د. محمد عياش الكبيسي
الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية من حيث عدد السكان بعد العاصمة بغداد، إذ يقارب سكانها الأربعة ملايين، وهي مركز محافظة نينوى، ولا شك أنها من أقدم الحواضر العالمية، حيث أشار إليها القرآن الكريم بقوله: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس)،
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: لم توجد قرية أمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس وهم أهل نينوى، وقد صرح القرآن بعدد سكانها في أيام يونس عليه السلام فقال: (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون).
هذه المدينة تقع اليوم في قلب المخطط الخطير الذي يهدف إلى تحويل هذه المنطقة التاريخية والحضارية العريقة منطقة الهلال الخصيب إلى أرض محروقة ومدن منكوبة، بدءا من الفلوجة والرمادي إلى حلب وحمص وحماة.
بدأ هذا المخطط يصل إلى مدينة الموصل بعد مسرحية المالكي المكشوفة بسحب قطعات الجيش من جانبي المدينة، ليترك فراغا واسعا يتسع لتقدم سريع لعناصر (داعش)، تماما كما حصل في الأنبار، بينما بقيت المدن الأخرى التي وضعت إيران يدها عليها كديالى وسامراء تحت قبضة مليشيات المالكي دون أن تتحرش بها داعش.
المدن السنية التي تشكل ثقل أهل السنة ومصدر قوتهم نُكبت بداعش، حتى صار أهلها يستغيثون بحكومة بغداد فأهانتهم حكومة بغداد على معابرها، ونكلت بهم أبشع تنكيل، وهكذا أصبح عامة أهل السنة بحكم المهجرين واللاجئين! كأنهم لم يكونوا بُناة العراق ووجهه التاريخي والحضاري!
استكمالا لمخطط التدمير هذا، ابتكرت إيران وبالتواطؤ مع الأميركان فكرة الحشد الشعبي! وهو إعلان رسمي لفشل المؤسسات العسكرية والأمنية، بل وفشل الدولة كلها وتحويلها إلى دولة عصابات ومليشيات.
ليست هناك أية محاكمة أو تحقيق عادل بشأن هروب الفرق العسكرية الضخمة في مدينة الموصل وما حولها، وليس هناك جدية من المحتل الأميركي لفتح هذا الملف، وخروج داعش من مخابئها في الصحراء واندفاعها في الطرق الرئيسة لمئات الكيلومترات بسياراتها وراياتها وتكبيراتها دون أن تعترضها قوة في الأرض ولا قوة في الفضاء، دليل مضاف على هذا التواطؤ الذي لم يعد يخفى على عاقل.
أهالي الموصل مثلهم مثل أهالي الفلوجة والرمادي، لثلاث سنوات وهم يرفعون صوتهم بالمطالبة بتسليحهم ليحرروا مدنهم بأيديهم، لكن الحكومة والعالم كله في عمى وصمم، فما الذي جعل (الحرب على الإرهاب) مفتوحة لكل من هب ودب من أقاصي الأرض إلى أقاصيها، إلا على الناس الذين اكتووا بالإرهاب، فهم ممنوعون من الانضمام إلى هذا التحالف! فهل الإيراني قاسم سليماني أولى بالموصل من أهل الموصل؟
على جانب آخر ما الذي يمنع دولا مجاورة للعراق مثل الأردن وتركيا من أن يكون لهم شأن في مقاتلة داعش، وداعش تضرب في هذه الدول، وما قصة الطيار الكساسبة ببعيد، إضافة إلى الوشائج الوثيقة بين هذه الدول وبين هذه المحافظات المنكوبة بداعش؟ بينما إيران الجارة الوحيدة التي يسمح لها بالتدخل علما بأن داعش لم تستهدفها ولو لمرة واحدة!
وأخيرا هل فعلا يجرؤ العبادي على أن يرفع صوته بوجه تركيا (منددا ومحذرا ومهددا) لوجود بضع مئات من الجنود الأتراك لولا الرضا أو الإيعاز الأميركي؟
1007 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع