سارة مطر*
تصفحت إحدى الصحف السعودية، فوجدت إعلانا يحتل النصف الأسفل من الصفحة الأولى، شعرت بالكثير من الفضول لمعرفة محتوى الإعلان، فوجدته عبارة عن شكر تتقدم به إحدى الأسر القبلية لقبيلة أخرى، وسبب الشكر يعود إلى إعلان القبيلة الأولى عن عفوها وتنازلها لوجه الله، أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في حادثة وفاة والدهم، الذي وافته المنية إثر حادث إطلاق نار تمّ بالخطأ من قبل أحدهم.
شعرت بالسعادة لكون أسرة القتيل، قد تنازلت عن حقها الشرعي في القصاص من دون طلب أي ديّة كما كان يحدث في السابق.
المجتمع السعودي، كأيّ مجتمع عربي مسلم، لديه الكثير من الضوابط الشرعية والدينية، إلى جانب شبكة من العادات والتقاليد.
ربما نختلف كثيرا عن المجتمع الأردني الذي يتصدر المراكز الأولى في قضايا الشرف، وإلى جانبه تحتل باكستان أيضا المراكز المتقدمة في القضايا المتعلقة بشرف المرأة، حيث تقتل الفتاة لأي سبب يمكن أن يتعلق بالشرف، ويطلق سراح القاتل بعد أشهر يقضيها في السجن.
لا أزال أتذكر القصة التي قرأتها، ومفادها هروب فتاة أردنية من قريتها لتتزوج من شاب أحبته، ولكن أسرتها لم توافق عليه، وبعد الزواج بأشهر تعرف شقيقها على مكانها، فذهب إليها، وبسهولة خنقها بسلك الهاتف وقطع رأسها ثم جاء به إلى قريته، ليحتفل بغسل شرف أسرته.
مثل هذه القصص لا تحدث في المجتمع السعودي، على الرغم من أن الجميع يتحدث عن الأسى الذي تتعرض له المرأة السعودية بسبب النظام الذكوري، لكن الحقيقة التي لا يعيها البعض، أن المجتمع السعودي منضبط ويدرك قيمة المرأة ويحترمها ويحبها، ربما يأتي هذا الحب بسبب التباعد والفصل بين الجنسين، وتتجلى عظمة المرأة في عيني الرجل السعودي، حينما يرغم الشاب، وهو يمتلك كامل الحرية الشخصية والاقتصادية، على الزواج من فتاة فقط لأن والدته اختارتها له.
لم يحدث أن قرأت عن شاب قتل أخته، وأتى برأسها المقطوع إلى قريته، بالتأكيد هناك قضايا قتل هنا وهناك، ولكن الأمر لم يعد ظاهرة، كما هي ظاهرة الديّة المنتشرة في المجتمع السعودي.
في السعودية نعاني من المتاجرة بدماء القتلى والضحايا، الذين تذهب أرواحهم نتيجة لخلافات بسيطة، وأسباب وقوعها ناتجة عن الغضب، حيث ينقص الشباب قلة الصبر والحيلة، لكننا في السعودية لا نغسل عار المرأة بالقتل والتشويه بالمواد الحارقة، لا نعاني من هذه المشكلات المؤذية نفسيا وجسديا للمرأة حينما تُخطئ، رغم وجودها، ولكننا كأيّ مجتمع لا يمكن أن يكون خاليا من القضايا الشائكة، إنما يبقى الرجل بشكل عام ومع اختلاف الطبقات الاجتماعية، ينظر إلى المرأة نظرة عطف صادقة وغير مفتعلة.
يقتل الشاب صديقه أو أحد أقاربه بسبب خلاف ما ويدخل السجن، فتتولى قبيلته الدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة، وكل ذلك يأتي بسبب أخطاء فردية لا تستحق القتل مطلقا، فقط يشعر الشاب أن حقه لا بدّ له أن ينتزعه من الطرف الآخر، مهما كلفه الأمر، وبعد أن ينطفئ الغضب ويسلم القاتل نفسه، يبدأ أهالي القتيل في رفع صوت غضبهم وحزنهم على الفقيد عبر طلب فدية تصل أحيانا إلى 30 مليون ريال سعودي للتنازل عن القصاص أي ما يناهز 8 ملايين دولار، لطلب الصلح والتنازل عن القصاص، المشكلة لا تبقى محصورة بين أهالي القتيل، بل تتمدد فيقوم أهالي القاتل بعمل منشورات وفتح حساب لجمع قيمة الديّة، ويتم استخدام جميع قنوات التواصل الاجتماعي، وللعلم فقد قمت بالتبرّع لأكثر من شاب على وشك القصاص، عن طريق الحساب الذي تضعه الإمارة في منطقة الجاني، والكثيرون غيري يقومون بالتبرع، إيمانا بالمسؤولية الاجتماعية، من دون أن نعرف إلا اسم القاتل وصورته التي تنشر بجانب رقم الحساب البنكي.
المسؤولية تقع على الحكومة للحدّ من قضايا القتل تحديدا، لا فقط بقيامها بتقليص الديّة، بل بسرعة إنشاء وزارة الترفيه التي سمعنا بها ولم نرها حتى
الآن، هذه الوزارة يمكن لها أن تلعب دورا فاعلا عبر تقديم العديد من النشاطات، التي تجعل الشباب يمارسون من خلالها مهاراتهم والتنفيس عن غضبهم بدلا من زرع السكين في صدور أصدقائهم أو أبناء جيرانهم.
*كاتبة سعودية
861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع