عبد الوهاب بدرخان
مضى عامان على الضربة الجويّة الأولى في «الحرب على داعش»، وتعتقد مصادر عدة أن «الهزيمة النهائية» لهذا لتنظيم الإرهابي اقتربت فعلاً.
فالمراحل التحضيرية لمعركة الموصل، معقله الرئيسي في العراق، أنجزت وستتواصل بقضم محيطها موقعاً بعد آخر، وصولاً إلى إحكام الحصار على المدينة نفسها ثم اقتحامها. وتُنفّذ خطط مشابهة لطرد «داعش» من المناطق التي تمدّد إليها ليبعد خطوط المواجهة عن الرقة، معقله الآخر في سوريا، فبعد منبج يُتوقَّع أن تستمر المطاردة إلى الباب وجرابلس، ليُفرَض على التنظيم الانكفاء نحو الرقّة التي ستُحاصر أيضاً قبل اقتحامها. وتأمل حكومة بغداد، بل تروّج بأن الموصل ستُستعاد بحلول نهاية السنة، أو بعدها بقليل. أما في سوريا فلا علاقة للنظام ولا للمعارضة بمحاربة «داعش» التي انفرد الأميركيون بالتخطيط لها وإدارتها معتمدين على القوات الكردية بشكل أساسي وعلى مجموعات «عربية» أدمجت معها.
لذلك، يمكن القول، نظرياً، إن صفحة «داعش» في العراق يمكن أن تُطوى مع بداية الربيع المقبل كحدٍّ أقصى، أما في سوريا فقد تطول حتى آخر صيف 2017 بحسب الوتيرة الحالية للعمليات. ورغم أن العامين كانا طويلين جداً إلا أنهما يبقيان أقلّ من التقديرات التي تحدّث عنها البيت الأبيض والبنتاجون وامتدت أحياناً حتى عشر سنين، بل إن الدول المعنية والمتضرّرة مباشرة تململت مما اعتبرته أحياناً إطالةً متعمّدة، وحتى عندما عرض بعضٌ منها إرسال قوات بريّة لم يجد حماساً ولا قبولاً لدى «الناتو» أو واشنطن التي حسم رئيسها الأمر بعدم إرسال قوات للمشاركة في القتال، وعندما لا يذهب الأميركيون فإنهم يمانعون ذهاب أي طرف آخر.
وللتذكير فقط، كانت ذريعة الإطالة عدم وجود قوة برية محلية يُعتمد عليها. فالموصل وسائر المحافظات السنّية سقطت في أيدي «داعش»، منتصف يونيو 2014، بعد انسحاب/ أو سحب الجيش الحكومي منها. أما الرقّة ومحيطها فانتزعها التنظيم من «الجيش السوري الحرّ»، بدءاً من العام 2013، متلقّياً مساندة مدفعية ولوجستية من قوات النظام السوري. لذلك رأى الأميركيون إعادة تأهيل الجيش العراقي أو عدداً من وحداته، وحاولوا إيجاد «شركاء» سوريين، لكن شروطهم المتشدّدة للفصل بين محاربة «داعش» ومحاربة النظام حالت دون ذلك ففضّلوا في النهاية الاعتماد على الأكراد لقاء تعهّدات بدعم إقامة إقليم كردي تحقيقاً لطموحهم القومية رغم المخاطر والتعقيدات التي يطرحها هذا المشروع إقليمياً.
وفي الذكرى الثانية للضربة الأولى برزت أيضاً تناقضات أخرى. إذ أفاد الجنرال «شون ماكفارلاند»، القائد الأميركي لهذه الحرب، بأن «قرابة 45 ألف جهادي قتلوا في العراق وسوريا» منذ بدء الحملة. هذا عدد كبير ومفاجئ، وإذا كان دقيقاً فإنه يعني تلقائياً أن لدى «داعش» ضعفه أو أكثر، وإلا فإنه لن يتمكّن من مواصلة القتال. كانت الأرقام الأكبر التي قدّمها عسكريون أو خبراء طوال الفترة الماضية تراوح بين 20 و40 ألفاً للأجانب وحدهم، ولم يسبق أن ذُكر أي إحصاء تقديري لعدد مقاتلي التنظيم، غير أن خسارته 45 ألف عنصر مقابل خسارته أرضاً (47 في المئة في العراق و20 في المئة في سوريا) تفترض أنه كان بمستطاعه تحريك نحو 150 ألف عنصر على أقل تقدير كي يتمكّن من فرض سيطرة أمنية وإدارية على مدن كبرى ومساحات شاسعة. وهذا في حدّ ذاته مقلق بمنظور مستقبلي، لدى التفكير في ما بعد «داعش».
لكن هذا ال «ما بعد» هو الأكثر غموضاً في هذه الحرب، إذ أن المسألة الداعشية تنطوي على تقاطع انتهازيات كثيرة. فالتنظيم استفاد في ظهوره في العراق من الاحتلال الأميركي ثم من التعصّب الغبي لحكومة بغداد آنذاك، واستفاد في انتشاره في سوريا من انهيار السلطة في المناطق واستشراء الفوضى. وبعد إنشاء «الدولة» المزعومة جاء دور الدول التي كان/ أو لم يكن لها دور في صعود «داعش» لتحقّق مصالح من تصفيته، وسلوكيات كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران واضحة في هذا المجال. أما أخطر ما انطوت عليه هذه الحرب فهو في توجّهَين: الأول، عدم بذل الجهد اللازم والضروري لحلّ الأزمات الداخلية التي أوجدت الظروف والمناخ الموبوء لتصنيع «داعش» وتضخيمه. والثاني، استخدام «داعش» وظاهرة الإرهاب عموماً في إعادة رسم الجغرافية لتقسيم العراق وسوريا باعتباره أقل تعقيداً من الحفاظ على وحدة كل منهما شعباً وأرضاً ودولةً… لكن هذين التوجهين كفيلان بإدامة عدم الاستقرار وإنتاج نماذج «داعشية» أكثر وحشيةً.
1167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع