أ.د. ضياء نافع
مع ضياء العگيلي في موسكو
تعارفنا في موسكو قبل أكثر من نصف قرن , عندما كنّا طلبة ندرس في معاهدها العليا ونحلم ( بل و نخطط !) أن نغّير العراق ونبنيه كما نريد وعلى وفق ما نرى ونعتقد, ثم ( طشّرنا ) الزمان , كما تقول انعام كجه جي الرائعة في روايتها ( طشاري) , رغم اننا لم نفقد روابط الاتصالات مع بعضنا البعض في السبعينات والثمانينات والتسعينات في بغداد .. ثم جمعتنا من جديد( الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية , والتي كان المهندس ضياء العگيلي اول رئيس لها ) , بعد ان انتهت مرحلة ( رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , والتي كان ثالث رئيس لها 1962- 1964) , ومع هذا ومع كل ذلك , فاننا لم نلتق منذ عشر سنوات باكملها , و ها نحن ذا نلتقي مرة اخرى في موسكو وتحت امطارها الصيفية في حزيران 2017, وتحدثنا وتحدثنا وتحدثنا...وكان يوما جميلا ومشرقا لكلينا رغم غيومه وامطاره...
كانت مواضيع الاحاديث تتزاحم , الا ان رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي لا زالت في المقدمة طبعا , اذ انها ترتبط بمرحلة الشباب , الذي نريد له ان يعود لنخبره ....
قلت له , ان دعوته الجميلة لكتابة تاريخ الرابطة كانت دقيقة وضرورية جدا , اذ انها جزء لا يتجزأ من تاريخ الحركة الطلابية العراقية المعاصرة بكل ايجابياتها وسلبياتها , ويمكن لهذا العمل التوثيقي ( لو تم انجازه ) ان يكون درسا مهما ومفيدا للعراق في هذا الوضع الحالي المتشابك , اذ اننا عملنا آنذاك سوية انطلاقا من عراقيتنا فقط , الا ان الزملاء لم يعملوا اي شئ من أجل تنفيذ هذا المقترح الجميل, رغم التأيدات ( النظرية !!) التي جاءت من بعضهم , ولهذا فقد انسحبت انا ايضا رغم كتابتي ونشري لخمس مقالات بعنوان – ( رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفييتي ) , اذ لا يمكن لشخص واحد ان ينجز ذلك . قال العكيلي انه لا يزال يدعو الى انجاز هذا المشروع المهم , وقد نشر رأيه عدة مرات في هذا الخصوص , وأكّد على سلسلة مقالاتي نموذجا , وكبداية لذلك , فقد اقترح اصدار كتاب يكمل مقالي الخامس عن الراحلين من اعضاء الرابطة . قلت له اني قرأت مداخلاته حول تلك المقالة , وكذلك اطلعت على التعليقات والاضافات المهمة التي كتبها كامران قرة داغي والدكتور حاجم والدكتور عادل الجبوري وغيرهم ,وكل ذلك يؤكد ضرورة العمل الجماعي لاعداد هذا الكتاب التاريخي احتراما وتخليدا للزملاء الراحلين وتكريما لاقاربهم , وتثبيتا لدورهم في الحياة العراقية المعاصرة (اذ ان هذا يعني دور خريجي الجامعات الروسية آنذاك ), و يجب علينا ان نكتب عدة سطور تعريفية عن كل واحد منهم , ويا حبذا لو تكون هناك صورة فوتوغرافية له.
جرّنا الحديث عن الرابطة وذكرياتنا عنها الى موضوع يرتبط بمسيرة ضياء العكيلي نفسه وذكرياته , وقد علمت منه – وبكل سرور – انه قد أنجز تقريبا كتابة مذكراته الشخصية , وانها تقع في حوالي 200 صفحة , وانه يتوقع ان ترى النور قريبا. قلت له ضاحكا , من المؤكد انها تتمحور حول الحزب الشيوعي العراقي بالاساس , وحكيت له كيف علّق أحدهم مرة حول عيد ميلاد ضياء العكيلي قائلا – انه اختارنفس تاريخ ميلاد الحزب الشيوعي متعمدا. ضحك ابو رسل ولم يعلّق , والسكوت من الرضا كما يقول المثل. تحدّث العكيلي باسهاب عن ارتباطه بالحزب منذ شبابه واقتناعه بافكاره ودوره الرائد في مسيرة الحياة العراقية , وحكى لي قصة طريفة حدثت معه , وهي , انه استلم أمرا من الحزب مرة ( وكان آنذاك طالبا في معهد الطاقة بموسكو قبل شهرين من انهاء الدراسة ليس الا ) بضرورة الالتحاق فورا بتنظيمات الحزب السريّة داخل العراق , وترك العكيلي الدراسة فعلا , والتحق فورا بدورة خاصة في براغ لاعداد الرفاق لذلك , وجلس بالصدفة جنب عزيز الحاج – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أنذاك , وسأله الحاج عن اختصاصه , فقال له العكيلي انه لم يكمل دراسته , وانه بقي شهران لاكمالها , فتعجب الحاج وأمر رأسا بالغاء التحاقه في الدورة والرجوع الى موسكو فورا لاكمال الدراسة , وهكذا عاد العكيلي الى معهده في موسكو وأكمل دراسته واصبح مهندسا في مجال الطاقة بفضل هذا الموقف العلمي الصحيح لعزيز الحاج.
تحدثنا اخيرا حول الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتة والروسية , وتذكرنا اجتماعنا التأسيسي الاول في كلية اللغات بجامعة بغداد عندما كنت عميدا لها آنذاك , فأخرج ضياء العكيلي من جيبه هاتفه المحمول وعرض الصور التي التقطها لذلك الاجتماع , وقال انه يحمل هذه الصور معه دائما , وشاهدنا هناك على المنصة ضياء العكيلي وأنا و المرحوم د . عباس الدباغ والمرحوم د. سعد الجوهر وطارق الدرويش , وشاهدنا ايضا في الصفوف الاولى زياد العزاوي و زوجته ماركريت كانيكانيان وعاصم القاضي و صلاح الماشطة ووو.
آه , ما أجمل هذه الاحاديث مع ضياء العكيلي وما أحلاها.
أردت بالطبع ان احكي له عن ذكرياتنا عندما انجزنا التمثال النصفي للجواهري في جامعة فارونش الروسية , والتمثال النصفي لبوشكين في كلية اللغات بجامعة بغداد , والتمثال النصفي لابن فضلان في جامعة فارونش , ونصب مسلّة حمورابي بحجمه الطبيعي , والذي لا زال يقف في القاعة الكبرى بسفارة العراق في موسكو بانتظار انتقاله الى مكانه الطبيعي في كلية القانون بجامعة موسكو , واردت ان احدثه عن رسالتي الى الرئيس الروسي بوتين باسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية حول تأسيس الصندوق الروسي – العراقي في موسكو لتعزيز التعاون الثقافي الروسي – العراقي , والذي يعتمد على استقطاع سنت واحد من ثمن كل برميل نفط عراقي تستخرجه الشركات النفطية الروسية من العراق , وذلك لتحقيق خمس نقاط في مجال التعاون الثقافي الروسي – العراقي وهي –
اولا- تأسيس جامعة روسية – عراقية للدراسات العليا في موسكو تكون الدراسة فيها باللغتين الروسية والانكليزية / ثانيا- تأسيس دار نشر خاصة في موسكو لترجمة الادب الروسي الى العربية والادب العربي الى الروسية / ثالثا – تأسيس معهد خاص شبه مجاني في بغداد لتدريس اللغة الروسية للراغبين بدراستها / رابعا – تأسيس هيئة لتشجيع السياحة بين البلدين / خامسا – تأسيس هيئة للمشاريع السينمائية المشتركة . وكل ذلك يمكن تحقيقه اذا تم استقطاع سنت واحد لا غير من كل برميل نفط عراقي تستخرجه الشركات النفطية الروسية, ولكن العين بصيرة واليد قصيرة يا ا خي ضياء العگيلي.
1368 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع