علي عرمش شوكت
مبدأ التداول السلمي للسلطة .. من اين يبدأ ؟
ينتسب مبدأ التداول السلمي للسلطة الى منظومة الديمقراطية، بل ويمثل غرتها الناصعة، ومن دون سلامته، تغدو الديمقراطية مطعوناً بها، و مجرد اداة مارقة مقطوعة النسب الحضاري العادل، بمعنى اقتصارها بحدود عملية الانتخابات المحفوفة بشتى انواع التلاعب المشين. وهذا ما يتجلى صارخاً في الوضع السياسي العراقي الراهن. حيث تمرر عملية الانتخابات، منتهكة بوسائل المختلفة، كالتزوير، و " الخصخصة الكتلوية "، والتجاوز على ابسط القواعد القانونية، ومن ثم تعدي مشيعة بخطايا لا تغتفر، ومن ابرزها على سبيل الذكر وليس الحصر، التقليعة الغريبة على الفقه الديمقراطي، وليس لها مثيل ولاسابقة في كافة دول الديقراطية بالعالم، الا وهي " تكليف الكتلة الاكبر التي تتشكل "بعد ظهور نتائج الانتخابات" وليست الكتلة التي تحصل على اكثر الاصوات، ولكنها تحسب " تداول سلمي للسلطة " !!.
ان ظاهرة قضم الديمقراطية او الحاق اسقاطات سياسية بركبها ، بات ثقافة لدى الكتل الحاكمة، ولا تستثنى منها احداها، وان دليل ذلك متجلياً في المواقف والقرارات التي انتجت " سانت ليغو " مع تخريباته وليست تعديلاته، وقبله كان قانون انتخابات غير عادل، وكذلك ايجاد مفوضية انتخابات تابعة لاحزاب السلطة، التي هي الاخرى قد فتكت بقانون الاحزاب رقم 36 لسنة 2015 رغم نواقصه العديدة وابتلعت بعض فقاراته الحضارية، التي لا تجيز احزاباً ذات اجنحة عسكرية ولا تسمح لها بخوض الانتخابات، وذلك من خلال اتخاذها موقفاً معاكساً تماماً. واما مشروع قانون حرية الرأي والتعبير والتظاهر. فهو قد جاء ملغوماً بما يتناقض مع عنوانه، ويشكل مخالفة دستورية صريحة.. فماذا بقي من الديمقراطية لكي تكون منطلقاً لتداول السلطة سلمياً ؟؟
نعم : ماذا بقي من الديمقراطية لكي تكون حاضنة ومبعثاً رصيناً لانطلاق مبدأ تداول السلطة سلمياً، ان ذلك ما يدعو الى تعرية حقيقة نهج القوى المهيمنة على السلطة، التي تحاول جاهدة بل متجاوزة لكل القوانين حتى التي صنعتها هي، في سبيل دوام وجودها بالحكم، وربما تعتبر ما يتم من تبادل مواقع بين رموزها هو " تبادل السلمي للسلطة "، اي بدلا من الشخص المكشوف بفشله والمفضوح بفساده الى شخص فاسد وامعة غير مكشوف، كما وعلى نطاق مسميات الكتل. فالامر لايتعدى سوى تغيير الاسم بما يفرضه حراك الشارع ، كما حصل وغيرت احزاب الاسلام السياسي عناوينها الى مسميات مدنية.
ان هذا المبدأ يتحلى بسمة فاعلة من شأنها محاربة الفساد، لكونه لا يطرح امام الحاكم الفاسد فرصة او امكانية للتخفي واللوذ بالسلطة من الملاحقة القانونية ازاء خطاياه لامد طويل. وبعبارة اوضح يقطع الطريق امام الحاكم المستبد الذي يتحول الى دكتاتور، الا ان الامر هنا مرهون بارادة الناس ، التي تنتخب هذا او ذاك من الحكام. وينبع ذلك الاداء من مرض عبادة الفرد، كما حصل في المانيا النازية وغيرها على سبيل المثال. اما المناخ القويم الذي يوفر قاعدة انطلاق سليمة لمبدأ التداول السلمي للسلطة ، فلا توفره سوى القوى المدنية الديمقراطية حاملة فكر العدالة الاجتماعية من الشيوعيين، والديمقراطيين ، وبعض قوى الاسلام المتنورة.
بيد ان التجربة السياسية الطويلة في العراق، قد سجلت وبخاصة في العقدين الاخرين انحدارات قاسية نحو التفرد واغتصاب السلطة بوسائل عسكرية وغير عسكرية، كاستخدام الفتاوى الدينية التكفيرية كالمحرض الاجنبي " الكفيشي "، و المال الحرام المنهوب، وتدخل بعض دول الجوار، والاعلام المسخر لتسقيط الاخر، والاستنفار الطائفي والعرقي المقيت، وغير ذلك. ان كل ما تقدم ذكره لا لشيْ سوى لالغاء مبدأ التبادل السلمي للسلطة. وابقاء الكتل المتحاصصة على سدة الحكم الى ما لانهاية.
990 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع