الدكتور مليح صالح شكر
الصفات الواجب توفرها فى المؤرخ
أًولاً أود أن أوضح بأنني صحفي وباحثفي تاريخ العراق ، وبالتحديد تاريخ الصحافة العراقية وما يدور حولها وفيها وعلى صفحات صحفها من شؤون سياسية واجتماعية وثقافية وقانونية ورياضية، ولي فيها مؤلفات .
وأحياناً أخرى يستهويني موضوعاً عشت بعض أحداثه ، لكني لست مؤرخاً فيه ، ولا له ، وهو تاريخ الأحداث البعثية في العراق وفي سوريا ، ولدي عنها وثائق ، وذكريات رسمية.
أقول ، أن يكتب كاتب ما سيرة أحد السياسيين أو الأدباء أو غيرهم ، لا يعني أطلاقاً أنه أصبح مؤرخاً ، وقد تناسل عدد هؤلاء بشكل مُلفت للنظر دون أن يتدخل أهل التاريخ لتصحيح المسار ، أو أنها جزء من الفلتان الذي عّم العراق بعد كارثة الاحتلال الأمريكي ومخلفاته، وحتى يومنا الراهن .
نسب بعض الصحفيين المصريين منذ سنوات ماضية أحداثاً معينة لقادة سياسيين وزملائهم ، وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر هنا مثالاً ، ولم يتسن معرفة صحة ذلك، لأنهما قد توفيا منذ بعض الوقت.
لكن سنوات العراق ما بعد الاحتلال الامريكي عام ٢٠٠٣ شهدت فلتاناً في إطلاق كتاب او متابعون او غيرهم صفة مؤرخ على أنفسهم ، ولم يكونوا من دارسي التاريخ ولا علم الاجتماع، وفِي أحيان أخرى لم يكونوا شهوداً على الأحداث ، كما هو الحال مع شهود التاريخ وتحليل احداثه ، مثل الدكتور علي الوردي في دراسته لطبيعة المجتمع العراقي ،أو عبد الرزاق الحسني في موسوعته عن تاريخ الوزارات العراقية، أو عباس العزاوي في موسوعته عن تاريخ عشائر العراق.
لا يدرس التاريخ عفواً ولا يكتب اعتباطاً، وكما تؤكد جامعة عين شمس المصرية ، ليس كل من يحاول الكتابة فى التاريخ يصبح مؤرخاً، كما يتصور بعض الناس ، أو كما يتخيلون ،حينما يسطرون صفحات طويلة عن حوادث ماضية أو معاصرة ، ويعتقدون بذلك أنهم يكتبون تاريخاً ، ودارت لهم المطابع ، وملأت كتاباتهم رفوف المكتبات ! فلابد من أن يتوفر فى المؤرخ الصفات الضرورية وأن تتحقق له الظروف التى تجعله قادراً على دراسة التاريخ وكتابته .
وفِي دليل جامعة عين شمس إشارات واضحة جداً للصفات التي يجب أن تتوفر في الشخص لكي يمكن أطلاق صفة مؤرخ عليه.
ففي الفقرة الرابعة من أصل تسع صفات للمؤرخ ، تقول الجامعة :
(( على المؤرخ أن يكون أميناً مخلصاً، فلا يكذب ، ولا ينتحل ، ولا ينافق أصحاب الجاه والسلطان ، ولا يخفى الوقائع والحقائق التى قد لا يعرفها غيره فى بعض الأحيان ، والتى قد لا ترضيه أو ترضى قومه، ومن يخرج عن ذلك لا يمكن أن يعد مؤرخا. ولا ريب أن الكشف عن عيوب الماضى وأخطائه تفيد إلى حد كبير فى السعى إلى تجنب عوامل الخطأ فى الحاضر، وعدم الكشف عنها يعد تضليلاً وبعداَ عن التبصر والمصلحةالوطنية. وقد يكون إخفاء الحقيقة التاريخية عملاً وطنياً فى بعض الظروف ، كما تفعل كل الأمم ، ولكن لابد من ظهور الحقيقة بعد زوال الضرورة التى دعت لإخفائها، حتى يمكن استخلاص أكبر قسط من الحقيقةالتاريخية .ولا يمكن أن يكتب التاريخ بغير التوصل إلى الحقيقة الصحيحة)). انتهى الاقتباس
أما الفقرة الثامنة فتنص :
(( ومن الصفات الأساسية فى المؤرخ عدم التحيز . فعليه أن يحررنفسه بقدر المستطاع من الميل والإعجاب لعصر خاص أو لناحية تاريخية معينة )).
وهكذا ، نجد أن هنالك مسافة واسعة بين المؤرخ وبين كاتب سياسي تستهويه حادثة تاريخية ما فيكتب عنها ليجد أن البعض قد أصبح يناديه ( مؤرخ) وهو ليس كذلك! وكل ما قام به هو اقتباس نصوص فقرات من عدة مصادر وبحوث ليصنفها فيما بعد بأنها سيرة تلك الشخصية .
من هواة الكتابة ، من يتغنى بصفة لا يستحقها ( مؤرخ) وهو لم يكتب سوى في سيرة شخصية من التاريخ ، مثل سيرة جمال عبد الناصر واحمد حسن البكر أو سيرة رجال سياسة في مصر او العراق او سوريا وغيرها من البلدان الاخرى.
حتى أن حادثة عابرة لنوري السعيد او عبد الكريم قاسم او صدام حسين ، يحسبها البعض بأنها يمكن أن تضفي عليهم صفة مؤرخ ، بينما بعض تلك الحوادث العابرة لم تكن سوى حكايات مقهى لا أساس لها من الصحة، ولم يوثقها الرجال الذين أرخوا فعلاً حقب الحكم التي أدارها أؤلئك القادة السياسيون.
ويلزم للمؤرخ أن تتوفر له ملكة النقد ، ومرة ثانية وفقاً لدليل جامعة عين شمس ، فلا يجوز له ان يقبل كل كلام أو يصدق كل وثيقة أو مصدر بغير الدرس والفحص والأستقراء ، فيأخد الصدق أو أقرب ما يكون اليه، ويطرح جانباً ما ليس ذلك .
واذا فقد المؤرخ ملكة النقد سقطت عنه صفته، وأصبح مجرد شخص يحكى كل ما يبلغه على انه حقيقة واقعة.
وليس هكذا يدرس أو يكتب التاريخ.
وأيضاً ، ينبغي للمؤرخ أن يكون صاحب إحساس وذوق وعاطفة وتسامح وخيال ، بالقدر الذى يتيح له أن يدرك آراءالغير ونوازع الآخرين . وبذلك يمكنه أن يتلمس أخبار الاسكندر، وقيصر ، وعمر بن الخطاب ، وصلاح الدين الايوبى ، وابن رشد ، وميكل أنجلو ، وباخ ، ولويس الرابع عشر ، ونابليون ،ونلسون ، وأحمد عرابى.
وكذلك يمكنه أن يلتمس أخبار نوري السعيد ،وفيصل الأول ،وجمال عبد الناصر، وأحمد حسن البكر، وهواري بومدين،وصدام حسين ، وغيرهم .
911 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع