الدكتور/ وليدالراوي
يظهر ان فرنسا لم تتعض من دروس الولايات المتحدة في العراق وافغانستان حين شنت حربان دمويتان تحت مسمى محاربة الارهاب , وقد كان من نتائج هذه الحروب ان توسع تنظيم القاعدة ليصل التنظيم الى اكثر من اربعة وعشرون بلدا وتحت اكثر من ستة واربعون مسمى .
ان سياسة مكافحة الارهاب المبنية على الفعل ورد الفعل اثبتت فشلها في المواجهة مع كافة اشكال العنف المسلح وخصوصا الجماعات الاسلامية .
لقد اصبحت استراتيجية خلق جبهات او بؤر صراع مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام احد اهم استراتيجيات تنظيم القاعدة بغية توريط هذه الدول في صراعات تبدا ولاتنتهي وتصبح مراكز لاستقطاب اجيال جديدة من الجهاديين.
ان ماوصل اليه الحال في مالي من درجة خطيرة حتى باتت سيطرة الجماعات الاسلامية على مالي قاب قوسين او ادنى مما عجل في التدخل الفرنسي , لقد شجع اسلوب المعالجة في الصومال , الفرنسيين في محاولتهم لاتخاذ نفس الحل من خلال قيادة قوة دولية بالتعاون والتنسيق مع الاتحاد الافريقي, ولكن المفاجئة كانت برد الفعل الغير متوقع من قبل الجماعات الاسلامية مما اذهل الفرنسيين.
للوقوف على معرفة الوضع يلزم استعراض القوى الاسلامية المسلحة في شمال مالي, حيث تسيطر مجموعات من الإسلاميين "الجهاديين" منذ نحو 9 أشهر على المناطق الشمالية في مالي، بعد أن استولوا عليها في أعقاب تمرد مسلح للطوارق قادته "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" التي تسعى للانفصال بإقليم "أزواد" في الشمال عن باقي البلاد وإقامة دولة مستقلة.
شمال مالي:
بدأت شرارة الاحداث مع سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا في شهرآب 2011, حيث شرع المئات من المسلحين الطوارق ممن كانوا يقاتلون في صفوف قوات القذافي بالعودة إلى مواطنهم في النيجر ومالي وبرفقتهم معدات وأسلحة وذخائر ليبية .
تمكنت حركة تحرير أزواد " العلمانية" بالتحالف مع جماعة أنصار الدين "الجهادية" من السيطرة على المناطق الشمالية التي انسحب منها الجيش المالي.
لكن هذا التحالف لم يدم طويلاً، إذ نشبت الخلافات سريعا بين (الحركة الوطنية لتحرير أزواد) وحليفتها السابقة (جماعة أنصار الدين) التي تمكنت من بسط سيطرتها على الشمال بعد معارك واسعة بين الطرفين في شهرحزيران الماضي.
الجماعات الاسلامية "الجهادية".
1.حركة انصار الدين.
جماعة إسلامية مسلحة، ذات توجه سلفي، تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية تسعى إلى انفصال الشمال, تعتبر من اكبر الجماعات في شمال مالي حيث سيطرة بشكل كامل على مدينة تمبكو شمال غرب مالي .
مؤسس الحركة ''إياد آغ غالي''، عسكري سابق, من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل ''الإيفوغاس''. وشخصية بارزة، وزعيم تاريخي في تمرد قبائل الطوارق خلال التسعينيات من القرن الماضي، ينحدر من أسرة أزوادية عريقة في (كيدال) بأقصى الشمال الشرقي لمالي , تاثر بالفكر السلفي خلال عمله كدبلوماسي في المملكة العربية السعودية .
تعتبر حركة انصار الدين بمثابة حركة طالبان في أفغانستان نظرا لأنها حركة معظم قياداتها ومقاتليها من أبناء الطوارق في مالي، ويقال إن تفوق "أنصار الدين" العسكري والمكانة الخاصة التي يحظى بها التنظيم تعود في جانب كبير منها إلى تحالفه مع تنظيم القاعدة الذي أمدَّه بالمال والرجال حتى بات يحظى بأقوى حضور ميداني بين التنظيمات الإسلامية في المنطقة.
2 ـ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي:
أنبثق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، والتي أسست قواعد خلفية لها في مناطق الصحراء الكبرى وفي شمال مالي منذ سنوات.
وعلى صعيد تنظيمات القاعدة يعتبر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي من اكثر تنظيمات القاعدة مقدرة وكفائة وذلك للاسباب التالية:
1. قدم الحركات والتنظيمات الاسلامية المتشددة في بلاد المغرب العربي.
2. يمتاز عناصرها بالقوة والثبات.
3. يمتلكون خبرة ممتازة من خلال مشاركتهم في افغانستان والعراق.
4. حصلوا على امكانات مالية وتسليحية كبيرة من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.
5. يشاركون في الوقت الحاضر في القتال الى جانب جماعة النصرة ضد نظام الرئيس بشار الاسد.
6. يمتلكون خلايا نائمة تنتشر في اوربا هي عبارة عن مقاتليها في مرحلة الجهاد الافغاني من الذين هاجروا بعد انتهاء الحرب الافغانية.
7. يتلقى الدعم والاسناد من قيادة التنظيم العالمية.
8. ينشط في منطقة رخوة تساعدهم على تنفيذ اهدافهم.
كما يعتبر التنظيم المسلح الأقدم في المنطقة والأكثر خبرة، وله القدرة على التواصل وإقامة للعلاقات مع شيوخ القبائل هناك, إذ يرتبط التنظيم الذي يتزعمه أبو مصعب عبد الودود "عبد المالك دروكدال" بعلاقات متينة مع سكان المنطقة من الطوارق والعرب.
أن تنظيم القاعدة هو المحرك الحقيقي من بين كل الفصائل الإسلامية المسلحة في شمال مالي، وأنه حلقة الربط الأساسية بين التنظيمات المختلفة وصاحب اليد الطولى بالمنطقة، وغالبا ما تصفه المصادر المحلية بأنه الأكثـر تجذرًا ومعرفة وخبرة بمناطق الشمال الافريقي.
وتشير مصادر عدة إلى أن العناصر التي تعمل بين صفوف "أنصار الدين" أو حركة "التوحيد والجهاد" ليسوا في النهاية سوى مقاتلين سابقين لدى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
يهدف التنظيم الى تحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي " الفرنسي والأمريكى والموالين له من الأنظمة "المرتدة" ، وإقامة دولة تحكم بالشريعة الإسلامية.
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد مقاتلي الجماعة، لكن أغلب المصادر تقدر عددهم بالمئات، أغلبهم جزائريون، فيما يتوزع الباقون على جنسيات دول أبرزها موريتانيا , ليبيا ,المغرب , تونس. مصر , مالي ونيجيريا. وقد قدرت بعض الجهات عدد المجموعات الصغيرة المنتسبة للتنظيم بنحو سبعين خلية.
وجه أمير القاعدة في شريط فيديو بثه التنظيم رسالة موجهة الى الرئيس الفرنسي أولاند ومجمل قادة دول شمال افريقيا بأن القاعدة مستعدة للسلم إن أرادوه، وستلبى رغبتهم في الحرب إذا طلبوها.
3 ـ حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.
إحدى أهم الحركات الإسلامية المسلحة التي تنشط بالمناطق الشمالية، هي حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يقودها (محمد ولد نويمر)، ومعظم عناصرها من العرب.
تدعو الحركة إلى الجهاد في غرب أفريقيا، وتتمركز سيطرتها في مدينة (قاو) الواقعة على نهر النيجر في شمال شرق مالي، وكانت "التوحيد والجهاد" تتقاسم السيطرة على المدينة مع "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" بعد طرد الجيش المالي منها، وقبل أن تطرد فيما بعد عناصر الحركة الأزوادية على خلفية صراع بين الطرفين استمر نحو شهرين.
وبينما باتت الحركة تسيطر على عدد متزايد من مدن الشمال أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية فيها.
وأعلنت الحركة , إن بإمكانها السيطرة على العاصمة المالية في غضون 24 ساعة إن أرادت. مشيرة إلى أنها تملك ترسانة عسكرية هائلة تمكنها من الاستيلاء على باماكو وقهر جيوش المنطقة في حالة المواجهة العسكرية.
من بين الأسباب التي سهلت للحركة تواجدها أنه كان ينظر إلى "التوحيد والجهاد" من قبل السكان المحليين بعين الرضا خاصة في قاو لأنهم كانوا يواجهون المتمردين الطوارق في "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" الذين اشتهروا كقطاع طرق ومتهمين بارتكاب العديد من أعمال العنف والتعديات في المدينة قبل أن تطردهم الحركة بعد معارك طاحنة.
وكباقي حلفائها المسلحين وقفت "حركة التوحيد والجهاد" وراء اختطاف دبلوماسيين وأجانب ومن بينهم جزائريون كانوا قد اختطفوا في منطقة غاو في شهر أبريل/نيسان الماضي. كما نفذت الإعدام بحق دبلوماسي جزائري بعد أن رفضت السلطات الجزائرية إبرام اتفاق معها، يقضي بالإفراج عن إسلاميين معتقلين وفدية تقدر بنحو 15 مليون يورو.
وخلال الأيام الماضية، أعلنت "التوحيد والجهاد " تشكيل أربع سرايا عسكرية هي: سرية عبد الله عزام، وسرية أبو مصعب الزرقاوي، وسرية أبو الليث الليبي، وسرية الاستشهاديين. واعتبرت الجماعة في بيان لها أن إعلان الهيكلة الجديدة كان نتيجة لتوسع نفوذها، وتزايد أعداد مقاتليها، مؤكدة أن السرايا الجديدة سيتم توزيعها حسب التحديات التي تواجهها المنطقة داخليا وخارجيا.
وللحركة كتيبة أخرى تتبعها تعرف ب (كتيبة أسامة بن لادن) يتزعمها عضو مجلس شورى جماعة التوحيد والجهاد أحمد ولد عامر.
4 ـ كتيبة "أنصار الشريعة"
أسسها عمار ولد حماها، بعد خروجه مباشرة من جماعة (التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا).
عرف عنه بقدرته الكبيرة على جلب الانتباه إليه ووصف بأنه "رجل الكاريزما القوية" نتيجة لحضوره اللافت ولغته الفرنسية "الحادة"، التي يتقنها أكثر من أي زعيم إسلامي آخر في الشمال.
استطاعت الكتيبة أن تقنع أغلب عناصر الجبهة العربية الأزوادية، من القبائل العربية في تينبكتو، بالالتحاق بها بعد أن بقيت على هامش الصراع الدائر منذ عام، فيما حظيت بدعم العرب الموجودين في منطقة غاوه.
5. كتيبة "الموقعون بالدماء"
يتزعمها الجزائري خالد أبو العباس "مختار بلمختار" وكان قد شكلها حديثا بعد عزله من زعامة "كتيبة الملثمين" من قبل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وهو ما وصفته القاعدة وقتها بأنه عزل لا يعدو كونه "إجراءً إدارياً وتنظيمياً" اتخذه أمير التنظيم أبو مصعب عبد الودود والتزم به أبو العباس.
لكن بلمختار خرج ليشكل تنظيم جديد من الفدائيين يحمل اسم "الموقعون بالدماء"، وبالرغم من ذلك ظل حريصا على التزامه بوحدة القرارات التي تتخذها قيادة تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي حيال الأزمة في شمال مالي.
كما توعد من يشارك أو يخطط للحرب في شمال مالي التي قال إنها "خطة خبيثة ماكرة وحرب بالوكالة عن الغرب".
وقال خالد أبو العباس في تسجيل مصور "سنرد وبكل قوة وستكون لنا كلمتنا معكم، ووعد منا سننازلكم في عقر دياركم وستذوقون حر الجراح في دياركم وسنتعرض لمصالحكم".
ووجه مختار بلمختار دعوة إلى العلماء وطلاب العلم وأبناء الدعوة الإسلامية جميعاً في موريتانيا إلى ما قال إنه "الهجرة لنصرة إخوانهم المسلمين في أزواد"، مشيراً إلى أنهم "يدركون حجم المعاناة والجهل وقلة العلم المنتشرة في هذه الأرض، وكان الأولى أن تكونوا سباقين بالوقوف في نصرة هذا المشروع الإسلامي بحكم القرابة والجوار وقد سبقكم البعيد"، وفق تعبيره.
قامت الكتيبة مؤخرا باختطاف 41 رهينة اجنبي يعملون في مشروع نفطي يقع في جنوب الجزائر.
الخلاصة:
سيعمل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي على قيادة العمليات العسكرية ضد القوات الفرنسية والقوات المتحالفه معها في شمال مالي وستشمل العمليات كافة مناطق تواجدها سواء في فرنسا ذاتها او في البلدان الافريقية وستشمل البلدان الاسيوية التي تتواجد بها تنظيمات فرعية لتنظيم القاعدة او خلايا نائمة .
وقد صرح أبو مصعب إن القاعدة ستعمل على إطالة أمد الحرب الحالية من أجل تعميق الجراح وتكبيد الدول المشاركة أكبر خسارة، متعهدا بجعل الصحراء مقبرة لجنود التحالف الغربي.
وأكد أن القاعدة ستحرص على أن تطال شظايا الحرب كل البيوت الزجاجية الهشة المشاركة في العدوان، مذكرا بما تحقق من هزيمة للأمريكيين في العراق وأفغانستان.
الدكتور وليد الراوي
862 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع