د.صلاح الصالحي
(هل ما زالت أختي على قيد الحياة أم ماتت؟) رسالة العمارنة 1
رسالة الفرعون (عمارنة 1) كتبت الرسائل باللغة الأكدية المسمارية اللغة الدولية للمراسلات في عصر العمارنة
من امنحتب الثالث (1390-1353) ق.م إلى كدشمان انليل الأول (1374-1360) ق.م ملك بابل: عنوان الرسالة (هل ما زالت أختي على قيد الحياة أم ماتت؟) وهي رسالة جواب الفرعون على رسالة ملك بابل :
أخبر كدشمان انليل، ملك كاردونياش (بمعنى بابل)، أخي، هكذا يقول نيبموخوريا (Nibmuarea) (امنحوتب الثالث)، الملك العظيم، ملك مصر، أخوك، بالنسبة لي كل شيء بخير، ولك، ولأسرتك، ولزوجاتك، أبنائك، نبلائك، خيولك، عرباتك، بلادك، عسى أن يكونوا بخير، وأنا والجميع بخير، أسرتي، زوجاتي، أبنائي، خيولي، قواتي، جميعهم بخير وبلادي كذلك بخير.
(10-17) أنا أطلعت على رسالتك، بخصوص ما ذكرته: (أنت تسأل عن أبنتي طالبا الزواج منها، لكن أختي التي أعطاها لك أبي سابقا، وأنها معك في مصر، ولم يرها أحد منذ فترة طويلة، ولا اعرف هل ما زالت على قيد الحياة أم ماتت؟)، هذه هي كلماتك التي أنت أرسلتها لي على لوحك! على كل حال أنت لم ترسل شخصية رفيعة المستوى من قبلك يعرف أختك وبإمكانه أن يتحدث معها ويعرفها شخصيا.
(17-21) أفترض هو تحدث معها! فالرجال الذين أرسلتهم إلى هنا (بمعنى مصر) هم نكرة (riqa) (بمعنى فارغ)، أحدهم من(...) من زكارا (Zaqara)، والآخرين (قادة حمير) من (...)، وليس من بينهم شخص واحد يعرفها، أو كان صديق حميم لأبيك قادر على أن يميزها جيدا.
(21-25) كما أن الرسل الذين (....).
(26-32) كما كتبت لي قائلا: (أنت خاطبت رسلي وزوجاتك وقد وقفوا جميعهم بحضورك وقلت: هذه هي السيدة (يقصد أخت كدشمان انليل الأول) تقف أمامي، لكن رسلي لم يعرفوها! إذا كانت هي أختي التي تقف إلى جانبك؟ أم لا؟ وأنت تكتب لي شخصيا (رسلي لم يعرفوها) وما زلت تردد هذه العبارة! (من هو الذي يعرفها شخصيا؟) .
(32-36) لماذا لم ترسل صديقا حميما يستطيع أن يخبرك بالحقيقة كما هي، أن أختك هنا، ومن ثم سوف تصدق الشخص الذي يدخل إلى القصر ليرى أختك في مسكنها وصلتها بالملك؟ .
(36-42) كما وكتبت لي تقول: (السيدة التي رآها رسلي، ربما هي ابنة رجل فقير أو من قبيلة الكاسكين (Kaskean) (شمال بلاد الاناضول)، أو بنت من خانيكالبات (مملكة ميتاني)، أو ربما ابنة رجل من مدينة أوغاريت (في سوريا)، من يصدق؟ أن السيدة التي كانت تقف إلى جانبك ... لم تفتح فمها، لا يمكن للشخص أن يصدق تماما بانها أختي)، هذه هي كلماتك.
(43-52) إذا أختك ماتت، ما هو السبب الذي يجعل الشخص يخفي موتها، وأقدم سيدة آخرى بدلا عنها؟ وليكون الإله آمون شاهدا على ما أقوله صحيح (...).
(52-62) كما وكتبت لي: (بناتي اللواتي تزوجن الملوك المجاورين لبابل، عندما يذهب رسلي لزيارتهن، فأنهم يتحدثون معهن، وهم يجلبون لي هدايا، لكن السيدة التي معك ...)، تلك كانت كلماتك، بلا شك جيرانك الملوك أغنياء وذو قوة! ويمكن لبناتك أن ينالوا شيء من أزواجهن ويرسلونه إليك، لكن ماذا تملك أختك معي؟ قد تحصل على بعض المكتسبات وأنا سوف أرسلها لك! أنه شيء رائع أن تعطي بناتك لجيرانك الملوك من اجل أن تحصل على كتلة من الذهب!
(62-77) كما كتبت لي عبارات قالها أبي، لا بأس، أنت لم تذكر كلماته بالضبط، والأكثر من ذلك (أقم صداقة أخوية بيننا) تلك كانت كلماتك التي كتبتها لي، نحن الآن أخوه، أنت وأنا، لكن أنا تشاجرت بسبب رسلك منذ أن أخبروك قائلين:( لا شيء أعطي لنا، لمن سافر إلى مصر) هؤلاء الذين جاءوا لي كل فرد منهم عندما يأتي لابد ويستلم، فضة، وذهب، وزيت نقي، وثوب فاخر، أكثر مما يقدمه أي بلد آخر؟ لذا رسولك لم يقل الحقيقة لك! في المرة الأولى ذهب الرسل إلى أبيك وأفواههم تنطق بالكذب، وفي المرة الثانية ذهبوا وقالوا أكاذيب لك، ولهذا أنا قلت مع نفسي سواء أعطيتهم أو لن أعطيهم أي شيء فأنهم سيذهبون وينطقون كذبا وبنفس الطريقة، ولذا أنا قررت فيما يتعلق بالرسل أنا لن أعطيهم أي شيء.
(77-88) وبخصوص ما كتبته لي تقول: (أنت قلت لرسلي، هل سيدكم يملك قوات؟، والبنت التي أعطاها لي ليست جميلة!) تلك كانت كلماتك، لكن هذا ليس صحيح! أستمر رسلك يخبروك أكاذيب، قائلين أشياء مثل هذه العبارات، سواء بيدك جنود تحت أمرتك أم لا؟ بالنسبة لي ما هو الغرض من هذا السؤال! فيما إذا هناك قوات جاهزة تعود لك، أو هناك خيول تعود لك؟ أرجوك لا تصغي إليهم! رسلك الذين أرسلتهم إلى هنا كذابين، أنا أقسم بأنهم لا يخدموك، ولذا فهم سوف يستمرون بأخبارك بالأكاذيب وهدفهم التهرب من عقابك.
(88-98) وكما قلت لي: (هو وضع عرباتي بين عربات الموظفين التابعين له، أنت لم تفصلهم في الاستعراض، أنت قللت من شان عرباتي أمام شعبك، أنت لم تستعرضهم منفصلين) سواء العربات كانت هنا أم هناك! فان العربات تحتاج إلى خيول من بلادي، وكلها كانت خيولي، وكما أنت كتبت لي لأجل أن تنظم بنفسك (و) تصب الزيت على رأس الفتاة، أنت من ناحيتك أرسل لي هدية واحدة، هل نحن محتاجين إلى الهدايا.
(التعليقات)
كانت الرسالة طويلة وهموم الفرعون كثيرة وكلها اتهامات ضد الملك البابلي الذي لم يحسن اختيار مبعوثيه ومع هذا يمكن تحديد ما ورد فيها:
1- الرسالة برمتها شكاوى وتذمر من تساؤلات ملك بابل، وقد أحتل الجزء الأعظم منها أخبار أخت الملك البابلي، ورغبة كدشمان-انليل الأول للاطمئنان على وضع ابنته بين حريم الفرعون من جهة ويريد أن ينبه ملك مصر بأنه يتردد في منح ابنته له من جهة أخرى، ما لم يعرف مصير أخته التي سبق وان تزوجها امنحوتب الثالث، والظاهر أن أخبارها مقطوعة والسيدة التي قدمت إلى رسل ملك بابل كانت على ما يبدو رثة الثياب هزيلة لم تتحدث مع مبعوثي بابل! ولهذا أثارت استغراب الرسل من مظهرها البائس، ولذا وجه ملك بابل وخزة صغيرة إلى الفرعون بالإشارة إلى بناته اللواتي تزوجن من الملوك المجاورين والذين يبعثون هدايا إلى أبيهم ملك بابل عند زيارة مبعوثيه لهن، لكن الوضع السيئ لأخت الملك جعلته يستغرب فلم ترسل له هدية من مصر قط؟ وجواب الفرعون غير مقنع تماما لكن فيه رد غير لائق نوعا ما (هذا شيء رائع أنك تعطي بناتك إلى جيرانك الملوك من أجل أن تحصل على كتلة من الذهب ..) و (لكن ماذا تملك أختك معي؟) جواب مقبول في السياسة الدولية! على أية حال كان من المفروض أن يرسل ملك بابل أشخاص يعرفون آخته شخصيا أو على الأقل كانوا مقربين لأبيه ولديهم معرفة بالأميرة البابلية، ولكن ملك بابل نراه يرسل مبعوثين لا يعرفونها ولا يمكن تميزها من بين نساء القصر الفرعوني! فهل تغير شكلها وحالتها النفسية بسبب سوء المعاملة مثلا! وكان جواب الفرعون مقنعا لان ملك بابل لم يرسل مبعوث وصف بالرسالة (صديق حميم لأبيك قادر على أن يميزها جيدا) ويخاطبها ويعرف ما هي نوعية علاقتها بالفرعون، ومكانتها كسيدة في القصر الملكي، وهكذا اعتقد أراد الملك أن يطمئن على زواج ابنته وعلى قيمة المهر الذي يستلمه من الفرعون، وما هو مصيرها هناك في مصر؟ ربما كدشمان انليل الأول يبحث أكثر من هذا فهو يريد حالة مميزه لابنته بين نساء القصر! فأوجد قضية أخته التي سبق ان تزوجت امنحوتب الثالث، وما على كدشمان انليل الأول الا أن يضع ثقته بالفرعون ويؤمن بان تلك السيدة هي أخته شاء أم أبى.
2- القسم الأخر تفنيد أكاذيب رسل بابل الملفقة ضد الفرعون، لكن هناك عبارة وردت فيها تقول: (هل سيدكم (يقصد ملك بابل) يملك قوات؟) على الرغم من تهرب امنحوتب الثالث بطرحة هذا السؤال إلا أن الأحداث السياسية في سوريا تتطلب منه إيجاد حلف عسكري يقف في وجه الأطماع المملكة الحثية في جنوب سوريا وفلسطين خصوصا هناك حلف غير معلن مع مملكة ميتاني توج بمصاهرة تارة مع امنحوتب الثالث وتارة أخرى مع ولده اخناتون، إضافة إلى بداية علاقات طيبة بين مصر والآشوريين الذين كانوا على أبواب استقلالهم عن التبعية لميتاني على يد الملك آشور اوبالط الأول ومن الصعب الاعتماد على آشور فهم في أول الطريق الاستقلال وهذه الأحداث معاصرة للسنوات الأخيرة من حكم امنحوتب الثالث.
3- وصف مبعوثي الملك البابلي بأنهم كذابون وليسوا بالمستوى اللائق ليكونوا سفراء إلى البلاط الملكي المصري، كما نعتهم الفرعون بأنهم قادة حمير، ونكرة، وناقلي أخبار كاذبة، ولو جاز لنا المقارنة فأن الأفضلية للمبعوث المصري الذي وردت أقوالة في (عمارنة 7) فقد كان دبلوماسيا في إجاباته حول بعد المسافة بين البلدين، وحججه القوية والمقنعة مما يدل على حسن الاختيار ليمثل بلادة في البلاط البابلي، أما رسل بابل فقد سببوا الكثير من المشاكل للفرعون سواء في عهد كوريكالزو الأول (1390) ق.م أو في عهد كدشمان انليل الأول على ما يبدو اختيار رسل بابل لم يكن وفق الصيغ الدبلوماسية إطلاقا .
659 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع