ترجمة : ضرغام الدباغ
السهم المكسور
القنابل الامريكية المفقودة
مقدمة :
هذه ترجمة لموضوعة خطيرة، بل في غاية الخطورة وتحمل مدلولات كثيرة واستنتاجات أكثر. وابتداء فليس من المعروف على نطاق واسع هذا العدد الكبير من القنابل المفقودة، ففي كتاب قرأته قبل نحو ثلاثين عاماً (أواخر السبعينات) لكبير المفاوضين السوفيت لمحادثات نزع السلاح السوفيتية / الأمريكية، تحدث عن أربعة قنابل ذرية، إحداها في البحر قبالة السواحل اليونانية، وأخرى في البحر المتوسط قبالة السواحل الأسبانية، وأخرى سقطت وكانت على متن طائرة أمريكية تقوم بدورية نووية من قواعد أمريكية في أسبانيا أيضاً أمكن تخليصها. وأخرى سقطت غي منطقة غرينلاند القطبية الشمالية. ولكن هنا المقال يدور عدد كبير من القنابل المفقودة، ومن هنا يكتسب الموضوع أهمية خاصة.
وتكرر حوادث فقدان القنابل الذرية، وما يشابهها من حوادث تدل على تهاون يبلغ حد الاستهتار بأمن هذه الأسلحة المبيدة للبشر، من تلك على سبيل المثال ما حدث قبل أيام فقط(كانون الأول ــ ديسمبر / 2017)، حيث وجد عدد من الجنود لبحارة على متن سفينة حربية بريطانية تحمل أسلحة نووية في حالة سكر شديد وتناول لمخدرات، وحادثة أخرى كشفها السوفيت، أن غواصة أمريكية محملة بصواريخ بولاريس ذات الرأس النووي، تلقت برقية مشفرة من قيادتها بإطلاق الصواريخ النووية على أهدافها المحملة عليها ولا تحتاج سوى للمسة زر، وبينما يستعد طاقم الغواصة بإجراءات تنفيذ الأمر، اكتشفت القيادة التي أرسلت البرقية، أنها ارتكبت خطئاً فادحاً..... وأي خطأ..! فأسرعت لتصحيح البرقية، ولم تكن هناك سوى ثوان تفصل عن شتاء نووي، وكارثة عالمية مجهولة الأبعاد.
ماذا تدل هذه الحوادث المتكررة..؟
ابتداء نقول أنها تدل على استهتار بالعناصر التي تنقل هذه القنابل من مكان إلى آخر، وعبث بأسلحة خطيرة ذات طابع الإبادة للجنس البشري، سواء بالتفجير، أو بتسرب الإشعاعات منها، حتى بعد سنوات طويلة، ثم في تلقي الرد النووي المؤكد، يجعل من العالم حلبة لصراعات نووية سوف لن تقتصر آثارها على المتبادلين للقصف النووي، فالحرب النووية ليس فيها لاعبين ومتفرجين، فالكارثة شاملة لن توفر أحداً.
ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة التي تروج لسياسة منع انتشار الأسلحة النووية، ذلك ليس من قبيل الحرص على أمن وسلامة البشرية، ولكن انتهاجاً لسياسة احتكار السلاح النووي، وممارسة سياسة الهيمنة والابتزاز والتهديد، فالولايات المتحدة سعت وقامت بحروب عدوانية مخالفة للقانون الدولي، استخدمت فيها أسلحة محظور استخدامها، كالغازات السامة ضد البشر والنباتات والغابات في الفيثنام، واليورانيوم المنضب في العراق، وترفض في الوقت نفسه قبول مبدأ شمول أفراد قواتها المسلحة للقانون الدولي لتبقى يدها طليقة تمارس الجرائم الدولية استناداً لسياسة القوة.
بيد أن وعي الشعوب والأمم من جهة، والممارسات السياسية العدوانية التي لا تحترم سيادة الدول، من جهة أخرى، ستؤدي بهذه السياسة إلى الإدانة الشاملة، وإلى الفشل في نهاية المطاف، وما كشفت عنه التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، من هزيمة لسمعة الولايات المتحدة وهيبتها واحترامها، نعم هي لديها كل أسباب القوة، ولكنها لا تملك احترام الشعوب، ولا يحمي كبار مسؤوليها من قفص الاتهام سوى قوتها العسكرية الغاشمة. وصلفها الإمبريالي. إذ لم بصوت معها (رغم التهديد العلني) في قرار عدواني (بحق مدينة القدس المحتلة) المخالف للقانون الدولي سوى تسعة أشخاص من دول صغيرة جداً ولا يتجاوز المجموع الكلي لسكان 4 من الدول التسع التي صوتت ضد فلسطين هو 192 ألفا يعني هؤلاء مجتمعون أقل من عدد سكان مخيم واحد للفلسطينيين، هو مخيم اليرموك في دمشق. وهو خير دليل أيضاً أن هذه القوة العظمى لا تحوز على احترام المجتمع الدولي.
وبعد هذا الصلف في الاستهتار بالقوانين الدولية وبالسلم العالمي، تمارس الولايات المتحدة العدوان بحجج كاذبة، عن أسلحة الدمار الشامل. وهذا البحث هو قيمة مضافة للوعي القانوني والسياسي، في الثقافة العربية
المترجم
(الصورة : قنابل نووية من طراز 22B lمحملة على طائرة )
السهم المكسور : القنابل الأمريكية السبعة عشر المفقودة على الأقل
ترجمة: ضرغام الدباغ
تحرير : جون آلتهاوس (John Althaus) نشرت بتاريخ 8/ تشرين الثاني / 2016
موقع التاريخ العالمي (N 24)
الطائرتان من طراز (B52) اللتان سقطتا عام 1966 في أسبانيا، وفي عام 1968 في غرينلاند.
المصدر : فيكي ميديا / سلاح الطيران الأمريكي
Wikimedia / US Air Force / Public Domian
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
القنبلة الذرية التي أكتشف وجودها مؤخراً أمام السواحل الكندية، ليست الحالة الوحيدة. ففي الولايات المتحد فقط تقدر الحالات المماثلة التي وقعت بنحو 700 حادثة، وكم من الأسلحة النووية فقدت في الدول الأخرى، لا يعرف عنها شيئاً.
وهذه القنبلة التي كانت بطول 4 أمتار تراءت للغواص سين سميرشينسكي التي وجدت راقدة في البحر أمام ساحل كولومبيا البريطانية، وهو يتحدث كثيراً عن ذلك، أنها بقايا قنبلة ذرية فقدت قبل 66 عاماً، وكانت في ذلك الوقت قنبلة تسلسل الصنع (Mark 4 ).
وقائمة الحوادث بأسلحة كهذه طويلة. الولايات المتحدة قد فقدت ما لا يقل عن 8 قنابل جاهزة للاستخدام والتفجير، وعدا ذلك 9 قنابل أخرى، لم تكن محملة بالبلوتونيوم الانشطاري، ولكن العناصر المشعة الأخرى (معظمها من اليورانيوم المنضب). ولمثل هذه الحوادث التي انتشرت في العالم ومنحت تسمية " السهم المكسور ". في الولايات المتحدة كان هذا الاسم الرمزي (الكودي) مترافقاً ويعني كل حادث يحصل لسلاح نووي من كافة الأنواع.
إلا أن الأرقام والمعطيات المتوفرة مختلفة بشكل كبير، وهناك تعريفات مختلفة جداً عن السلاح النووي، سلاح نووي خال من البلوتونيوم، التي لا تضم أو لا تؤدي مطلقاً إلى سلسلة من التفاعلات، هل يمكن اعتبارها سلاحاً نووياً ..؟ ماذا عن السلاح المشحونة نووياً أو غير ذلك، التي ثبت أنها دمرت عندما تتحطم الطائرة التي تنقلها، هل تفقد المواد المشعة قابليتها بفعل تقنيات متقدمة ولا يحدث الإنشطار النووي، ترى هل هذا ما حدث ؟.
وفيما عدا ذلك هناك بعض الأرقام المؤكدة، تملكها الولايات المتحدة عن القوة النووية السوفيتية، وفي الغالب عن حوادث الغواصات النووية، أما أعداد الطائرات التي فقدت وهي تحمل الأسلحة النووية وفقدت، هي غير معروفة مطلقاً.
والتقديرات بخصوص الحوادث التي وقعت للأسلحة النووية في الولايات المتحدة فقط، تبلغ نحو 700 حادثة، أصيب فيها نحو 1250 سلاحاً نووياً، وهذه الإحصائية تشمل، الأسلحة الغير معبأة(الجاهزة للاستخدام)، خالية من الذرة البلوتونية، وكذلك الأحداث التي وقعت في مصانع الأسلحة الذرية.
في العقد والنصف الأول (15 عاماً) كانت الأسلحة النووية الأمريكية مصنعة دائماً بطريقة يمكن إعادة بناء وتطوير البلوتونيوم بسهولة. وبالتالي كان مخاطر حدوث تفجير نووي غير إرادي (صدفة أو بسبب خطأ بشري أو تكنيكي) منخفضة. أما في حالة سقوط طائرة ناقلة للسلاح النووي، فإن ذرات البلوتونيوم لا يمكن أن تقسم بالإطلاق المدمر للطاقة فحسب، ولكنها في حالة خطر مميت من جراء انبعاث جرعات مميتة من الإشعاع. بالإضافة إلى وجود بضعة ميكروغرامات شديدة السمية.
وكانت الحادثة الأولى التي عرفت والتي فقد فيها سلاح نووي، تلك التي جرت بسقوط قاذفة قنابل استراتيجية من طراز (B 52) في 13 / شباط ــ فبراير / 1950 قبالة السواحل الغربية لكندا، والقنبلة التي لم تكن مشحونة انفجرت المواد المتفجرة التقليدية على أثرها عند السقوط، وبقاياها هي تلك التي وجدها الغواص سين سميرشينسكي كما جاء في مقدمة التقرير / البحث.
وفي سنة 1950 لوحدها جرت أربع حوادث مماثلة، واحدة منها غرقت في تيار مجال نهر سانت لورانس في الولايات المتحدة / كندا (Sankt - Lorenz) وأحدثت تلوثاً باليورانيوم، والثانية عندما سقطت قاذفة نفاثة من طراز (B 47) عام 1956 في البحر الأبيض المتوسط. لم تكن هناك قنبلة ذرية على متنها، ولكن كانت تحمل ذرتان بلوتونيوم، والتي لم يعثر عليهما مطلقاً.
وبعد وقوع عدة حوادث اخرى، وقعت للمرة الأولى حادثة بقنبلة ذرية أمريكية ذات شحنة تامة تحمل رأسأ متفجراً بتاريخ 31 / كانون الثاني ــ يناير / 1958 سقطت في شمال أفريقيا على الأراضي المغربية، عندما سقطت وتحطمت طائرة للسلاح الجوي الأمريكي من طراز (B47) واحترقت بالكامل، وكانت القنبلة (Mark 7)، غير أنها لم تترك إشعاعاً في بيئتها.(1)
وبعد مرور خمسة أيام فقط، أضطر طاقم طائرة قاصفة من طراز (B47) للقفز ومغادرة الطائرة بعد أصطدام طائرتهم في الجو مع مقاتلة أمريكية، وكانت القنبلة سائلة من طراز (Mark 7)، على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية بالقرب من مدينة سافانا (Savannah)، ولم يعثر على القنبلة الكبيرة الحجم حتى اليوم. وبينما صرحت مصادر سلاح الجو الأمريكي أن القنبلة لم تكن تحتوي على ذرة نووية، صرح قائد الطائرة بعكس ذلك ..!
(الصورة : عام 1966 سقطت قنبلة هيدروجينية على ساحل جنوب اسبانيا قرب قرية بالوماريس ولوثت بالموادد النووية مساحة قدرها 180 هيكتار من الحقول )
وبعد البحوث التي قام بها الصحفي أريك شلوسر (Eric Schlosser)، في 24 / كانون الثاني ــ يناير / 1961 حالت محطة واحدة فقط من حدوث انفجار نووي شمال نورث كارولينا في الولايات المتحدة (North Carolina)على كل حال كانت بحوث شلوسر مثيرة للجدل ولدى نشرها أثارت النقد من لدن ناقدين ومن خبراء عسكريين مستقلين بوصفها بحث مثير.
وبعد عدة حوادث أخرى مع قنابل غير مشحونة ذرياً، حدث في عام 1962 المزيد من هذه الحوادث كانت أقرب ما تكون إلى الكوارث: من جزر جونستن المرجانية (Johnnston - Atoll) في غربي الباسفيك التي ينبغي أن تنفجر في ارتفاعات شاهقة.
وفي المحاولة الأولى التي جرت في 4 / تموز ــ يولية، سقط الرأس المتفجر في البحر، ولم يعثر عليه مطلقاً، وفي المحاولة الثانية التي جرت يوم 20 / حزيران ـ يونية، أنفجرت الشحنة على ارتفاع 10 كيلومترات ولوثت أجزاء من الجزيرة المرجانية. أما التجربة الثالثة بتاريخ 9 / تموز كما كان قد خطط لها، فخلال 17 يوماً أنفجر الصاروخ على منصة الإطلاق وتناثرت المواد النووية على مساحة عدة كيلومترات.
وتلا ذلك في تشرين الأول ــ أكتوبر، وتشرين الثاني ـ نوفمبر جرت عملية إطلاق أخرى، وكذلك أربع عمليات إطلاق ناجحة، وتفجيرات تحققت بأرتفاعات تتراوح بين 21 و 147 كيلو متر.
وأيضاً كان لدى القوات البحرية الأمريكية مشاكلها المتكررة مع أسلحتها الذرية. ففي 5 كانون الأول ــ ديسمبر / 1965 أنزلقت قاذفة / مقاتلة / قاذفة للقنابل من على سطح حاملة الطائرات الأمريكية تيكونديروغا (Ticonderoga) التي كانت تبحر بين تايوان (الصين الوطنية) واليابان، وغرقت على عمق 4900 متر، ولم يعثر لها على أثر.
وعند غرق الغواصة الأمريكية سكوربيون (USS Scorpion) عام 1968 في حادث غرق لم يكشف عن تفاصيله، قرب غرق معها صاروخين طوربيدين نوويين (Atom Torpedos) على عمق 3380 متر جنوب غرب جزر الآزور، ولم يعثر عليهما.
على أن أكثر حالات وحوادث فقدان القنابل النووية (يرمز لها بالسهم المكسورــ Broken Arrow) تمثل بسقوط طائرة (B 52) عام 1966 التي كانت تحمل كان على متنها 4 قنابل هيدروجينية وكانت تحلق فوق جنوب شرق أسبانيا، ولكن تم العثور عليها فيما بعد.
وكانت ثلاثة من القنابل قد سقطت في المنطقة الساحلية، وواحدة في مياه البحر المتوسط، في إثنتان منهما انفجر الرأس التقليدي ومن خلال ذلك تلوثت منطقة مساحتها 180 هيكتار من الحقول.
وقام الجيش الأمريكي بإزالة الطبقات العليا من التربة على نفقة الولايات المتحدة، وتم التخلص منها، والقنبلة الثالثة التي سقطت على الأرض كانت مصابة بشدة، والقنبلة الرابعة انتشلت من قعر البحر على عمق 870 متراً سليمة تقريباً، (مصابة بأضرار طفيفة).
ومن غير الواضح ما إذا كانت قنبلة واحدة قد فقدت عند سقوط طائرة السلاح الجوي الأمريكي (B 52) القريبة من القاعدة الجوية ثولا (Thule) في منطقة غرينلاند (Grönland) في 21 / كانون الثاني ــ يناير / 1968 . والفقدان غير مؤكد. ولكن تم العثور على بقايا ما لا يقل عن ثلاث قنابل هيدروجينية. وبحسب المعطيات الرسمية بقايا أربعة قنابل.
هذه الأحداث والشكوك التي تحوم حولها، تشدد من موقف معارضي الأسلحة النووية، فإن كمية البلوتونيوم مع الشحنة هي نفس الكمية اللازمة لأربع قنابل، وأكثر من بلوتونيوم ثلاث قنابل، وهناك دانمركيون (غرينلاند تابعة للدانمرك) يطالبون بإجراء تحقيقات دقيقة.
ومنذ عام 1968 وبحسب المعطيات الرسمية، لم تفقد الولايات المتحدة أي قطعة سلاح نووية وكان الأمريكيون يمتلكون في ذلك الوقت حوالي 32.000 ألف رأس متفجر نووي، واليوم تمتلك الولايات المتحدة نحو 5000 رأس نووي . (2)
وبما أن منطقة جنوب شرق آسيا لم تشهد عمليات بحث عن القنابل المفقودة، كتلك التي حدثت في أسبانيا عام 1966، وهناك الكثير من الآراء أن هذه التقارير لا يتوافر فيها الحوادث المماثلة التي حدثت في دول أخرى مالكة للأسلحة النووية.
(الصورة : القنابل النووية الأربع التي سقطت في جنوب اسبانيا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1. من الغريب أن لا تترك هذه القنبلة آثارها، والحادثة كلها غير معروفة. والبحث لا يذكر تفاصيل عنه.
2. جرى تخفيض الرؤوس النووية بعد محادثات الحد من الأسلحة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط بسبب خفض التوتر، بل وأن إدامة الرؤوس النووية مكلفة مالياً. ودقيقة فنياً.
815 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع