)وهذا يعني شمول المحكومين بأعاده المحاكمة وعدم شمول المتهمين الموقوفين بإعادة التحقيق الذين لم تحسم قضاياهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك صعوبة بالغة في اثبات تعرض المحكوم الذي يدعي انتزاع اعترافه بالإكراه في مرحلة التحقيق، فعملية اثبات تعرضه للإكراه تستوجب عرض المحكوم على الطبابة العدلية لأثبات ادعائه، فاذا تقرر إعادة محاكمته وارساله للطبابة العدلية للتحقق من ادعائه، يكون الجرح او اثر الشدة قد اختفى لمرور مدة طويلة بين مرحلة التحقيق وإعادة المحاكمة، وتنويها؛ وردت عبارة(وفقا للقانون) في اخر نص المادة، ويقصد بها السير بتطبيق نص المادة(270) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي نصت على سبع حالات لإعادة المحاكمة وعند عدم تحقق أي حالة فهذا معناه لا تشمله فقرة إعادة المحاكمة، وهي حتما لا تشمله؛ لأنه لو تحققت حالة من حالات إعادة المحاكمة لاستخدمها المتهم من خلال محاميه، ولا داعي لانتظار تشريع قانون العفو وشموله به، وبذلك يكون هذا النص قد افرغ من محتواه، والمحكوم المشمول بهذه الفقرة سيكون عرضة لإجراءات طويلة غير منتجة وستذوب قضيته بين ثنايا وتعقيدات النص، وسوف لن يشمله القانون.
وإذا لم تجنح الكتل البرلمانية لشمول المحكومين بقانون مكافحة الإرهاب على شمولهم بقانون العفو العام المزمع تشريعه، فالأفضل ان يكون هناك عدة مقترحات:
المقترح الأول: إضافة نص في مشروع القانون:
((أولا: للمحكوم بجناية او جنحة ويدعي انتزاع اعترافه بالقوة او تم الحكم عليه وفق ادعاءات كيدية من المخبر السري، الحق بتقديم طلب اعادة محاكمته وعلى الجهة القضائية المختصة احالته للمحكمة المختصة مكانيا لإعادة محاكمته، حتى لو لم يتوفر سبب من أسباب إعادة المحاكمة الواردة في نص المادة 270 الأصولية. ثانيا: للمتهم بجناية او جنحة ويدعي انتزاع اعترافه بالقوة او تحقق اتهامه بناءا على ادعاءات كيدية من المخبر السري، الحق بتقديم طلب اعادة التحقيق معه بحضور محاميه الأصيل وليس المنتدب، وطبقا للاختصاص المكاني للجريمة وعلى الجهة القضائية المختصة إحالة الدعوى الى دائرة المحقق العدلي لإعادة التحقيق لضمان عدم تعرضه للإكراه مجددا))
المقترح الثاني: إضافة نص اخر:
((يعاد التحقيق لدى جهة تحقيقية أخرى وتعاد محاكمة كل من كان الاعتراف او شهادة متهم آخر، او ادعاءات مخبر سري؛ دليلا مؤثرا في احالته الى المحاكم او توجيه التهمة اليه او ادانته في الجرائم التي لم يشملها العفو ولا يعتد بما ترتب على ذلك الاعتراف أو تلك الشهادة من إجراءات))
المقترح الثالث: الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم [13] لسنة 2005 غير المشمولة بقانون العفو، نقترح عدة تعديلات عليها ليكون قانون العفو منتج اثاره، ولو بمستوى لا يلبي الطموح ولا يحقق أغراض قانون العفو العام، وكما يلي وصفها:
الف-هناك ضرورة باستثناء بعض الجرائم التي تندرج تحت قانون مكافحة الإرهاب والتي وردت توصيفاتها في نص المادة(2/فق 1وفق2وفق3وفق4) من القانون كجرائم الانتماء ودعم الإرهاب والعلم بجرائم الإرهاب المرتكبة من قبل أفراد أو جماعات أو تنظيمات محظورة محليا ودوليا.
باء-نقترح استثناء (فق1/م3) من قانون مكافحة الإرهاب، والتي اعتبرت من جرائم الإرهاب، الفعل الذي يخرج باي شكل من الاشكال عن حرية التعبير، والاولى ان تشمل هذه الحالة والحالات الاخرى وان كانت محكومة وفق قانون الارهاب طالما لم يترتب على الجريمة القتل او العاهة المستديمة.
المقترح الرابع: هناك ضرورة بان نضيف نص مضمونه:
الرأي الأول ((يستثنى كل من كان فاعلا اصلياً، بالجرائم الارهابية ذات القصد غير المحدد التي ينوي مرتكبوها قتل أنفس غير معينة وينتج عنها ذلك، ومن كان فاعلا أصليا او شريكا بالتفجيرات التي استهدفت القضاة والأطباء وأساتذة الجامعات والرموز السياسية او الدينية أو قوات الأمن العراقية او الأبنية الحكومية))
الرأي الثاني(( يستثنى من كان فاعلا اصليا في عمليات التفجير وفقا لقانون مكافحة الارهاب رقم (13) لسنة 2005 والمرتكبة بحق قوات الامن العراقية والجرائم المنظمة المرتكبة بحق القضاة والاطباء واساتذة الجامعات وجرائم القتل ضد شخصيات سياسية لإشاعة الفوضى داخل البلاد ))
وبهذا النص ستشمل بقانون العفو، الاعمال المسلحة المرتكبة ضد قوات الاحتلال، وضحايا المخبر السري والمعتقلين وفق المادة 4 من قانون الارهاب الذين لم تتلطخ ايديهم بدماء العراقيين.
اننا نتمنى اقرار القانون في الفترة الحالية، بعيدا عن استثناءات كثيرة افرغت قانون العفو من محتواه، وان نعمل على تقليل هذه الاستثناءات ليتم إطلاق سراح آلاف الموقوفين منذ سنوات بعضهم من دون التحقيق معهم أو ثبوت إدانتهم، وكذلك إيقاف قرارات حكم الإعدام الصادرة ضد مئات المعتقلين وإعادة محاكمتهم تماشيا مع ما صرح به السيد رئيس الجمهورية ومع خطط الاصلاح المطروحة حاليا، ويجب ان ينظر لهم من وجهة نظر انسانية وليست سياسية، من أجل تقليل عدد الموقوفين والسجناء، ولا نقصد بذلك شمول مرتكبي الجرائم الارهابية الخطيرة الحقيقيين، وانما الجرائم التي يمكن ان يعفى عنها ويعاد ادماجهم مرة اخرى للمجتمع.
ملاحظة: نشرت مقال على نفس الموقع عن قانون العفو بعنوان(اضاءات على مشروع قانون العفو العام وخطورته بشمول جرائم غسيل الأموال) في السبت، 27 شباط، 2016 .
712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع