كاظم فنجان الحمامي
إذا كانت وزارة الزراعية الأردنية تزعم في تقريرها السنوي لعام 2011 إنها صدرت كميات هائلة من الخضروات تقدر بنحو (754404) طناً, وصدرت (87306) طناً من الفواكه والحمضيات إلى أكثر من (35) دولة, هي الإمارات وألبانيا والبحرين والبوسنة والدانمارك والسعودية والسويد والعراق والكويت وألمانيا والنمسا واليونان وأوكرانيا وايطاليا وبريطانيا وبلجيكا وبلغاريا وبولندا وتركيا وروسيا ورومانيا وسوريا وسويسرا وعمان وفرنسا وقطر وكرواتيا وكندا وكوسوفو ولبنان ومصر ومقدونيا وملديفيا وهنغاريا وهولندا(1), وتزعم أيضا إن حصة الأسد من صادراتها الزراعية كانت من نصيب العراق, وتقدر بنحو (181000) طناً من الخضروات بما يزيد على ربع صادراتها لعام 2011 تقريباً, وصدرت للعراق (27646) طناً من الفواكه والحمضيات, بما يزيد على ثلث صادراتها لعام 2011 تقريباً(2).
وإذا كان قطاع الإنتاج الزراعي في الأردن يعاني من مشاكل كثيرة ومركبة, وأحيانا قاتلة باعترافات رسمية صرح بها أصحاب الشأن هناك, فمن شحة المياه في أغلب شهور السنة, وسوء استغلالها, إلى ضعف التمويل ومحدوديته الشديدة, وصولاً لانحسار مساحات الأراضي المزروعة, وبالتالي قصور الإنتاج الزراعي وتدني عائداته, وشهد في السنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً بسبب الإهمال والارتفاعات الحادة للمستلزمات الزراعية, وما إلى ذلك من تردي في الأرباح, وسوء الدعم الحكومي(3). .
وعلى الرغم من تناقض التقارير الزراعية, والمواقف المتأرجحة بين انخفاض الإنتاج وارتفاعه, وبين تعثر التصدير وتدفقه, ذكرت جريدة (العرب اليوم) الأردنية: إن ارتفاع أسعار البندورة (الطماطم) في عمان كان بسبب ارتفاع كمياتها المصدرة إلى العراق, والتي بلغت حوالي (21000) طناً في شهر نيسان (أبريل) 2012 , ناهيك عن ارتفاع صادراتها إلى سوريا (104000) طن, والى السعودية (4000) طن, والى بلغاريا (146) طن, والى قطر (2000), تضاف إليها بضعة آلاف من الطماطم المصدرة إلى الكويت والإمارات(4), ثم خرج علينا الناطق الإعلامي باسم جمعية مصدري ومنتجي الفواكه والخضار في الأردن (عبد الرحمن غيث) ليصرح لوكالة أنباء المستقبل في السابع عشر من مايس (مايو) 2012 بقيام المملكة بتصدير (1000) طن من الخضار إلى العراق عبر الطريق البري(5). .
نستنتج من مراجعتنا للأرقام المعلنة عن حجم صادرات الفواكه والخضار, وبخاصة المصدرة منها إلى العراق, إنها متناقضة منطقياً وحقلياً, فمن يصدق أن العراق بلد النهرين يستورد من الأردن هذه الكميات الهائلة من الخضروات, التي تنتجها مزارع تفتقر إلى ابسط الموارد المائية ؟, ومن يصدق أن الأردن الصغيرة تنتج في أراضيها الوعرة ما يكفي لسد احتياجاتها المحلية, ويغطي الفائض منه احتياجات السهل الرسوبي العراقي ؟. ومن يصدق أن قوافل الشاحنات تنقل يوميا إلى العراق, ومن دون انقطاع هذه الأطنان الألفية من حمضيات غور الأردن, التي يبدو إنها لا تنضب ولا تنقطع ؟. .
من المسلم به إن الفلاح المتمرس يدرك تماما أن ما يحصده من سنابل القمح لا يساوي بالنتيجة النهائية صافي الغلة, ويعلم علم اليقين أن صافي الغلة هو ناتج عمليات المعالجات الحقلية, التي يفترض أن تسبق التخزين والتصدير, فحسابات الحقل لا تطابق أبداً حسابات البيدر, وحسابات البيدر لا تتوافق مع حسابات التخزين والمناولة والتصدير. .
وبناءً على ما تقدم يحق لنا, في ضوء هذه الأرقام المتناقضة والوقائع المتداخلة, أن نرتاب ونشكك, ونعبر عن عدم قناعتنا بصحتها, ويحق لنا أن نفترض وجود دولة أخرى استغلت الغطاء التسويقي الأردني, وراحت تصدر منتجاتها الزراعية إلى العراق في ظل غياب الرقابة الإقليمية, وإلا بماذا نفسر تدفق هذه المنتجات الزراعية الهائلة من الحقول الأردنية, التي ترزح الآن تحت أقسى الظروف الزراعية والمناخية, وأكثرها تعقيداً وتخلفاً, فيأتي الجواب سريعاً من بعض المصادر الخجولة, ليقول لنا: إن المنتجات الزراعية الإسرائيلية تغزو الأسواق العراقية بشكل يومي من خلال شركات أردنية تلعب دور الوسيط, تتولى استلام البضاعة الإسرائيلية, ثم تعيد تغليفها لتتمكن من تسويقها إلى العراق والبلدان العربية الأخرى, من دون الإشارة إلى أصل المنتج,(6) في الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الصادرات الزراعية الإسرائيلية إلى الأردن, وحصد فيها الجزر والمانجا الحصة الأكبر من بين الفواكه والخضار الإسرائيلية, وبلغت نحو (4664) طن. .(7)
يقول (جاك فيلر), أستاذ الاقتصاد في جامعة (بار أيلان) الإسرائيلية, مؤلف دليل الأعمال عن إسرائيل باللغة العربية: إن الصادرات الإسرائيلية إلى الدول العربية تتركز على ثلاثة تصنيفات زراعية, هي: المعدات الحقلية والمنتجات والمبيدات. .
وأضاف: إن المنشأ الإسرائيلي للبضائع يتم إخفاؤه عبر إجراءات وسياقات مدروسة بعناية, فمن الشهادات اللبنانية والأردنية المزيفة, إلى الأختام الكاذبة, مروراً بإزالة الكتابات العبرية عن المنتجات الموجهة إلى الأسواق العربية.(8)
المثير للسخرية إن رائحة (الشمام) الإسرائيلي هي التي فضحت عمليات التمويه في التسويق عبر المنافذ الأردنية البديلة المفتوحة على الأسواق الخليجية, وهي التي كشفت بعطورها الحقلية الفواحة مسلسل المؤامرات الغذائية التسويقية. .
ختاما نقول: لا علم لنا بإجراءات التبادل الزراعي مع البلدان المجاورة, ولا نمتلك المعدات والأجهزة التي تساعدنا في ضبط المنتجات الإسرائيلية المتدفقة إلى الأسواق العربية ومن ضمنها العراقية, لكننا نقول: أما آن الأوان أن نحارب إسرائيل بعقولنا فنتبنى البرامج الزراعية الذكية, ونستعين بالتقنيات الحديثة, ونذلل المصاعب التي يواجهها الفلاح العراقي ؟. .
أما آن الأوان أن نقتحم حلبة الإنتاج الزراعي, وننافس منتجاتهم المعروفة بجودتها العالية, فنسوق منتجاتنا إلى مدننا بأسعار زهيدة, من دون حاجة إلى الارتباط بمافيات المنتجات الزراعية البديلة, ومن دون حاجة إلى الاعتماد على الأسواق الوسيطة ؟. .
عندئذ لن تجد إسرائيل ولا غيرها أي موطأ قدم لتسويق بضاعتها إلى أسواقنا, لكننا وللأسف الشديد أصبحنا نستورد أردأ أنواع التمور من البلدان المتصحرة, في الوقت الذي قطعنا فيه أعناق أشجار النخيل, واقتلعناها بأيدينا من ضفاف شط العرب وبساتين البصرة والسماوة, حتى سكت وإلى الأبد ذلك الصوت الشجي, الذي كان يصدح بترنيمته الريفية الجميلة: ((نخل السماوة يقول طرتني سمرة)), فالشط مات والنخيل في ضفافه انتحر, اثنان غابا في العراق: الشمس والقمر. . .
والله يستر من الجايات
761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع