نبيه البرجي
ماذا تفضل اميركا... ازاحة بشار الاسد ام ازاحة رجب طيب اردوغان؟
لا احد مثل الاتراك يعرف الى اي مدى لطخ الاميركيون ايديهم بالدم السوري، ولا احد مثل الاميركيين يعرف الى اي مدى لطخ الاتراك ايديهم بالدم السوري...
عدالة، حرية، ديمقراطية. هذه مصطلحات للبروباغندا او للفانتازيا السياسية او الاعلامية. في الابحاث الاميركية حديث طويل عن ثقافة البادية. مثلما تصارع الآلهة بعضها البعض، تصارع الذئاب بعضها البعض. اما المجتمعات، وكما كان يقول ريتشارد بيرل، فهي كثبان من الرمل إما تذروها الرياح او تذروها الدماء...
بيرل هو من استخدم مصطلح «جيوبوليتيكا الآلهة» في الشرق الاوسط، كما لو ان هناك الها آخر، ويرسم طريقنا حتى الى العالم الاخر، غير الاله الاميركي...
ما يكتب في الصحف الاميركية لا يدع مجالا للشك في ان واشنطن ضاقت ذرعا باردوغان الذي لم يتورع عن القول ان الاميركيين وزعوا السلاح مناصفة بين مقاتلي الاكراد ومقاتلي «داعش».
من لا يعرف ان الاجهزة الاميركية هي من تتولى ادارة القبائل في المنطقة. العرب قبائل، الاكراد قبائل. لا احد يبقى، ولا احد يزول، الا بقرار من الاله الاميركي الذي لم يكن يتصور ظهور القيصر ثانية في روسيا، ولا عودة التنين الى اختراق الازمنة، والى اختراق الامكنة...
الاميركيون ارهقهم حلفاؤهم. عباءات وامزجة، شيوخ قبائل وشيوخ طرق. هكذا يُنطر الى العرب والى الاتراك. ماذا عن الايرانيين؟
دفعوا بالكل الى المستنقعات. السعوديون في اليمن غارقون حتى عظامهم بعدما استنزفوا في سوريا، وبعدما تبين لهم ان اردوغان يوظف اموالهم الهائلة لكي يصل على حصان السلطان الى الجامع الاموي في دمشق على اساس انه الجامع العثماني. الاتراك الذين لعبوا بكل تلك الجثث السورية لم يصغوا الى النصائح الروسية بأن الحرائق ستصل الى مخادعهم...
الايرانيون بارعون في «حياكة» الايديولوجيا، ودائما لاغراض جيوبوليتيكية، ولكن، بعد كل الفوضى الدموية، ماذا ستحمل سلالهم في سوريا وفي العراق وفي اليمن؟ دول تتحول شيئا فشيئا الى حطام. اولئك الذين اخذتهم غواية الحطام...
اما لماذا يفترض بالعرب ان يكونوا الضحايا، فالجواب عند تلك الانظمة الرثة التي ان لم تكن على تخوم العصر الحجري فهي، حتما، امتداد للقرون الوسطى...
من يسقط الان في المعركة سوى العرب؟ اردوغان الذي طالما راهن على تتريك العرب حاول، وكما يفعل اي حاكم عربي، تحويل الشعب التركي الى «رعايا السلطان». قضية مستحيلة. مستحيلة؟ انه يزج بآلاف الجنرالات والقضاة والاكاديميين، والصحافيين، ورجال الاعمال في معسكرات الاعتقال...
قدري غورسل يسأل ما اذا كانت الروح التركية قد تزعزعت او حتى تحطمت...
في واشنطن يبحثون اليوم في السيناريو الذي يدفع باردوغان الى خارج الحلبة. ساذج ذاك الرجل حين يحاول تقليد الايرانيين الذين هم «ماركة» خاصة في مقارعة الاميركيين.
قد نكون بعيدين جدا عن البنية الفلسفية للنظام في ايران، ولا بد ان نقف في وجه اي لوثة امبراطورية آتية من الماضي، لكنهم يرسمون استراتيجيتهم بدقة، من يعود الى المفاوضات الطويلة والشاقة التي افضت الى اتفاق فيينا يدرك من هم الايرانيون وكيف يفكرون...
في نهاية المطاف، العرب والاتراك والايرانيون شركاء في مراقصة الموتى...
الباحث الاستراتيجي الاميركي، انطوني كرودسمان لا يعتقد ان تلك «النيران الصغيرة» يمكن ان تخمد من دون «النيران الكبيرة». لننتظر هيلاري كلينتون ما اذا كانت ستدفع بالعلاقات مع روسيا الى حافة الهاوية. هنا حافة جهنم. مهما فعلت، إن وصلت الى البيت الابيض، لن يكون امامها سوى التسوية، وسواء على الطريقة الكورية ام عن طريق البلقنة..
كرودسمان يتوقع حصول مفاجآت دراماتيكية، بدءا من تركيا تحديدا. الراقص لا بد ان يسقط اخيرا. مجرد جثة في... كرنفال الجثث!
1001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع