موفق نيسكو
إن اختصاصي هو البحث في تاريخ العراق عموماً وبشكل خاص ومُركَّز تاريخ وتراث الكنائس الشرقية السريانية، ولا علاقة للمقال بالسياسة، ولكن أحياناً يكون الشخص مُجبراً ليتطرق إلى مقدمة بسيطة لها علاقة بالتاريخ السياسي، لكي يكون المقال واضحاً.
إن الانكليز سمَّوا قسم من السريان (وتحديداً نساطرة اروميا في إيران وهكاري تركيا) آشوريين سنة 1876م، لأغراض استعمارية، وهؤلاء السريان ينحدرون من الأسباط الضائعة العشرة من اليهود، واعتنقوا المسيحية فيما بعد بصورة شكلية، ثم اعتنقوا المذهب النسطوري سنة 497م، لكن النزعة القومية الإسرائيلية العبرية بقيت عندهم كل الوقت وعاشوا منعزلين في الجبال. (وسننشر بحثنا بالأدلة التاريخية بعد هذا المقال)، وجاءتهم الفرصة في الحرب الأولى حين تحالفوا مع الانكليز، فسمَّوهم حليفنا الصغير، وشكَّلوا لهم جيش الليفي وموَّلوهُ بهدف لدفاع عن مصالحهم، مقابل إقامة كيان آشوري بوجه مسيحي، لكن بثوب وقلب قومي عبري إسرائيلي، لتحقيق حلم إسرائيل الثاني، الفرات، فأعطاهم الكابتن كريسي وعداً في 28 كانون الثاني 1918م، أي بعد ثلاثة شهرين من وعد بلفور، ووضعت نقاط الوعد في بيان المندوب السامي البريطاني السير هنري دوبس في 31 أيار 1924م، وبعد هذا التاريخ بدئوا بحركة سياسية قوية لتزوير كل شئ إلى آشوري، بدأً من اسم سوريا المشتق منها اسم السريان، والآراميين وقواميس اللغة والتاريخ والتراث..الخ ، وشكَّلوا مراكز سياسية قوية في شيكاغو وسدني، وفي 17 تشرين أول 1976م أعلنوا من لندن أن اسم كنيستهم آشورية، وشكَّلوا مراكز إعلامية قوية جداً، منها موقع عينكاو.
إن موقع عينكاوا هو موقع متأشور وجزء من المؤامرة الآشورية على التاريخ واللغة والثقافة والحضارة السريانية متخذا زوراً من الاسم القطاري السريان الآشوريين الكلدان غطاءً لتمرير خططه وأجندته السياسية الخاصة على حساب التاريخ الموَّثق، وفي 23 شباط 2017م، أجرى هذا الموقع المشبوه مقابلة مع عبديشوع أوروهوم أسقف أوربا النسطوري (باللغة السريانية).
http://www.ankawa.org/vshare/view/10305/marawraham/
ورغم أن الكنيسة النسطورية هي حزب سياسي أكثر من كنيسة مسيحية، باعتراف جميع المؤرخين، لكن من الإنصاف القول إن هذا الأسقف قياساً ببقية أساقفة كنيستهُ يعتبر معتدلاً، لكن مشكلته أنه ضعيف في مادة التاريخ، وإذا علمها يطبقها بانتقاء، ويبدو أنه ضعيف أمام السياسيين من أبناء كنيسته، عدا أنه أن من شب على شئ، شاب عليه، وللتعليق على مقابلته أقول:
1: يعترف الأسقف بشجاعة أن كنيسته سُّميت آشورية سنة 1976م، ولم يرد الاسم الآشوري عليها في كل التاريخ.
2: يتكلم الأسقف عن المحبة والوحدة ويقول: إن السريان والآشوريين والكلدان هم أمة واحدة.
تعليقي: لا توجد في العالم امة بثلاث أسماء، ومع أننا أثبتنا بشكل دامغ أن الجميع اسمهم سريان فقط، ولغتهم هي السريانية (الآرامية)، ومع ذلك،
أ- إذا كان الأسقف ذكر بعض أسماء كنيسته في التاريخ: المشرق، الشهداء، النسطورية، والفارسية، ألم يكن الأجدر والأولى به و أن يذكر اسم كنيسته الأم في التاريخ، وهو السريانية؟، خاصة أن الأسقف ذكر أمام ملك السويد وبالانكليزي أن لغة الكنيسة والنساطرة هي السريانية، وميز تميزاً واضحاً بين الكلمتين، وتفاخر الأسقف أن النساطرة ومنهم الجاثليق تيمثاوس أنه ترجم من السريانية، والأغرب من ذلك قال: إن أقرب كنيسة له هي أنطاكية التي كانت لها الرئاسة الأولى على مسيحي الشرق، ولا اعرف ماذا كان ولا يزال عندما يسمع أي شخص مسيحي أو مسلم أو غيره له قليل من الاطلاع في تاريخ الكنيسة ماذا يعني اسم أنطاكية؟، وهل له معنى مقترن به غير السريان؟، لأنها كانت عاصمة سوريا والشرق وهي أول كرسي مسيحي.
ب- ومع أن اسم الكلدان أيضاً حديث مثل الآشوري، ولكن ألم يكن الأجدر والأولى بالأسقف أن يذكر أن كنيسته سُميت بالكلدانية أيضاً، حيث في فترة الاضطراب بعد القرن السادس عشر انفصل قسم من السريان الشرقيين واعتنقوا الكثلكة، فتم تسميتهم كلدان، واستعمل النساطرة اسم الكلدان، وختم بطريركه ايشاي هو بطريرك الكلدان إلى سنة 1976م.
أم أن اسم الكنيسة الفارسية الذي ذكره أهم من أسم السريان والكلدان الذي قال إننا واحد؟، وأرفق وثيقة من كنيستهُ وبلغته اسمها السريانية، وكذلك أرفق ختم كنيسته باسم بطريرك الكلدان:
http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81960
3: يقول الأسقف إن كنيستنا موجودة قبل نسطور.
تعليقي: كلامه صحيح، ولكن، لم يقل لنا الأسقف ماذا كان اسم كنيسته قبل، وحتى بعد نسطور.
وبهذه المناسبة إذا لا يعرف الأسقف أُهديه الجواب من آباء كنيسته وأرجوهُ أن يحترم ما قاله آبائه، وأرفع وللمرة الأولى مخطوط القس صليبا يوحنا الموصلي لسنة 1332م الذي يقول فيه: (إن النساطرة قوم اسمهم السريان)، وهذا المخطوط ذكره البطريرك النسطوري اوراهام روئيل (1820-1860) للقس بادجر ( Nestorians and their rituals The، النساطرة وطقوسهم، ج2 ص127/ انكليزي 1850م)، والجدير بالذكر أن القس صليبا لإعجابه باسم السريان لأنه اسمه الحقيقي، قام بترجمة كتاب ميخائيل أسقف آمد وميارفين السرياني، " الإقرار والأمانة التي يعتقدها النصارى السريان المشارقة "، من السريانية إلى العربية (كوركيس عوَّاد، الأصول العربية للدراسات السريانية، ص58)، وأرفق المخطوط لأول مرة.
http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81959
والمخطوط كتبه بالعربي القس صليبا، ومعروف العرب كانوا شكَّلوا عدداً كبيراً في كنيسة المشرق السريانية، و75 بالمئة من كتابهم بمن فيهم جثالقة، كتبوا بالعربي، فمنذ زمن الجاثليق صليبا زكا (714-728م) حلَّت العربية محل السريانية كلغة عامة للنساطرة في بين النهرين، وتحت رئاسة البطريرك إيليا (10428-1048م) أصبحت العربية هي الرسمية وبقيت السريانية لغة طقسية (كريستوف باومير ،كنيسة المشرق ص176. والكتاب موَّقع من البطريرك النسطوري دنحا)، وسننشر مقال مفصل مستقبلاً عن هذا الأمر.
أمَّا ما قاله الأسقف في كلمته أمام ملك السويد في 8 سبتمبر 2014م، وكيف يزوِّر النساطرة التاريخ، ومنهم رجال دين، وأرفق الكلمة، وثيقة رقم3
http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81958
1: ذكر الأسقف كلمة الآشوريين لتعني بلاد آشور القديمة، لكنه ذكر أن لغة كنيسته وشعبه هي السريانية، وهذا صحيح، ثم قال: إن المسيحيين شكَّلوا دار الحكمة، وكان من رواده حنين بن اسحق الآشوري.
تعليقي: أنا أضع كلام الأسقف أمام الجميع مسيحيين ومسلمين وغيرهم، هل قرأ أحد أن حنين بن اسحق العبادي الذي أصله عربي من الحيرة كان آشورياً؟. على الأقل كان عل الأسقف فعل العكس، أي جعل تيمثاوس آشوري، وإبقاء حنين بن اسحق فقط، لعل (الأمر) كان أهون وسيصدق أسهل، ومن جهة أخرى، ما هو دخل حنين بن اسحق إن كان آشورياً أم كردياً؟، فلو افترضنا جدلاً أن دار الحكمة وحنين آشوريين، فهذا اسم تاريخي لمؤسسة، فنزلاء فندق آشور وجنود فرقة نبوخذ نصر ليسوا آشوريين وكلدان، والأسقف يتحدث عن افتخاره بمترجمين لغة السريانية، وأرجوهُ أن يرفق لنا مصدر واحد يذكر حنين بن اسحق أنه آشوري، وقبل سنة 1876م، عندما سمَّى الانكليز السريان النساطرة آشوريين، وبدأوا بتزوير كل شيء، ولا أعتقد حتى بعد هذا التاريخ يوجد هكذا مصدر، وأتمنى أن يوجد لكي تكون نكتة وأكبر شاهد ودليل على تزوير التاريخ.
2: حاول الأسقف في مكان آخر ربط آشوريي الإنكليز الحاليين بالآشوريين القدماء حين يتحدث عن المسيحيين ومعاناتهم.
تعليقي: مثلما قال الأسقف أن كنيسته لم تُسمَّى أشورية لأن ليس لديه دليل ووثيقة واحدة، فإن هذا المعيار ينطبق على اسم الشعب أيضاً ما لم يأتي بوثيقة، وليس انتقاء التاريخ، ونختصر مطلبنا للأسقف عبديشوع، بمطلب الكاهن النسطوري المهندس عمانؤيل بيتو يوخنا: إن الأصل في تسمية أي شعب هو ما يُسمِّي نفسه في لغته، وشعبنا لم يُطلق على نفسه يوما بلغته تسمية آشوري، أعطوني كتاباً واحداً، مصدراً واحداً، مخطوط واحد، وريقة واحدة، بل جملة واحدة تُسمِّي هذا الشعب آشوري، أعطوني قاموساً واحداً أو كتاباً قواعدياً واحداً يتضمن هذا التنسيب الذي تبدعونه، أعطوني إنساناً واحداً عِبرَ آلاف السنين لقب نفسه آشوري، (حربنا الأهلية حرب التسميات ص18)، وبغير تلبية المطلب، وبلغة كنيستك السريانية، فلا وجود للآشوريين في التاريخ المسيحي، أسوةً باسم الكنيسة.
وهنا أود أن أبين أمراً هاماً للسيد الأسقف ليس قصده التبجح وإنما حثَّهُ على إثبات ما يقوله مثلي أنا الضعيف: ففي كتابي القادم " بدعة الغرب لبعض السريان بتسميتهم آشوريين وكلدان"، قمتُ بترجمة حوالي خمسين صفحة من الانكليزية للعربية لكتب مهمة، منها كتاب الأستاذ السرياني النسطوري جون جوزيف، The modern Assyrians of the middle east، الآشوريون الجدد في الشرق الأوسط"، الذي يُفنَّد إدعاء النساطرة أنهم آشوريين بمصادر عالمية علمية رصينة، ويقول إنهم سريان، وفي ص2-3 قرأت عن مخطوط القس صليبا، مستشهداً بالقس بادجر، فذهبت إلى كتاب بادجر، ولم أجد نص المخطوط، بل وجدتُ أن البطريرك ذكره لبادجر، أصرّتُ على البحث في الكوكل عن صليبا الموصلي، فلم أجد له إلاَّ كتابين، واحد نافذ والآخر في مكتبة واحدة في الأردن هي مكتبة يسوع الملك، اتصلت بصديق وذهب لشرائه وشحنه، ولم أجد المخطوط فيه لأنه كتاب صغير جداً، شبه كراس، ولكني واصلت البحث في المخطوطات السريانية، وأخيراً وجدته في مخطوطات العلامة السرياني الكبير ألفونس منكانا.
وأنت كأسقف يساعدك كثيرون ولا يعترض عليك أحد إذا كتبت أنك باحث أو مؤرخ حتى لو قلت إن الفحم أبيض، وليس مثلي أنا العبد الضعيف أقل منك رتبةً وعلماً وبحثاً، فكن ذو مصداقية وأذكر لنا مصدر عن اسم شعبك أنه آشوري، وأذكر مصدر عن حنين بن اسحق أنه آشوري،. وأجبنا عن رأيك بما قاله القس صليبا في المخطوط، وهو واحد من عشرات المخطوطات التي رفعتها وبسبع اللغات، منها لغتك السريانية الأم كما تعترف بها.
ملاحظة: إن طريقة بحثي تُسمَّى علم الأصول التاريخية، وهذا العلم يعود الفضل باختراعه إلى كُتَّاب الحديث المسلمين مثل البخاري والترمذي، الذين حباً برسولهم راحوا يبحثون عن كل حديث لقائلهِ الأول، وطوَّرهُ ابن خلدون، ثم الغربيون وغيرهم، حيث قال ابن خلدون مقولته الشهيرة: فتش ثم قَمِّشْ، أي ابحث في المصادر ثم خيِّطْ الكلام، وليس مثلك وأمثالك كُرهاً بالسيد المسيح تزوِّرن تاريخ المسيحية والحضارة السريانية عبر مواقع مشبوهة كعينكاوا.
وأخيراً أقول لك: إن اسم كنيستك في التاريخ هو السريانية، وليس الآشورية حين انتحلت سنة 1976م احد أسماء الحضارات القديمة لأغراض سياسية استعمارية.
وشكراً
موفق نيسكو
3628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع