ثريا الشهري
لِمَ كان برأيك القرنان الرابع والخامس قبل الميلاد يعجان بالفلاسفة وعباقرة الفكر في محيط أثينا؟ لأن الجو العام للبيئة إنما يُصاب بالعدوى. فلكل مجتمع وجهة حضارية وثقافية عامة. وتلك كانت أرضية نهضة العقول لذلك العصر.
وعليه، فمن الممكن أن نسأل عن طبيعة الأمور المشتركة التي تجمع بين شعوب العالم العربي في يومنا؟ أول المشتركات طبعاً الأقساط الشهرية والسنوية بفواتير الكهرباء والمياه والاتصالات ورسوم المدارس، أمّا المشترك الثاني فهو الإحساس بالظلم العام والخاص. فمن شكوى الحكومات إلى شكوى أصغر فرد في العائلة، وثالثها الشعور بالخوف وعدم الأمان من الآتي مع هول المفاجآت المفجعة التي عاشها المواطن العربي، ورابعها وخامسها... إلى عاشرها. والسؤال هو: كيف للعبقرية أن تنمو وتُعدي في ظل أجواء كل ما فيها طارد ومُحبط؟
أستاذ الذاكرة «توني بوزان» صاحب السجل الحافل بالكتابات والأبحاث المعنية بذكاء الإنسان، ومن أشهرها كتابه عن خرائط العقل الذي لو سار عليه المرء لاختلفت طريقة تفكيره بالكلية. هذا العالم له رأي في ذكاء الطفل الذي نصدر حكمنا عليه فنصفه بالعادي وأحياناً أقل من العادي. يقول بوزان: «إذا لم يبرع الطفل في علم الرياضيات وحل المسائل الحسابية بالكفاءة العالية فلا يدل ذلك على أنه أقل في ذكائه من المعدل المتوسط، ولكنه يعني أن النظام التعليمي لم يتوصّل إلى المعادلة التي يفك بها شيفرة القدرة والتطور لدى هذا الطفل، والتي هي ليست بالضرورة متوارثة أو محصورة في حقل معرفي دون الآخر». فماذا نفهم؟ أن بإمكان الجميع تنمية معدلات ذكائهم. فإن حُصرت عقولنا في ملاحقة ديوننا ودفع فواتيرنا والتشكِّي من أحوالنا، فالأكيد أنه في مجموعه له علاقة قديمة بالأسلوب الذي تعمل به عقولنا.
هل يهم القارئ أن يتعرف على النقاط التي وضعها بوزان وسمّاها «معادلة العبقرية»؟ لقد حصرها الرجل في أمور لو قرأ عنها المرء بالأمثلة والتفصيل فحتماً سيتوصّل إلى الأسباب التي دفعت شخصاً مثل الشاعر الأرلندي جميس جويس إلى القول: «الرجل العبقري لا يرتكب أخطاء. ذلك أن ما يقترفه بمحض إرادته، ومن تلك الاقترافات يكون المدخل لمزيد من الاكتشافات». فما هي البنود الخام للعبقرية؟ أولها الذاكرة الحافظة، وثانيها القدرة على الابتكار، وثالثها مهارة القراءة السريعة، ورابعها استطاعة التخطيط العقلي، وخامسها ممارسة الرياضات العقلية.
تلك كانت قماشة العبقرية فماذا عن نوعية نسيجها وألوانها وزخارفها؟ «نوعية العبقرية» هذه جمعها بوزان في 20 بنداً ثم فصّل في شرحه وتحليله. ويا ليت القارئ يعود إلى جهود توني بوزان بهذا الخصوص. فمهما استوعبت مساحة المقالة فلن تخرج عن مجرد إشارات ومقتطفات.
والآن، إليكم المنافذ الـ 20 للعبقرية: أولاً الرؤيا، وثانياً الرغبة، وثالثاً الإيمان، ورابعاً الالتزام، وخامساً التخطيط، وسادساً التصميم، وسابعاً التعلّم من الأخطاء، وثامناً العلم بالموضوع المعني (أقلها 40 ألف ساعة لدراسة الموضوع)، وتاسعاً التوسّع في المعرفة العقلية (قدرات العقل والطريقة الأنسب التي يعمل بها)، وعاشراً الخيال، والـ11 السلوك الإيجابي، والـ12 الاقتراح الحاضر والجاهز، والـ13 الحدس، والـ14 الإحاطة الخارجية بالكفاءة من العقول، والـ15 الإحاطة الداخلية بالعباقرة (نماذج لأبطال رحلوا ولكنهم باقون في عقل من اتخذهم قدوة)، والـ16 الصدق والأمانة، والـ17 الشجاعة ومواجهة المخاوف، والـ18 الابتكار والمرونة، والـ19 الحب الموجه، والـ20 الطاقة العضوية والحسية.
أنت وحدك من يقرر كم من تلك البنود تنتمي إليه واقعياً وبالتطبيق العملي! وأنت وحدك من بإمكانه الاشتغال على نفسه وتطوير سبل عيشــه. فالعبقرية ليـــست شيــئاً مســـتحيلاً لو تمعّنت. ولكنها طــعام للخاصة دون العامة. ذلك أن تذوّقه واستطعامه ليس من أحلام العوام، الذين يرضيهم الطعم العادي ويتعودون عليه. وهاهي البنود أمــــامك فكلما غرفت منها، كلما تمـــيّزت عن محيطك وارتفعت عن السائد، إلى أن تصل إلى المكان الذي يليق بطمــوحك. أمّا البند الذي أؤيده وبشدة من مجموع تلك الـ20، فهو بند التصميم. فركِّز على الهدف واعقد العزم عليه، والأكيد أنك بالغه. ليس لأنني قلته، ولكن لأنه قانون الطبيعة المدعوم بثقة السماء.
1158 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع