تحرير الموصل بوّابة للمصالحة

                                                  

                              عدنان حسين

لم توجد في الماضي، ولن توجد في المستقبل أيضاً، حرب نظيفة .. هذا يشمل حتى الحروب المقدّسة أو شبه المقدسة كحروب الاستقلال والتحرر الوطني، فثمة دائماً وجه آخر مشين لهذا النوع من الحروب أيضاً، حيث يسقط الكثير من الأبرياء ضحايا.

حرب تحرير الموصل وسائر المناطق العراقية الرازحة حتى الآن تحت سيطرة داعش لن تكون استثناءً، لكن يُمكن لقواتنا المسلحة وقيادتها أن تجعل من هذه الحرب الوطنية أقل سوءاً بالتزام الحيطة والحذر والاكتراث حيال المدنيين، وبخاصة من سكان مدينة الموصل المحتجزين رهينة لدى عناصر التنظيم الإرهابي.
في تقرير لها عن الوضع داخل الموصل نشرته في عددها الصادر أمس، قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن  "السكان يلوذون ببيوتهم متوقّعين نشوب حرب شوارع شاقة"، وإنهم "لا يعرفون أي شيء آخر يمكن أن يفعلوه"، خصوصاً أنّ عناصر داعش متأهبون "لقتل كل شخص يحاول الفرار من المدينة".
في الموصل الآن أكثر من مليون نسمة. لابدّ أنّ نصفهم في الأقل هم في عمر الشباب. هؤلاء بالذات وكثيرون سواهم يمكن أن يكونوا عوناً وسنداً للقوات المسلحة المتقدّمة نحو المدينة .. في وسعهم أن يقدّموا المعلومات الثمينة عن مناطق تمركز داعش وتحركات عناصره لاستهدافها بسلاح الجو التابع لقواتنا المسلحة ولقوات التحالف وبالمدفعية أيضاً. وفي لحظة ما يُمكن لهذا العدد الغفير من السكان أن يثور على داعش ويحرّر أحياء كاملة من المدينة وينظّفها من عناصر داعش قبل وصول القوات المسلحة إليها، وأن يُعين في مسك الأرض وفي مراقبة وتتبّع نشاط الخلايا النائمة للتنظيم الإرهابي.
إنْ حصل هذا ستحقن قواتنا المتقدّمة الكثير من دماء مقاتليها ومن دماء السكان المدنيين، وسيكون أمر تحرير الموصل أيسر وأسرع وأقلّ كلفة. هذا يلزمه، بطبيعة، الحال عمل إعلامي ودعائي مُحكم وناجع من جانب القوات المسلحة وقيادتها، مثلما يتطلب أن تحرص هذه القوات على الحدّ من أية أعمال محتملة يُمكن أن تشين هذه الحرب الوطنية والمنخرطين فيها.
بقدر ما تكون حرب تحرير الموصل أقرب إلى النظيفة، ولا حربَ نظيفة على الإطلاق، بقدر ما تفتح الباب واسعة أمام مهمة كبرى وضرورية يُفترض أن تشرع بها الحكومة والطبقة السياسية المتنفذة في السلطة بعد الخلاص من كابوس داعش، وهي مهمة المصالحة الوطنية التي لم يتحقق فيها حتى الآن غير الفشل الذريع برغم الأموال الطائلة التي أُنفقت باسمها وبذريعتها.. السبب الرئيس لهذا الفشل يعود بالطبع إلى عدم رغبة الطبقة السياسية المتنفذة في حصول هذه المصالحة.
نعم، يمكن للموصل المُحرَّرة أن تغدو بوابة للمصالحة الوطنية ولانعطافة كبيرة على طريق السلم الأهلي الوطيد، إنْ تحقّقت عملية التحرير بعيداً عن أيّ ملمح من ملامح الانتقام.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع