لشو الحكي..؟!

                                                        

                    دلع المفتي

كثرة الحكي أو الثرثرة علّة تتعبني ولا أتحملها، خاصة على الهاتف. أحاول بقدر المستطاع اختصار أي مكالمة أو حديث تلفوني بـ «كيف الحال، وعساكم بخير»، ثم موضوع الاتصال.

لكن لي صديقة جميلة تحب «الحكي» وتكثر منه أحيانا، لكنها ذكية وواعية. تتصل بي للاطمئنان عني وعن عائلتي، وبعد مرور 17 دقيقة على المكالمة، وعندما أبدأ بشد شعري، تستدرك قائلة «اعرف أنك لا تحبين كثرة الحكي، لذا سأختصر..».

الثرثرة باختصار هي كثرة الكلام، أو التعبير عن المشاعر بواسطة الحديث «الطويل» مع الآخر. ورجاء لا تدعوا احدا يقنعكم بان الثرثرة هي اختصاص نسائي فقط، فالكل يثرثر.. رجالا ونساء، كبارا وصغارا، وهي خاصية موجودة لدى جميع الثقافات بدرجات متفاوتة، يمارسها الفقير والغني، المتعلم وغير المتعلم، الموظف والعاطل، ذوو الطبقة الاجتماعية الوسطى وما تحتها وما فوقها. إلا ان أسوأ أنواع الثرثرة هي ثرثرة السياسيين (موالاة ومعارضة) فنحن لا نسمع إلا تصريحاتهم وبياناتهم وزعيقهم وتهديداتهم، مجرد كلام كبير وكثير من دون فعل ولو حتى صغير.

في أيامنا هذه انتقلت الثرثرة من الصالونات والهواتف إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتوافر الوسائل التكنولوجية والإنترنت سهل للبعض الثرثرة ونشر الإشاعات المغرضة وإيصالها لأكبر عدد من الناس، وقد أتخمت مواقع تويتر وفيسبوك بأخبار واشاعات عن كل كبيرة وصغيرة في المجتمع إلى حد أصبحت المواقع معه تشبه بشكل من الأشكال جلسات «حش» نسائية- رجالية على فنجان قهوة.

على الجانب الإيجابي من الموضوع، أظهرت دراسة أجراها الخبراء في مركز البحوث الاجتماعية البريطاني بأكسفورد أن الثرثرة (المحدودة) مفيدة، فهي تطيل العمر وتغذي الروح وتساعد على التقارب مع الآخرين. وأن الثرثارين يملكون شبكة علاقات اجتماعية كبيرة وحديثهم عن الآخرين مفيد لهم، اذ يحرر مشاعرهم وأحاسيسهم ويقلل من التوتر ويخلصهم من الاكتئاب. وفي دراسة اخرى تبين أن هرمون ال‍‍ «أوكسيتوسين» لدى المرأة  المتخصص في  ضبط المزاج، هو الذي يدفع المرأة إلى الثرثرة  مع الأهل والصديقات والجارات وغيرهن للتخلص من الضغوط.

وبخلاف محاسن الثرثرة الآنفة الذكر، فلا بد من الاعتراف بمتاعبها النفسية والجسدية. فهي بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى مشاكل اجتماعية بين الازواج والجيران والأصدقاء وتحديدا بين «الحماة والكنة»، فهي ترهق المثرثر جسديا  بحيث تتعب عضلات الحلق والشفتين والوجه وتعيق عملية التنفس لإرهاقها الرئتين.. وفي النهاية تحطم الأعصاب.

ربما يوما ما نستحدث عقوبة للثرثرة، كما حدث في كاليفورنيا حين تم إلقاء القبض على امرأة لأنها تكلمت لأكثر من الدقائق الـثلاث المسموح بها خلال اجتماع لمجلس البلدية، لأعاقب بها صديقي الذي إن أراد أن يحكي لي عن فيلم رآه مؤخرا، يبدأ حديثه عندما استيقظ من النوم صباحا، وأراد لبس نعليه فوجد أحدهما مقلوبا فعدله....  إلى نهاية الفيلم.

وعلى قول السيدة فيروز.. «لشو الحكي؟»، لذا.. سأتوقف هنا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1151 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع