د. علي محمد فخرو
ماهي قمة الأولويات في المشهد العربي الراهن؟ في اعتقادي أنه الرفض الكامل لأي حل، في أي قطر عربي مبتلى بصراعات داخلية، يؤدي أو يؤدي إلى تقسيم ذلك القطر على اية أسس كانت، خصوصا إذا كانت اسساً دينية أو مذهبية أو ثقافية، بل وحتى إن كانت اسساً سياسية.
هذا القول ينطبق على الأخص على اقطار العراق وسورية وليبيا واليمن والسودان. وهو بالطبع سينطبق ايضا على كل قطر آخر مرشح لدخول نفس المحن والإحن التي تعيشها تلك الأقطار الخمسة.
لا يختلف اثنان في أن الأولويات الأخرى، من مثل الانتقال إلى الديموقراطية أو رفع التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو محاربة الفساد، هي الأخرى بالغة الأهمية. ولكن بشرط أن لا يكون ثمن الوصول إليها تجزئة الأوطان.
كل تلك الأولويات ستتحقق إن عاجلا أو آجلا، فالشعوب العربية ستظل تناضل سنة بعد أخرى من أجل تحقيقها. وهي شعوب اثبت تاريخها، ويثبت حاضرها، أنها شعوب ذات مخزون هائل من الإرادة وبذل التضحيات الجسام. ولذا فإنها أولويات تستطيع الانتظار والتأجيل إذا فرضت الظروف ذلك.
أما أولوية وحدة الأوطان فإنه لا يمكن التلاعب بها، أخذا أو عطاء، قبولا مؤقتا أو حلا لأي إشكالية. ففي أمة، هي في الأصل والأساس قد فرضت عليها التجزئة، فان تجزئة المجزأ هي عبارة عن انتحار عبثي وهي دخول في تيه تاريخي مظلم ومجهول العواقب، تجزئة المجزأ هي خط أحمر على المستويين الوطني والقومي، وهي إعلان حرب على الكينونة الوجودية للوطن العربي كله وللأمة العربية كلها. كل مكونات الأمة دون استثناء ستضار. في المدى المنظور لن يربح أحد. من هنا فان ما يجري في الأقطار العربية الخمسة يجب أن يحكمه ذلك الخط الأحمر. إن نجاح أي عملية جراحية بتصحيح او شفاء سقم هذا القطر أو ذاك سيكون ارتكاب جريمة قتل إن هي قادت إلى تجزئته، وبالتالي موته.
ولعل أوضح مثال على ما نؤكد هو قيام الدويلات الطائفية الممزقة للأوطان، وذلك على يد مختلف مسميات الجماعات الجهادية التكفيرية التي تتبنى جميعها ثقافة التمييز ضد جماعة هذا الدين أو ذاك المذهب او تلك الأيديولوجية السياسية. إنها هنا لا تبني وطنا وإنما تمزق وطنا وأمة.
إننا نذكر هذا المثال لأن أجزاء من شعوبنا تنسى، في غمرة حماسها الديني واعتقادها بأنها تناصر الدين على الكفر، بأنها في الواقع تناصر قوى التجزئة المميتة للأوطان وللأمة.
وإذا كان الانتصار الجهادي الميليشاوي، الممارس لقيم دينية طائفية تمييزية متخلفة، وبالتالي الممارس لقيم ثقافية سياسية دموية جائرة بحق غير أتباعه، سيكون انتصارا للتجزئة في نهاية المطاف، فان الأمر ينطبق على شعارات وحلول المحاصصة. مفهوم المحاصصة، سواء على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو لغوية، ليس حلا بديلا عن حكم الاستبداد والفساد الذي يحكم أغلب ارض العرب.
إنه هو الآخر حل يهيئ للوصول إلى تجزئة الأوطان بعد أن ينهك ويضعف الحياة السياسية في تلك الأوطان. لنتذكر ان قطرا عربيا مثل لبنان كاد يصبح عدة أقطار منذ بضعة عقود، وهو اليوم في شلل سياسي مرعب. في قلب ما كاد يحدث في الماضي وما يحدث اليوم الإصرار على البقاء في دوامة المحاصصة التي مع مرور الوقت تجعل الحياة السياسية مياهاً راكدة آسنة غير قابلة للتغيير.
من هناك فإن الحديث عن المحاصصة في العراق أو سورية أو ليبيا أو اليمن لن يكون إلا مقدمة لمثل تلك الحياة السياسية الآسنة البليدة، التي بدورها ستتحدث في البداية عن الكونفدرالية أو الفيدرالية، لتنتهي في النهاية إلى تقسيم.
ألا نأخذ درسا من التمدد الصهيوني في واقع الشمال العراقي لنعرف مخاطر المحاصصة؟
لنكن صريحين وجريئين إلى أبعد الحدود. فاذا كان استبدال الأنظمة السياسية السابقة، والتي لا شك أنها مليئة بالأخطاء والخطايا، سيكون بالحلول التجزيئية للأوطان فان الخير في بقائها مؤقت في أوطان موحدة إلى حين نضوج نضالات شعبية قادرة على تغييرها ضمن وحدة الأوطان، الوحدة التي يجب أن تبقى خطا احمر مقدسا غير قابل للمساومة.
1295 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع