عبدالكريم الحسيني
عشرة سنوات حاسمه في تاريخ العراق تموز 1958 ـ تموز 1968
لايوجد نظام حكم في العالم تمكن من الوصول الى درجة الكمال وهذا الموضوع هو نسبي تختلف فيه النسب من دوله الى اخرى وينطبق ذلك على انظمة الحكم في البلاد العربيه ومن ضمنها العراق الذي اسس فيه اول نظام حكم حديث في عام 1921 وتمكن هذا النظام الفتي في سنينين معدوده من تبوء مكانه بين الدول التي في طريقها للتطور واصبح نموذجا اقليميا يحتذى به من دول الجوار ولم تكن هناك دوله اقليميه توازيه عدا تركيا ..
اسقط هذا النظام في تموز عام 1958 على يد مجموعه من العسكريين بتخطيط بريطاني و تنفيذ من احد الضباط المغامرين وباشرا ف اخر لتتوالى الاحداث المأساويه على العراق في اول انقلاب ارجع العراق الى الوراء سنوات حتى باتت دول لم تكن تجد لها مكانا على الخريطه افضل منه ..
كانت تلك البدايه لعشر سنوات ذاق فيها العراق انواع من الصراعات السياسيه والايديولوجيه والطائفيه المغلفه بالسياسه وارتكبت بحق هذا الشعب الكثير من المآسي والجرائم وانتهكت الحريات وتأخر البناء وضاعت اموال وتخلف العراق عن العالم الثالث حتى يمكن ان يصنف اليوم بعد الاحتلال الامريكي من دول العالم السادس او اكثر اذا جاز التوصيف ..
تموز 1958
في صبيحة مبكره من يوم الاثنين الرابع عشر من تموز 1958 استيقظ اهالي بغداد والمحافظات على صوت الراديو وهو يذيع الاناشيد الوطنيه (الله اكبر ) و (لاحت رؤوس الحراب ) وبيانات عسكريه مكتوبه واخرى مرتجله وتجمع الناس في المقاهي ليستمعوا الى الاذاعه العراقيه حتى تكاثر الناس وتوجهوا الى الاذاعه ومن ثم الى قصر الرحاب ومن جهات عديده في بغداد لتبدأ عمليه نهب وقتل وسحل بشعه تقشعر لها الابدان ليجلس بعدها القاده على سدة الحكم وتبدأ الصراعات والتصفيات وليدخل العراق في نفق مظلم من الاحتراب السياسي بين القوى القوميه والشيوعين الذين تباروا في فنون السحل والاعدام واظهار الاهانه للاديان وللانسان وللقانون وبدأت الرجال تتساقط هنا وهناك تحت قرارات ما سمي بمحكمة الشعب التي كان يقودها رجل شبه امي من الشيوعيين (فاضل عباس المهداوي) وهو ابن خالة الزعيم وتحول الصراع بين فئات الشعب ونكبت الموصل الحدباء وكركوك وبغداد وانتهكت كربلاء والنجف حتى تهيأت الاجواء لتغيير النظام وكانت اهم الاسباب لذلك هي :
1-انفراد عبد الكريم قاسم بالسلطه وتصفيته لرفاق الامس من الضباط الاحرار مثل (رفعت الحاج سري ) و ( ناظم الطبقجلي ) واقصاء العديد منهم تحت ذرائع شتى .
2-تقريب الشيوعيين الى الحكم وتسليمهم مناصب حساسه في القوات المسلحه ( جلال الاوقاتي \ قائد القوه الجويه) و(طه الشيخ احمد \ مدير الحركات العسكريه ) وغيرها .
3-صراعه مع عبد السلام عارف الذي عرفه الشعب صبيحة يوم الانقلاب واصبح له العديد من الانصار واستغلت ذلك الاحزاب المعارضه بالالتفاف حول هذه الشخصيه مما شكل ضغطا مؤثرا على السلطه .
4-منح اقربائه بعض الامتيازات مثا اخيه (حامد) حتى لقبه العراقيون (برنس حامد) وابن خالته (فاضل عباس المهداوي ) رئيس محكمه كانت تتحكم بارواح نخب من المجتمع العراقي باحكام بعيده عن القانون وابن خالته الاخر الذي كان مطرودا من الخدمه في العهد الملكي واعيد اليها مع امتيازات في الرتبه وسنين الخدمه والمنصب وذلك مما استغله المعارضون .
5-تنصله من الاتفاقات المبرمه مع الضباط الاحرار بتشكيل مجلس قيادة ثوره وعدم استلام اي من الضباط الاحرار لاي منصب وزاري .
6-زج الجيش بالعمل السياسي وفقد الضبط واصبحت الحاله تقاد من قبل عناصر شيوعيه من الجنود وضباط الصف مما الب عليه الكثير من الضباط ووقوفهم ضده بالرغم من عدم ارتباطهم بالمعارضه .
7-حكم العراق منفردا ولم يسعى لانشاء دستور او انتخابات او اي صيغه ديمقراطيه او حتى شبه ديمقراطيه .
8-تشكيل المقاومه الشعبيه التي ارهقت الناس والشارع وقامت بالكثير من الفضلئع والجرائم التي يندى لها الجبين .
9-لم تكن علاقته جيده مع الكثير من الدول العربيه وخاصة مصر وكان يعمل على الانفصال بين سوريا ومصر وخروجه من الجامعه العربيه واثارة مشكلة الكويت التي عملت بما لديها من اموال وعلاقات على حشد العداء ضدالعراق .
كل ذلك اضافة الى محاولة الولايات المتحده الامريكيه الاستحواذ على العراق واخراجه من النفوذ البريطاني وهذا ما اتفق عليه الكبار بعد الحرب العالميه الثانيه وهي التي هيئت لانقلاب شبط 1963 .
شباط 1963
كان الجو في بغداد يشير الى ان شيء ما سيحدث قبل يومين من الثامن من شباط,, فقد تمكنت في هذااليوم مجموعه عسكريه من القيام بحركه انقلابيه وحركت قطعات من غرب بغداد (اللواء الالي الثامن ) وبعض القطعات لتطوق وزارة الدفاع وتزامن ذلك مع قصف جوي قام به مجموعه من الطيارين اغلبهم من القوميين العرب وقاموا بقصف مقر عبد الكريم وبعض من القطعات (الدفاع الجوي) وحاول عبد الكريم الذي كان نائما في داره في منطقة البتاويين السيطره على الموقف وابدى شجاعه كبيره عندما قطع الطريق من داره الى وزارة الدفاع ووجهه خطابا الى الشعب ولكن لم تفلح كل المحاولات وفي مساء اليوم اعطى امرا الى اللواء احمد صالح العبدي رئيس اركان الجيش بان يغادر وزارة الدفاع وتمكن الاخير من المغادره وامسى ليله في ظلام بعد ان تخلى عنه الجميع واصبح وليس معه احد سوى اربعة اشخاص هم (طه الشيخ احمد \ فاضل عباس المهداوي \عبد الكريم الجده \ قاسم الجنابي ) وتمكن الانقلابيون من اعتقاله في الساعه الواحده ظهرا واقتادوه الى بنايه الاذاعه العراقيه بواسطة عجله مصفحه وحوكم محاكمة سريعه واصدر رئيس المحكمه (عبد الغني الراوي ) قرارا يقضي بتنفيذ حكم الاعدام ونفذ فورا وبذلك طويت الصفحه الاولى من السنين العشره الصعبه على العراقيين .
بدأ العراق موجه جديده من العنف وجرت حمله قاسيه لاعتقال العديد من الشيوعيين وتمكن البعض منهم من الهرب ولكن الكثير اودع السجون وتصرف رجال الحرس القومي بشراسه تجاه اعدائهم بالامس من رجال المقاومه الشعبيه واعضاء الحزب الشيوعي العراقي الذين كانوا بالامس يصولون ويجولون ولكل زمان دولة ورجال وجيء بعبد السلام عارف رئيسا للجمهوريه لم يكن مشتركا اساسا بالعمليه ولكن جيء به لشعبيته.
تبوء المناصب شباب حديث العهد بالسياسه لايملكون اي تجربه واعيدت الاحداث التي عاشها العراقيون خمس سنوات مرة اخرى باسماء جديده وكان حزب البعث العربي الاشتراكي هو سيد الموقف وامين سر قيادته (المرحوم علي صالح السعدي ) ومعه مجموعه من الشباب منهم حازم جواد وسائت الامور في البلد ولم يتمكن الشباب من ادارة البلد وارتكبت العديد من الجرائم وكان عبد السلام عارف يراقب الامور حتى وصلت الى حد الانشقاق بين كتلة (علي صالح السعدي ) وكتلة (حازم جواد ) وتمكن حازم جواد من السيطره وتسفير على صالح السعدي وجماعته الى اسبانيا وارتبك الوضع في بغداد وعاشت العاصمه ايام صعبه منع فيها التجول وسيطر فيها الحرس القومي على مرافق الدوله وبانت بوادر اقتتال اهلي وتوقفت الحياة حتى صبيحة 18 من تشرين 1963 حيث تمكن عبد السلام عارف ومجموعه من الضباط من السيطره على الاوضاع واعتقال باقي من في السلطه وانهى حكم البعث واطلق سراح العديد من المعتقلين وساد الهدوء وتنفست بغداد وبدأ اهلها يعودون الى حياتهم الطبيعيه تدريجيا . وانطوت صفحه صعبه من صفحات السنين العشر .
عبد السلام عارف
يكاد يكون عهد المرحوم عبد السلام محمد عارف حسب رأي الكثير من قطاعات الشعب افضل بكثير من سابقيه وقد يعود ذلك الى الاحداث الجسام التي مرت عليهم خلال السنين الماضيه حيث اصبح المتنفس الجديد بمثابة نعمه ارتاح لها العراقين وقد ساد عهده بالامن والهدوء والرخاء حيث كانت الاسعار متدنيه وبدأت حركة العمل عجلتها تدور وانصرف الناس الى اعمالهم بعيدا عن السياسه ولكن لم يخلو هذا العهد من محاولات انقلابيه متعدده كان اولها حركة الشيوعيين في معسكر الرشيد وتمردها باتجاه القيام بانقلاب عسكري افشله الفريق طاهر يحيى ومن ثم محاولة القوميين العرب الذين استبعدهم عبد السلام من السلطه بمحاوله انقلابيه قام بها رئيس الوزراء عارف عبد الرزاق الذي كان وكيلا لرئيس الجمهوريه اثناء ذهاب عبد السلام عارف لحضور مؤتمر القمه العربي وفشلت المحاوله ثم عاودها مرة اخرى بمساعدة مجموعه من ضباط الحرس الجمهوري للانقلاب على الرئيس عبد الرحمن عارف عام 1966 وفشلت المحاوله حتى جائت نكسة حزيران وتهيئة الشارع العراقي نفسيا لتغيير النظام تماشيا مع دعوات تغيير الانظمه العربيه ونجح البعثيون مرة اخرى في تموز 1968 التي انهت السنوات العشر المضنيات المليئه بالانقلابات والاحداث الجسام لنستقبل سنين اخرى لها حديث اخر .
المحاولات الانقلابيه الناجحه :
14 تموز 1958
8شباط 1963
18 تشرين 1963
17 تموز 1968
المحاولات الانقلابيه الفاشله
محاولة المرحوم عبد الوهاب الشواف في الموصل 1959
محاولة انقلاب العريف الشيوعي في معسكر الرشيد 1964
محاولة انقلاب عارف عبد الرزاق عام 1965
محاولة انقلاب القوميين العرب في عام 1966
عندما نستعرض هذا الكم من الانقلابات والمحاولات في هذه الفتره الزمنيه القصيره و التي تنتهي ان نجحت او فشلت الى اجراءات تعطل الحياة والتقدم والبناء وتقصي اشخاص وتبعد اشخاص وتغير اشخاص مما يفقد البلد استمرارية وديمومة العمل ومتابعته ومع الاسف الشديد كان الجميع يعمل وفق مبدأ (جئنا لنصحح الاوضاع ونخدم الشعب وسوف نبدأ من الصفر وكأن الذي سبقهم كان مجرما وعميلا ولم يؤدي اي عمل من شأنه خدمة البلد ) وهنا ينطبق علينا نحن العراقيون الاية الكريمه (كلما دخلت امة لعنت اختها ) والبلد في تراجع مستمر حتى اصبحنا في الحضيض وصنفنا بعد الصومال بعد ان كنا كعبة العرب يأتون الينا حاجين لينهلوا من العراقيين ملبسهم واكلهم وسكنهم وعاداتهم وتقاليدهم وتقدمهم وحتى دقائق الامور ليتعلموا كيف هي الحياة المتحضره وماهي الحداثه وماهو التطور .. لله درك ياعراق الرافدين
مع تحيات/عبد الكريم الحسيني
3238 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع