عائشة سلطان
أتذكر أنني في بداية شتاء العام 2011 كنت في مدينة ميونيخ الألمانية برفقة صديقتي في رحلة علاج، ولتمرير أيام العيد بشكل لطيف قررنا السفر بالقطار، واخترنا الذهاب إلى مدينة إيطالية لطالما حلمت بزيارتها، رسمنا مسار السفر سريعاً وتوجهنا لمحطة القطارات الكبرى الهابنهوف، إجراءات حجز التذاكر كانت سلسة وميسرة، أما خط الرحلة فكان ميونيخ - فيرونا نهاية بفينيس أو فينيسيا أو البندقية والعودة لميونيخ ثانية.
في طريق الذهاب كان كل شيء عادياً جداً، القطار والركاب والخدمة المقدمة مع أننا حجزنا على الدرجة الأولى، إلا أننا لم نختر المقصورة الصحيحة ولم نكلف أنفسنا عناء السؤال، وقبلنا بما هو أقل مما يجب أن نحصل عليه مقابل المال الذي دفعناه كما هي العادة، فنحن لا نسأل ولا نحاجج ولا نطالب بما لنا -خاصة حين نكون في الخارج- ظناً منا أننا بذلك نكون أكثر تهذيباً وتأدباً، وأننا نعطي انطباعاً راسخاً كوننا أشخاصاً متحضرين ولا نحب المشاكل!
أين هي المشاكل إذا اعترضت على عدم حصولك على الخدمة المستحقة لك، أو على مضاعفة سعر البضاعة، أو على مضاعفة قيمة فاتورتك مقارنة بجارك على الطاولة الأخرى، فقط لأنك عربي أو خليجي ويجب أن يتم استغلالك في وضح النهار، لأنك ستسكت وستدفع، فأنت إنسان طيب ومسالم ولديك أموال كثيرة، يعتقدون أنك حفرت الأرض في فناء بيتك وحصلت عليها!
في طريق عودتنا، ركبنا قطار منتصف الليل وقد حجزنا مقصورة خاصة أيضاً، حين صرنا داخل القطار كانت كل الأماكن قد امتلأت بالركاب، وهناك من احتل مكاننا، وعلينا أن نقضي الليل من إيطاليا إلى ميونيخ وقوفاً في الممر بينما الثلج يتساقط، وصقيع الخارج يتسرب للممر عبر النافذة المفتوحة، التصرف الصحيح هو المطالبة بحقنا والحصول على مكاننا، قالوا لنا ذلك غير ممكن، لقد تأخرتم، هكذا ببساطة، دفعت أقرب باب وجلست مع صديقتي مضطرة لاختراق خصوصية تلك العجوز!
لا يمكنك أن تسكت ويجب ألا تسكت إزاء انتهاك حقك، أياً كانت الظروف، لا تستصغر قضية المطالبة به معتبراً أن ذلك ليس مهماً، لا ترتدي نظارة سوداء تغطي بها عينيك لتغض الطرف عن عملية استغلالك أو استغفالك فقط لأنك خليجي، ولديك أموال وستسكت، لأنه لا طاقة لك على المطالبة، تلك أسوأ صورة رسمها الآخر لنا وساعدناه في ذلك، لكن يجب محو هذه الصورة بقوة وإصرار!
1005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع