الأستاذ المساعد الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص تاريخ قديم
استغل ملك بابل الفوضى في آشور، فدفعت بابل الثمن الباهظ فيما بعد
مسلة شمشي-ادد الخامس الملك الاشوري، عثر عليها في معبد الإله نابو في نمرود (كالخو القديمة)، ويظهر في المسلة صورة الملك وهو يتعبد أمام الآلهة، ويوجد في الجزء العلوي من الصدر نقش الصليب الكبير وهي علامة على إله الشمس، وتبدو ملابسه وحياته أنه أصبح ملكا على بابل عام(814) ق.م بعد هزيمة مردوخ-بلاصو-إقبي ملك بابل. وتصف النصوص المسمارية أنشطته العسكرية حتى عام(814) ق.م، وتكشف عن عظمة وسلطة ملك الإمبراطورية الآشورية.
ان معرفة الاحداث التاريخية ضرورية لإدارة الدولة، مثل شخص يرغب ان يقود دراجة لابد له من التدريب حتى يقود الدراجة ويتجنب السقوط، ومن يريد السباحة عليه ان يتعلم كيفية السباحة حتى لا يغرق، ومعرفة التاريخ والعلاقات الدولية ضرورة للتفاهم بين الدول واتخاذ القرار الملائم والصائب في نفس الوقت، وكان أغلب ملوك بلاد الشرق الأدنى القديم رجال أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ولذا وجد في قصورهم كتبة ليدهم كم هائل من المعلومات استقوها من مكتباتهم الشخصية أو من أرشيف خاص بالقصر كما في سبار ونينوى، فيكتبون ما يريد الملك ويدخلون معارفهم على الرقم الطينية وترسل الرسائل إلى جهات حددها الملك بعد وضع الختم الملكي عليها.
ما اريد قوله الاحداث التي وقعت في عهد مردوخ-زاكر-شومي الأول ملك بابل (Marduk-zākir-šumi) (855-824) ق.م، معنى اسمه (اعطى الإله مردوخ اسم الوريث) حكم (27) عاما تقريبا، ورث عن ابيه حلف مع آشور واثبت هذا الحلف أهميته في السنوات الأولى من حكمه، عندما ثار أخية مردوخ-بيل-اوساته (Marduk-bel-usate)، وجد التأييد في مناطق نابعة لبابل ومنطقة ديالى والقبائل القريبة من الخليج العربي، ولم يكن مردوخ-زاكر-شومي قادرا على التعامل مع الانتفاضة بنفسه، فاستنجد بحليف والده القديم شلمانصر الثالث (شلمان-أشرد) (Šulmānu-ašarēd) معنى اسمه (الإله شلمانو في المقدمة) ملك آشور عام (851) ق.م، فاستجاب الملك الاشوري على الفور فقاد جيشا نحو الجنوب في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون وبعد سلسلة معارك حاصر المتمرد مرودوخ-بيل-اوساته في مدينة ڱاناناتي (Gán-na-te) (على ضفاف نهر ديالى) فنهار زعيم المتمردين هاربا واختفى من مسرح الاحداث (ربما قتل فيما بعد)، وعادت الأوضاع الطبيعية تحت سيطرة حكومة مردوخ-زاكر-شومي ملك بابل، وزار الملك الاشوري مدن كوثه (Cutha)، وبابل، وبورسيبا وقدم القرابين للآلهة والهدايا السخية للمواطنين والولائم المترفة وقدم أيضا هدايا على شكل ملابس ذات الألوان الزاهية للجميع، وواصل حملته نحو اقصى الجنوب حيث القبائل الكلدية المتمردة واخضعهم جميعا.
كان الحدث الكبير في عهد مردوخ-زاكر-شومي الأول هي الثورة الاشورية الواسعة الانتشار والتي اندلعت عام (827) ق.م واستمرت حتى عام (822) ق.م وهي السنوات الأخيرة من عمر الملك العجوز شلمانصر الثالث اندلعت الثورة في (27) مدينة مثل نينوى ، وآشور، واربيل، وارابخا... الخ قاد حركة التمرد آشور-دان-ابلي ابن شلمانصر الثالث، بينما وقف إلى جانب الملك العجوز ولده شمشي-ادد الخامس(Shamshi Adad) (823-811) ق.م الذي لم يذكر وجود أي مساعدة بابلية في اخماد التمرد على الرغم من استمرار المعاهدة بينهما مما جعل آشور الحليف الأقل شاننا من بابل، يظهر أن شلمانصر الثالث كان رؤوف مع مردوخ-زاكر-شومي الأول فقدم له المساعدة عندما تمرد أخيه مردوخ-بيل-اوساته، ولكن مردوخ-زاكر-شومي لا تبدو عليه الشفقة والرأفة اتجاه شمشي-أدد الخامس، ولدينا جزء من نص المعاهدة التي عقدت بين شمشي-ادد الخامس ومردوخ-زاكر-شومي:
(يجب على شمشي-أدد ألا يقول (...) كلمات سيئة عن مردوخ-ريماني rimanni [... ل] الملك، (بمعنى): "القتل، والأعماء، أو الاستيلاء على" ولا يجوز الملك مردوخ-زاكر-شومي الاستماع له (ينبغي يقول مثل هذه الأشياء). [قال لا يجوز .....] وسلم، [ولا ..] نشير العين، اصبع القدم أو إصبع [... ولا] .. [.... له ...] وبلاده، وعليه ألا يعيد الأسرى [....]. ويجب أن يبين له الملك الهاربين [الذين] فروا [من آشور إلى بابل] .
يجب أن نضع في اعتبارنا بأن بلاد أكد (وسط بلاد الرافدين) تسبق آشور في عدد المدن في وسط وجنوب العراق القديم، وهذا اعطى الغرور للملك البابلي ليفرض افكاره في نص المعاهدة فلم يخاطب الملك الآشوري بأي لقب ملكي في نص المعاهدة بينما حمل مردوخ –زاكر-شومي لقب ملك، كما الزم شمشي-ادد الخامس بتسليم الهاربين من بابل، وعدم النطق بكلمات شريرة ضد (مردوخ-rimanni) (اسم يطلق على الملك البابلي) أو مؤامرات ضد بابل، والقسم في المعاهدة تعهدت به الآلهة البابلية وحدها، يظهر أن شمشي أدد حافظ على عرشه بعد الهزه العنيفة التي سببتها حركة التمرد الواسعة في آشور، ولكن بالمقابل فقد ماء وجه أمام تنازلاته لبابل واستمرت المعاهدة خلال حياة مردوخ-زاكر-شومي، ولكن خلفاؤه على العرش عاشت لتندم على اليوم الذي عقدت فيه المعاهدة وأجبر عليها الملك الآشوري شمشي-ادد الخامس وهو في لحظة ضعف في المملكة الشمالية والظرف العصيب التي مرت بها .
بعد أن فرض شمشي-ادد الخامس سيطرته على كامل بلاد اشور وانهاء التمرد، جاء دور بابل لتدفع فاتورة موقفها القديم، وكان يحكمها مردوخ-بلاصو-اقبي(Marduk-balāssu-iqbi) (824-813) ق.م معنى اسمه (تعهد مردوخ بحياته) ابن ملك بابل الراحل، الحملة الاشورية على بابل تمكنت من تأسيره ونقل إلى آشور مكبلا بالأغلال، وعين الملك الاشوري بابا-آخي –ادينا (Baba-aha-iddina) (813-811) ق.م، معنى اسمه (قدم لي للإله بابا أخاً) ملكا على بابل، وقد حاول ان يجابه شمشي-ادد الخامس ولكن تم تأسيره مع عائلته وآلهته ونقلهم إلى آشور، واختفى الملك البابلي من صفحة التاريخ ، ودخلت بابل في سنوات من الفوضى استمرت أحد عشر عاما ، ما اريد قوله حسابات مردوخ-زاكر-شومي ملك بابل كانت خاطئة ولم يؤمن بان الدنيا تدور والضعيف يمكن ان ينهض لينتقم كما فعل شمشي-ادد الخامس .
3149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع