عدنان ابوزيد
رواتب موظّفي كردستان... ورقة بيدّ بغداد في حربها الاقتصاديّة على أربيل
قرار رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي في 19 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017 بتبنّي الحكومة الاتحاديّة الدفع المباشر لرواتب الموظّفين العموميّين في إقليم كردستان بالشمال العراقيّ، من دون وساطة الحكومة الإقليميّة، يعتبر تغييراً جوهريّاً في طبيعة العلاقة بين الحكومة الاتحاديّة والمواطن الكرديّ في الإقليم، فيما يُتوقع له أن يضرب في صميم اقتصاد الإقليم، ويقوّض سلطة أربيل لصالح الحكومة الاتحاديّة التي عليها إيصال الرواتب إلى الموظّفين هناك، من دون اعتراض سلطة أربيل عليها.
ولرواتب موظّفي إقليم كردستان تاريخ من الخلاف بين بغداد وأربيل، ذلك أنّ الجانبين يختلفان حتّى حول القيمة الحقيقيّة للرواتب، فبينما تقول بغداد إنّ ميزانيّة رواتب موظّفي إقليم كردستان تبلغ 460 مليار دينار، تقول حكومة الإقليم إنّها تدفع 650 ملیار دينار شهريّاً لموظّفي الحكومة، فيما تبلغ رواتب أفراد البيشمركة وقوّات الأمن (الأسايش) والشرطة 400 مليار دينار عراقيّ شهريّاً وفق مصادر حكومة الإقليم.
وإذ قال النائب جاسم محمّد جعفر، المقرّب من حيدر العبادي، الذي كان هو من أعلن للمرّة الأولى، عزم بغداد على الدفع المباشر لرواتب الإقليم، لـ"المونيتور": "إنّ رئيس الوزراء حيدر العبادي جادّ في المشروع، ومستمرّ به حتّى بعد إعلان حكومة الإقليم تجميد نتائج الاستفتاء في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017، لا سيّما أنّ حقول نفط كركوك أصبحت تحت سلطة بغداد"، كشف عن أن "نحو 10 من آبار النفط الواقعة في الإقليم يُنتظر أن تنضمّ عائداتها إلى الميزانيّة الاتحاديّة لإتمام المشروع"، متوقّعاً أن "يتمّ ذلك في الفترة المقبلة لأنّ الحكومة الاتحاديّة قرّرت أن يأخذ الإقليم استحقاقه الدستوريّ، سياسيّاً، وماليّاً، وإداريّاً".
وعن آليّة التنفيذ، أكّد جاسم محمّد جعفر أنّ "الوسيلة الفنيّة جاهزة لتوزيع الرواتب عبر نظام "كي كارد"، المعمول به الآن في العراق"، وقال: "بانتظار إرسال حكومة الإقليم قاعدة بيانات الموظّفين وأفراد البيشمركة، لكي يتمّ الإيعاز إلى نظام الكي كارد بتبنّي قواعد البيانات لموظّفي الإقليم والبيشمركة لكي يتسلّموا رواتبهم من مكاتب الشركة الموجودة في الإقليم وخارجه".
ونظام "كي كارد" هو نظام للدفع الإلكترونيّ، يتسلّم بموجبه الموظّف العراقيّ في بغداد وبقيّة المحافظات، الراتب بموجب بطاقة إلكترونيّة بعد إيداع راتبه شهريّاً في رصيده من قبل الحكومة، ليتمكّن من سحبه من مكاتب الصرف المنتشرة في العراق والبالغة نحو 200 مركز.
أمّا عضو اللجنة الماليّة البرلمانيّة ماجدة التميمي فأوضحت لـ"المونيتور" خطوات مهمّة لتفعيل الدفع المباشر لرواتب الإقليم، وقالت: "إنّ المشروع أصبح عمليّاً بعد أن أصبحت مصادر النفط تحت سلطة الحكومة الاتحاديّة، بحيث أنّ شركة سومو الوطنيّة هي التي تتحكّم في الإنتاج والواردات، الأمر الذي يتيح دفع رواتب الإقليم من بغداد من دون وساطة ماليّة من الإقليم".
وعن طريقة تطبيق الآليّة الجديدة التي أعلنها العبادي، قالت ماجدة التميمي: "إنّ لجنة رواتب الإقليم، وأنا عضو فيها، سوف تناقش مع وزارة الماليّة وسائل تطبيق المشروع الجديد، وتبحث تذليل الصعوبات في مشاكل صرف رواتب الإقليم. كما أنّ الخطّة الجديدة لا تحتاج إلى التصويت عليها في البرلمان، بعد أن أقرّها رئيس الوزراء".
وبدت التميمي واثقة من النجاح، إذ قالت: "أنا متيقّنة أنّ الحكومة الاتحاديّة تسعى إلى تأمين رواتب الإقليم، لأنّ موظّفي الإقليم هم موظّفون عراقيّون. كما أنّ البيشمركة جزء من منظومة الأمن والدفاع العراقيّة بموجب المادّة 121 من الدستور العراقيّ. وبالتّالي، إنّ صرف رواتبهم من بغداد توجبه القوانين المعمول بها".
وكانت حكومة إقليم كردستان قد أبرمت في نهاية عام 2014 اتفاقاً نفطيّاً مع الحكومة الاتحاديّة ينصّ على صرف مستحقّات الإقليم، مقابل تسليم الحكومة الاتحاديّة 550 ألف برميل من نفط كردستان ونفط كركوك يوميّاً، لكنّ الخلافات دفعت برئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى الإعلان في 17 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 عن أنّ هناك حصّة 17 في المئة من الميزانيّة للإقليم، وتمّ قطعها لعدم التزام حكومة إقليم كردستان بالاتفاقات النفطيّة.
وليس مشروع التسليم المباشر لرواتب الإقليم بجديد، فقد اقترح ذلك العبادي على كردستان في عام 2016 مقابل تسليم الإقليم إيرادات النفط إلى بغداد، الأمر الذي رفضته سلطات الإقليم وقتها، لكنّ هذا الشرط انتهى الآن تلقائيّاً بعد أن أصبحت حقول نفط كركوك بيدّ السلطة الاتحاديّة.
وفي حين أكّد النائب الكرديّ في البرلمان العراقيّ زانا سعيد لـ"المونيتور" أنّ "أزمة الرواتب هي أحد أوجه الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالإقليم قبل عمليّة كركوك التي بسط فيها الجيش العراقيّ سيطرته على المدينة"، قال: "إنّ الحقيقة الواضحة أن حكومة الإقليم فشلت في تأمين رواتب الموظّفين". وعزا ذلك إلى "الفساد لأنّ تصدير الإقليم مليون برميل يوميّاً كان يجب أن يجعله قادراً على توفير الرواتب والكثير من الحاجات الماليّة الأخرى".
وبغضّ النظر عن الآراء التي ترى أنّ الحكومة الاتحاديّة تشنّ حرباً اقتصاديّة على الإقليم، فإنّ مستشار مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية التابع لمستشارية الامن الوطني جاسم الموسوي تحدّث عن تأثيرات سياسيّة لإبعاد سلطات الإقليم عن إدارة رواتب الموظّفين، مشيراً في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ ذلك "سوف يجعل المواطن الكرديّ يشعر بأن بغداد هي عاصمته الاتحاديّة، وهي التي تتحكّم حتّى في تفاصيل حياته، فيما المتوقّع أن تستوعب سلطات الإقليم المشروع مضطرّة بسبب الأزمة الماليّة التي تمرّ بها".
ويبدو أنّ الأمور تتّجه لصالح تبنّي كلّ من بغداد وأربيل دفع رواتب موظّفي الإقليم، تحسّباً لتذمّر المواطن الكرديّ، الذي يعاني من صعوبات اقتصاديّة تتصاعد رويداً رويداً، مع عزم دول الجوار، إيران وتركيا، على قطع المنافذ الحدوديّة والتخطيط لتغيير أنبوب النفط المار بعيداً عن أراضي الإقليم.
1161 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع