علي الكاش
إستقالة سعد الحريري الهروب من الجوهر الى القشور
تعد قضية إستقالة الحريري وتقديمها عبر وسائل الإعلام من الرياض في مخالفة دستورية ربما بررها منطقيا بمسألة وجود مخطط لإغتياله من الأحداث الساخنة على الساحتين العربية والدولية سيما إنها تزامنت مع أحداث لا يمكن عزل الإستقالة عنها، ومنها مسألة إطلاق الحوثيين صاروخا بالستيا (الصاروخ رقم 76 والأول على الرياض) على العاصمة السعودية، وهو إيراني الصنع ركبه وأطلقه عناصر من حزب الله، لأن الحوثيين لا يمتلكون هذه التقنية الجديدة العالية، ويبدو أن حزب الله هو الذي زودهم بهذا الصاروخ كما أعلنت السعودية. كما انه خلال الأيام القلية القادمة سيعقد الإجتماع الوزاري للجامعة العربية على مستوى وزارء الخارجية وسوف تستثمر السعودية هذا الإجتماع لتوجيه الأنظار الى نشاطات حزب الله في المنطقة وتأكيد صفة الإرهاب وزعزعة الإستقرار في المنطقة سيما ان له خلايا وعناصر فاعلة في سوريا والعراق واليمن علاوة على خلايا في دول الخليج، وكانت آخر ما كشف عنه خلية العبدلي في الكويت وخلية البحرينـ وربما ستصدلا قرارات مهمة بهذا الشأن. من جهة أخرى إشتداد حدة النزاع بين الرياض وطهران، فالسعودية تعتبر الميليشيات الإيرانية الصنع في لبنان وسوريا والعراق واليمن العامل الأساس الذي يقوض الأمن والإستقرار في المنطقة. كما أن الصاروخ الذي حلق في سماء الرياض كان إيراني الصنع، وقد هددت السعودية بأن الرد سيكون حاسما في حالة تكرار الحدث، كما ان وزير الخارجية لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان هدد لبنان وإعتبرها ضالعه في الحرب ضد الرياض. وترى السعودية إنها أصبحت البوابة الشرقية للوطن العربي بعد أن بلع نظام الملالي العراق وصار ولاية إيرانية بإعتراف نظام الملالي نفسه، علاوة على تأزم الأوضاع في سوريا وإنعكاسها على الرياض والمنطقة العربية. ولا يغرب عن بالنا الأوضاع المتأزمة في لبنان بسبب إنفراد حزب الله بالسلطة بعد أن فرض مرشحه العماد ميشال عون على الرئاسة اللبنانية التي بقيت شاغرة لما يقارب عامين بسبب إصرار حزب الله أن يكون مرشحه الوحيد للرئاسة العماد عون وليس غيره، وهذا الأمر جعل الزعيم المسيحي رهينة الزعيم الشيعي. مثلما إنفرد التحالف الشيعي في العراق بالحكم مع وزراء من أهل السنة لا قيمة لهم على أرض الواقع، بل هم من سنة المالكي كما يطلق عليهم.
وسائل الإعلام التي تناولت الحدث سيما ذات الولاء الإيراني كانت في قمة الغباء والإستهتار بالرأي العام، فهي لم تأخذ بجدية اللقاء المفتوح والمباشر الذي عقدته السيدة بولا يعقوبيان مع الرئيس الحريري ووضع فيه النقاط على الحروف، بل تناولت مواضيع لا علاقة لها البتة بإستقالة الرئيس الحريري ومن المؤسف أن ينساق إعلاميون معرفون مثل طوني خليفه والإعلامية ديما صادق وغيرهم مع هذه السفاهات الإعلامية، فلم يتطرق أي منهم خلال برنامجه الذي إمتد حوالي الساعة في لقائه مع الإعلامية المعروفة بولا يعقوبيان ونديم قطميش عن الأسباب التي تقف وراء إستقالة سعد الحريري، بل تطرقوا الى أمور تافهة لا معنى له، كما أنه أخذ الجانب السلبي من تعليقات القراء وتغريداتهم حول وضع الحريري الشخصي لا مسوغ لها.
لقد تحدثت وسائل الإعلام عن مواضيع هامشية لتغيير بوصلة الحدث، وجرت المواطن العربي الى متاهات لا علاقة لها بالإستقالة تماما. بمعنى إنها إستغفلت المواطن العربي وإستهزأت بعقله، فما شأن المواطن العربي بأظافر الرئيس سعد الحريري طالت أم قصرت؟ وما شأنه بساعة الرئيس الحريري لبسها أو خلعها؟ او الشبح الذي حاول ان يقدم له ورقة ما؟ وما شأنه بطلب الرئيس الماء وإحتسائه عدم مرات؟ وما شأنه بشرشف المنضدة التي إجتمع فيها الرئيس مع بولا؟ وما علاقة المواطن بأثاث الرئيس وترتيبه وجناح الإستقبال، وصورة الاب رفيق الحريري معلقة أو مرفوعة؟ ما شأن الجمهور بتغيير ربطة عنق الرئيس الحريري وبدلته الكحلية غَيرها أم لم يغيرها؟ أو علامات التعب البادية على وجه الرئيس؟
حسنا! هل الغريب أن تبدو علامات الجهد والإرهاق على وجه الحريري، أم أن لا تبدو عليه؟ أي منطق إعلامي هذا؟
في تغطية إستقالة الحريري كان الإعلام العربي قد كشف عن عورته وتبين أن لا يساير الحقيقة بل أنه يساير من يدفع له، فسقط رجاله في عيون الرأي العام الذي كان يتطلع الى معرفة الأسباب الحقيقة التي تقف وراء إستقالة الرئيس اللبناني، وليس أظافره وأثاث بيته وغيرها من الترهات. ولم نسمع تحليلات مفيدة إلا من الزعيم اللبناني سمير جعجع الذي وضح بصراحة منقطة النظير ما خفي على المشاهد العربي، والمحلل السياسي المصري عماد أديب والإعلامي المعروف نديم قطيش.
على الرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن الرئيس الحريري ليس تحت الإقامة الجبرية في الرياض وهذا ما شهدته الإعلامية بولا يعقوبيان بنفسها، وانه حر في الإنتقال وسافر الى الإمارات العربية المتحدة والتقى بسماحة البطريك الماروني (مار بشارة بطرس) وغيره من المسؤولين، لكن الإعلام بقي مشككا في حرية الرئيس الحريري، ومما زاد الطين بلة أن الرئيس عون كان يدور في فلك حزب الله مؤكدا من خلال مصادره الخاصة ـ ربما حزب الله ـ بأن الرئيس الحريري تحت الإقامة الجبرية، وهذا ما أعلنه في لقائه الأخير مع ؤرساء إعلام لينتا في 16 من الشهر الجاري وأضاف هذه المرة أن أسرة الحريري التي تعيش أصلا في الرياض محتجزة معه، وهو نفس ما طرحه حزب الله، وصَعَدَ الرئيس عون لهجته ـ متجاهلا ان دولته مجهرية أزاء محيطها الجغرافي ـ بأنه سيلجأ الى الأمم المتحدة والدول الكبرى لحل موضوع الإقامة الجبرية للحريري وعودته الى لبنان مع أسرته. أن التغريد الرئاسي من داخل قفص حزب الله سيعمق الأزمة اللبنانية ولا يحلٌها، كما ان الرئيس عون كما يفترض هو زعيم الشعب اللبناني كله وليس الناطق بإسم حزب الله فقط، على الرغم من جميل حزب الله عليه، الذي حقق مطمعه في الرئاسة. كان بإمكان الرئيس عون أن يرسل قريبه ومحط ثقته وزير الخارجية اللبناني (جبران باسيل) الى الرياض والتحقق من الأمر دون الحاجة إلى أعمال الكهانة، ولكنه كما ذكرنا أسير حزب الله ولا يستطيع ان يخرج عن طوقه الذي يشكل حرجا كما يفترض للرئيس عون إذا لم نقل إهانة بالغة. كما أن نقل الخلاف بينه وبين سماحة الراعي الماروني الى الساحة السياسية سيزيد الطن بلة.
الرئيس الحريري أشار الى هناك مخطط لإغتياله كما جرى مع أبيه رفيق الحريري، ولحزب الله باع طويل في الإغتيالات السياسية ملامحه في لبنان وخارجها، كما أن منصب الحريري تحول الى منصب تشريفي بسبب سلوكيات حزب الله، إنصب إهتمامه على سد ثغرات حزب الله، وترقيع نشاطاته الإرهابية وتدخلاته في شؤون الدول الأخرى. وهذه مجموعه من المسائل التي تحتاج الى وقفة والتي تجاهلها الإعلام الموالي لإيران وأذرعها في المنطقة.
من المعروف ان الحكومة اللبنانية تشكلت كحكومة تسوية 2016 وفق مبدأ الشراكة، وترك مواضيع الخلاف جانبا، وكان الحريري متمسكا بسياسة النأي عن النفس التي كررها (25) مرة خلال لقائه مع الإعلامية بولا، فلبنان دولة صغيرة وضعيفة ولها مشاكل داخلية كثيرة، ويفترض ان لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتبتعد عن سياسة المحاور، سيما المحور الذي يبعدها عن العرب ويسحبها الى بساط ولاية الفقيه، فالمنطقة العربية تغلي على صفيح ساخن، ولبنان غير قادرة على دفع فاتورة الغير من حسابها. وهذه بعض النقاط المهمة التي تحدث عنها الزعيم جعجع:ـ
1. قام حزب الله بإستعراض عسكري في منطقة القصير دون الرجوع الى الحكومة اللبنانية، وكانت بعض الدبابات والمدرعات والمدافع الحديثة امريكية الصنع مما أثارة دهشة المراقبين السياسين بما فيهم الأمريكان أنفسهم، وتم التغطية على الحدث لغاية في قلب يعقوب.
2. في نيسان 2017 قام حزب الله بدعوة وسائل الإعلام العربية والأجنبية بزيارة المنطقة الجنوبية من لبنان دون الرجوع الى الحكومة، مخترقا القرار الأممي (1901)، مما وضع الرئيس الحريري في مأزق شديد، ولكنه عالجه بذكاء عندما قام بزيارة الى نفس الموقع وأكد إلتزام لبنان بالقرارات الدولية، دون ان يتطرق الى إختراق حزب الله للقانون الدولي.
3. في حزيران 2017 أعلن حسن نصر الله بأن لبنان سيفتح حدوده أمام عشرات الآلاف من العرب المجاهدين والمسلمين دون الرجوع الى الحكومة المركزية، مع أن لبنان غير قادر وفق إمكاناته الضيقة من إستضافة عشرات الآلاف من المجاهدين! ولا نعرف اين سيجاهدوا طالما هناك إتفاق سلام مع الكيان الصهيوني، ووجود قوات أممية تفصل بين القوتين، فهذا يعني إنهم سيجاهدوا مع جزار دمشق وضد الشعب السوري حتما.
4. في شهر آب عام 2017 قام وزراء حزب الله بزيارات الى دمشق تحت ذرائع متعددة دون إستحصال موافقة الرئيس اللبناني، بل أنه تفاجأ بوجودهم في دمشق كما جرى في معرض دمشق الدولي للكتاب، هذا تحدي كبير وإهانة لا تغتفر لرئيس الوزراء. مع ان الرئيس الحريري سبق أن نبه الوزراء بأن موضوع التطبيع مع نظام الأسد وتبادل الزيارات موضوع خلافي ورفض مناقشته في إجتماع مجلس الوزراء.
5. في مسألة خلية العبدلي الإرهابية في الكويت والتي تبين ضلوع حزب الله فيها، قام السفير الكويتي في لبنات بتسليم وزارة الخارجية اللبنانية ملفا قضائيا كاملا حول قضية العبدلي مع صور وأفلام ووثائق تدين حزب الله وتكشف ضلوعه في العملية الإرهابية، وقد رفض الحزب التعاون مع الحكومة بشأن الموضوع، مما إضطر الرئيس الحريري ان يسافر بنفسه الى الكويت لحل الموضوع وكان موقف الحريري محرجا للغاية لأن الوثائق كانت دامغة ضد حزب الله، وهو لا يقدر أن يفعل شيئا، ولكنه إلتمس من الكويت عدم رفع الملف القضائي إلى الهيئات الدولية، فإستجابت حكومة الكويت لطلبه على مضض.
5. في آب من العام نفس جرت معركة بين الجيش اللبناني وداعش، وإذا بحسن نصر الله يحشر نفسه في المعركة ويجيرها لحزبه، والأنكى منه أنه تفاوض مع داعش وسير قافلاته الى الحدود العراقية السورية دون الرجوع الى الحكومة اللبنانية أو قيادة الجيش التي قادت المعركة ضد داعش، ولم يكن لحزب الله أي دور فيها. وقال الزعيم سمير جعجع، ان الرئيس الحريري كان محرجا للغاية أثر هذا الإتفاق النصراوي ـ الداعشي، ولكنه مداراة لحرجه قال بأن له علم بالموضوع، وهذا غير صحيح، لكن لم يكن باليد حيلة!
6. في تشرين الأول 2017 صرح الرئيس الإيراني تصريحا صفع وجوه أربعة رؤساء عرب صفعة شديدة، بقوله بأن لا يمكن أن يتخذ قرار في سوريا والعراق ولبنان واليمن دون الرجوع الى موافقة طهران، فأي رئيس له كرامة يمكن أن يتقبل هذه الإهانة؟ هذا إعتراف إيراني صريح بأن هذه الدول لا يجوز لها مطلقا أن تدعي السيادة الوطنية، علما أنه لم يجرأ اي من زعماء هذه الدول على إستنكار التصريح الخائب، فخيبوا آمال شعوبهم بهم.
7. توجد جالية لبنانية كبيرة في دول الخليج العربي منها حوالي (300000) لبناني يعملون في كافة القطاعات بالمملكة العربية السعودية، ويعتبرون مصدرا مهما للعملات الأجنبية، حيث يحولون ما يقارب (3ـ 4) مليار دولارا سنويا الى بيروت، وهم يشكلون ورقة ضغط كبيرة على حكومة الحريري. والرئيس الحريري مسؤول على اللبنانيين داخل وخارج لبنان، وهو لا يرغب بتحمل مسؤولية إضطرار السعودية الى إبعاد اللبنانيين عن أراضيها في خطوة قد تجدها ضرورية للضغط على حزب الله، وهذا ما لم يحسب له حزب الله أي حساب.
8. قبل أن يطفح كيل السعودية من تجاوزات إيران وأذرعتها الإرهابية في المنطقة، كان زعيم حزب الله يهاجم بمناسبة أو بدونها السعودية ويعتبرها راعية للإرهاب، مع ان ذراعه العسكري مصنف إرهابيا من قبل الشرعية الدولية، وأن مركز مكافحة الإرهاب الدولي مقره السعودية، وان المملكة بعد العراق وسوريا كانت الأكثر تضررا من النشاطات الإرهابية للقاعدة وخلفه داعش، وأن حبر خلية العبدلي الإرهابية لم يجف بعد. وهذا الأمر بالتأكيد يُحرج رئيس الوزراء، فهو غير قادر على لوي ذراع حسن نصر الله، والأخير لا يستطيع الخروج من تحت عباءة وليه الخامنئي، وهو بكل صراحة لا يحترم الحكومة اللبنانية كما أثبتت تصرفاته، ويحملها تبعات تهوره، وهذا هو التفسير الوحيد لهجوماته المتكررة على السعودية. بل وصلت به الوقاحة به لتسمية الوزير السعودي لشؤون دول الخليج العربي بالزعطوط!
إستقالة الحريري لم تكن مفاجأة، ولكن ربما توقيتها هو المفاجأة، لذا لابد من الأخذ بنظر الإعتبار الأسباب الجوهرية للإستقالة وليس القشور التي رافقتها والتي ركزت عليها وسائل الإعلام. الأزمة اللبنانية سبقت إستقالة الحريري منذ أن إنحرف حزب الله عن ( سياسة النأي بالنفس)، وليست هي التي أسست لها.
وجائت زيارة الرئيس الحريري لفرنسا لتضح حدا لكافة التصريحات التي أدلى بها الرئيس اللبناني ووزير خارجيته وحزب الله والإعلام الموالي لدول الفقيه، ولتفضح كل الأشاعات التي أطلقتها أبواق أيران في المنطقة بشأن إحتجاز الرئيس وعائلته في الرياض. إستقالة الحريري سواء تمت أو تراجع عنها كانت فضيحة كبرى للرئاسة اللبنانية والإعلام العربي.
علي الكاش
4087 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع