فؤاد يوسف قزانجي
بيروتBeirut , Beyrouth ذات الماضي العريق تعد من اجمل المدن العربية واكثرها ديمقراطية وثقافة،اذ انها تنتج من الكتب والتصانيف المختلفة اكثر مما تقرأ، ورغم معاناتها من الحرب الاهلية والاحتلال الاسرائيلي وغير ذلك،فانها تعود دائما عروسا للشرق.
بيروت عاصمة لبنان، مدينة قديمة، ذات اصول فينيقية- كنعانية وكان اسمها بيروتا Beruta ورد اسمها في رقيم اكدي يعود الى القرن الرابع عشر قيل الميلاد، وجد في تل العمارنة. وكانت بيروتا احدى المدن الفينيقية التي اقيمت على الساحل الشرقي للبحر المتوسط في نفس الامتداد اللبناني الحالي، ومع بيروتا اقيمت في الدولة الفينيقية مدن او بالاحرى موانئ اخرى مثل ارواد وتريبولي(طرابلس) وببلوس(جبيل) وسيدون (صيدا) وتايرا (صور) واخيرا عكو (عكا) . كانت بيروتا محطة للجيوش المنحدرة من بلاد الرافدين ومن مصر، من بينها جيش رعمسيس الثاني في القرن 13 ق.م.، واسرحدون الاشوري في القرن السابع (680-669 ق.م.) الذي استولى على المشرق وشمال مصر. وكانت بيروتا وغيرها في فينيقيا مركزا للتجارة البحرية بين المشرق والجزر الاغريقية وسواحل شمال افريقيا.
ومن المرجح ان بيروتا وغيرها من الموانئ الفينيقية، نقلت من خلال اتصالها المباشر و لغتها الابجدية المتقدمة، كثيرا من مظاهر الحضارات المشرقية ونتاجاتها الفكرية والعلمية مثل الحضارات البابلية والاشورية والفينيقية والمصرية الى بلاد الاغريق او اليونان، لتساعد المبدعين الاغريق في صنع حضارة متقدمة اخرى للانسانية.
وفي عام 335 احتلت جيوش الاسكندر الكبير ساحل فينيقيا وموانيها ومنها بيروتا التي كانت تحت سيطرة الساسانيين. وفي عام 200 ق.م. انتصرالملك الاغريقي انتيوخس الثالث على الملك بطليموس الخامس الذي انسحب من الساحل الفينيقي الى مصر،فضم انتيوخس بيروتا الى الحكم السلوقي بالاضافة الى سوريا، وسميت لفترة وجيزة( لاذقية كنعان)، وقد دمرت المدينة عندما احتلها منافس اغريقي آخر وهو ترايفون بعد احتلاله لسوريا في عام 140 ق.م.، لكن سرعان ما استعادت نشاطها التجاري والاقتصادي،وعاد مينائها يزدهر ثانية لتنامي العلاقات التجارية بينها وبين ديلوس وجنوب ايطاليا، واصبحت مركزا يجمع بين ثقافة المشرق وشمال المتوسط . استولى عليها ماركوس اكريبا تحت سلطة الامبراطور اوكستوس الذي اعاد بناء المدينة، وازدحمت بافراد جيشه الذي حط في بيروتا التي سميت بيروتس. وفي عام 14 ق.م. رفعت بيروتس الى مستوطنة رومانية باسم (يوليا اوكستافيلكس بيروتس) واطلق عليها بشكل موجز بيروتس. اصبحت مركزا اداريا، بالاضافة الى كونها مركزا تجاريا حينما سكنها هيرودتس الكبير وخلفائه. وفي القرن الثالث للميلاد اسس فيها الحكم الروماني مدرسة عليا للحقوق،كانت اول مدرسة للحقوق في العالم، برع من اساتذتها ابابنيانوس اميليوس(175-212 ) الذي كان له دورا كبيرا في قوانين الامبراطورية الرومانية،والتي جمعها ضمن قوانين جستنيان ونظمها استاذ اخر من هذه المدرسة وهو اناتوليوس . وكانت مدرسة الحقوق تنافس في علومها مدارس اثينا والاسكندرية وقيسرية. كما اطلق الامبراطور كركلا (188-217) على بيروتس اسما آخرا هو انطونينا.
ان ازدياد سكانها جعلها تبتكر نظاما لتوفير الماء الى اهالي المدينة من خلال وادي ماكوراس (نهر بيروت) . في نهاية القرن الرابع اصبحت بيروتس احدى اهم مدن منطقة فينيقيا الرومانية، كما كانت مركزا بطريكيا للمسيحيين. وفي القرن السادس اصاب بيروتس هزة ارضية دمرت اسوارها وجزءا من مبانيها، وقام الامبراطور جستنيان باعادة تعمير ابنيتها،وبقيت بلا اسوار، فسهل ذلك على جيش ابو عبيدة الاستحواذ عليها عام 635 . وقد استمرت بيروت في تجارتها البحرية مع مصر، والبرية مع دمشق وبلاد الرافدين وفارس. .استولى عليها الصليبيون في عام 1110، وصار فيها اول مطران لاتيني في عام 1112 ، والذي قام ببناء كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان، التي اصبحت فيما بعد الجامع العمري!. واستطاع صلاح الدين من الاستيلاء على بيروت في عام 1187. وفي عام 1197 استحوذ الصليبيون عليها مرة ثانية،بعد هروب الحامية الايوبية. فقام الصليبيون باصلاح قلاعها وحصونها. ثم استولى عليها المماليك في عام1291، واصبحت بيروت احدى مدن ولاية دمشق. وخلال القرون الوسطى، كانت بيروت مركزا تجاريا واستراتيجيا مهما لتجارة الخشب والحديد الذان كانا متوفرين فيها. واصبحت بيروت في القرن الخامس عشر مركزا لتجارة الشرق مع الغرب. وفي القرن الثامن عشر، كانت بيروت مدينة كبيرة اهلة بالسكان مثل طرابلس، وكان اكثر سكانها من المسيحيين المارونيين والدروز. وقد عانت المدينة الكثير اثناء الحرب العثمانية-الروسية ،حينما قصفت المدينة عدة مرات من قبل الاسطول الروسي.
وبعد عام 1860 حدث قتال في سوريا وتم فيه قتل العشرات من المسيحيين ، يمكن وصفها بمجزرة. مما جعل الكثيرين من المسيحيين يهربون الى بيروت وغيرها، وقد زاد عددهم عن العشرين الف لاجئ مسيحي. احتلها الفرنسيون خلال الاعوام 1920-1943، وكان اللبنانيون خلال ذلك قد طالبوا بالاستقلال فحصلوا عليه في عام 1943، واصبحت بيروت عاصمة لبنان. وحيث ان بيروت ولبنان كانت تنعم بالديمقراطية والانفتاح على العالم فقد ازهرت فيها الثقافة والتعليم الجامعي واقيم فيها العديد من الجامعات جامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية وبعض الجامعات الاجنبية وابرزها الجامعة الامريكية في بيروت التي تخرج منها العديد من الشخصيات اللبنانية والسورية والعراقية خاصة في منتصف القرن العشرين.
تقع بيروت على شاطئ البحر الابيض المتوسط، وتقوم المدينة على مرتفع من الارض يشكل رأس في البحر مسافة تسع كيلومترات، ممايجعلها تغتسل في البحر ،ومن ثم ترتفع تدريجيا لتحف بها قرى جبلية تشكل مصيفا جميلاعلى مسافة 50 كم منها، ولذلك تعد من اجمل المدن في المشرق. يبلغ عدد نفوسها زهاء المليوني نسمة. وقد عانت من الخراب في الحرب الاهلية، اعقب ذلك الاحتلال الاسرائيلي، وذلك منذ عام 1975 ،ولكن في عام 1990 استعادت مكانتها بعد ان عمرها اهلها وعلى راسهم رئيس الوزراء الاسبق المرحوم رفيق الحريري .
وتذكر الموسوعة البريطانية ان بيروت تعد مركزا ثقافيا مرموقا: ظهرت فيها الصحافة العربية باجلى صورها في اواخر العهد العثماني، وكانت في طليعة المدن العربية في حركة النهضة العربية في اوائل القرن العشرين وكانت دوما موطنا للفكر الحر بين الاقطار العربية .
اهم المصادر
Encycl. Of Islam,Ed. By P.Bearman and Others Leiden,2002.Vol.1, P 1137-1138
652 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع