د.ضرغام الدباغ
الموقف ... الآن
أسفرت ( الانتخابات ) هذا إن شئنا أن نسميها انتخابات ..! ذلك أن حجم الضغوط الداخلية والخارجية لا تتحدث عن فوز قوائم، بقدر ما تتحدث عن فوز مرشحي هذه الدولة أو تلك من الدول المعلومة التي تتمتع بنفوذ وهيمنة في العراق، ناهيك عن حجم التأثيرات الداخلية العلنية والمكشوفة، والتي لم تبق أي درجة من الاحترام لا للمواطن ولا لعملية يمكن أن نسميها انتخابات. أسفرت عن موقف له ملامح جديدة سيكشف المستقبل القريب المزيد منها
هذا الموقف الكاريكاتيري أو المسرحي الهزلي الذي يتألف عناصره من :
1. شعب غلبان بكل معنى الكلمة (لنستخدم هذه المفردة)، فاقد الثقة بكل شيئ ومن كل شيئ. وأفضل الترجيحات تدل أن نسبة التصويت لم تزد عن 19 ــ 21 %.
2. مرشحون بعضهم أنتبه متأخراً لحفلة التهام الكعكة، وجاء في نهايتها، المليارات تبخرت، وكما يقول المثل " اللي ضرب ضرب، واللي هرب هرب ".
3. آخرون كرروا محاولاتهم اقتحام مجلس النواب، لعله في ذلك يجد حماية من سيف المحاسبة العاجل.
4. الأطراف الأجنبية، تحالفت في الماضي، واستباحت العراق موجودة، ولكن تحالفها ليس سرمدي، فقد يتعرض للتخلخل، إذا دخلت معطيات جديدة، وهذا ما تلوح مقدماته الآن بوفرة في أكثر من ميدان.
5. مهمة الفائزون صعبة دون ريب، وهي أثقل من حزن الخاسرين، وربما بعض الخاسرين سيكتفي من الوليمة ببضعة ملايين، والقناعة كنز لا يفنى، ويطلق ساقيه للريح، تلفه أمواله في إحدى عواصم العالم المنتشرة من نيوزيلندة وأميركا، حتى فنزويلا والبرازيل. ناهيك عن العواصم الأوربية التي يعرفها جيداً، وهو مفلس، فكيف الآن وهو مليونير ..!
6. الفائزون ... فازوا لأنهم وعدوا الناس، والناس ليس بوسعها سوى أن تتأمل شيئاً من الفائزين، الذين طرحوا أنفسهم متخذين على عاتقهم مهمتين الواحدة أصعب من أختها :
أولاً : القضاء على الفساد:
وهي لعمري مهمة التنطح لها من أصعب المنازلات وأشقها. فالفساد أضحى جزء من اللعبة السياسية ومن الحياة الاقتصادية، وفوق هذا وذاك، وهو الأهم، الفساد أصبح هيكيلياً، (strukturell korruption) لأنها عشعشت واستوطنت وصار لها جذور، ثم امتدت عمودياً وأفقياً، وتكونت فئات وشرائح تعد في لغة الاقتصاد طفيلية (Parasitie) لأنها تعتاش من خيرات المجتمع، لذلك يعتبرها علم الاقتصاد من معوقات التنمية، بل تعتبر اليوم في مقدمة تلك المعوقات ويتصاعد هذا الاعتبار منذ عام 1990 منذ اشتداد الدولنة في الاقتصاد(صيرورته دولياً)، كما يعتبره صندوق النقد الدولي الفساد بوصفه عقبة رئيسية للتنمية, في حين انه لما قبل العام 1990 لم يكن التقييم بهذه الدرجة من الخطورة، وذلك لتصاعد دور الاقتصاد الدولي في الحياة الاقتصادية في العالم. المنظمة لعبت أيضاً دوراً أساسياً في تقديم ميثاق الأمم المتحدة ضد الفساد، وتحولت إلى شأن دولي مهم. ولذلك فهي تستدعي من كافة الدول حلولاً جذرية : سياسية واقتصادية وثقافية. وهو أمر نرجح يكون خارج قدرة بعض الأنظمة هي نفسها بالذات وليدة تلك العناصر السلبية التي بلغت في تدهورها درجة كارثية، أفضت بالتالي كنتيجة حتمية هذا الوضع الفساد عندما يكون فردياً يمكن التصدي له بسهولة باقتلاع الفاسدين، أما عندما تصبح هيكلية، فهذا يعني ضرورة التصدي للفساد من جذوره المنتشرة في أرجاء الدولة والمجتمع وهم ما يحتاج إلى عملية شاملة، تحتاج لزج طاقات البلاد بأسرها، نعتقد أن البلاد غير مؤهله لها، والأسباب معروفة.
وفي الاقتصاد والسياسة وفي القانون، فالأمر أيضا إشارة تعني أن عطب شديد(Defect) قد لحق بعملية سياسية أو اقتصادية أو كلاهما معاً وهو الأرجح، وأن يتحول الفساد إلى قضية سياسية / اقتصادية عامة، تخرج عن إطارها كحادث فردي تعالج قضية فرد ما موقعياً بشكل إداري. وقد يكتسب الفساد العام على الفور صفة جنائية، فمعظم القوانين الجزائية في أغلب دول العالم تعالج قضايا الفساد في حدوده الدنيا، كحادثة ارتشاء موظف، ويفهم تحت عبارة تختص بمثل هذه الحالات (situativer Korruption) أي حالة بنت ظرفها الآني. أو وليدة ظرفها، وهي قد تنجم عن تصرف عفوي، بمعنى أنه حدث كرد فعل مباشر في موقع عمومي رسمي ولم يتضمن الحال تخطيطاً أو تحضيرات مسبقة.
أما في حالات الفساد الكبيرة التي يطلق عليها في الاقتصاد (strukturell korruption) أي الفساد الهيكلي، ففي الفساد الهيكلي يدور الأمر حول حالات الفساد المؤسسة على أساس علاقات المدى البعيد وحالات تم التخطيط فيها لفعل الفساد على أساس العلاقات على المدى الطويل من الفاسدين قبل ارتكاب الجرم عمدا، فهناك الفعل المادي أو التحضير الذهني للعمل، الذي يستبعد العفوية مبدأ العمل. الطاقة الجنائية للمشتبه بهم هي في الفساد الهيكلي عادة ما يكون أعلى مما كانت عليه في قضايا الفساد الظرفية، والفساد الهيكلي يعني بذات الوقت، أنه قد أنتشر في العديد من قطاعات الدولة، ومن هنا فهو مسألة عامة يستدعي حلولاً عميقة وشاملة.
ثانياً: أخراج القوى الأجنبية واستعادة الاستقلال:
وهنا الصعوبات، ذاتية وموضوعية، لأن من جاء التصق بالأرض وإخراجه يحتاج لعملية جراحية، وليس من السهل انتزاع ما يعتبره الأجنبي مكسباً ناله كما في الأحلام. عندما دخل المحتلون العراق، كانوا لا يمتلكون سوى معلومات بسيطة، ولكن ينبغي القول أنهم خلال خمسة عشر سنة الماضية مدوا خراطيمهم، في كافة أرجاء المجتمع العراقي، ولنعترف أيضاً أن العراق ليس ببلد مستقل حالياً، وليس هناك في الأفاق ما يقي سراً بعد الخمس عشر سنة العجاف التي مرت، وانتزاع الاستقلال عملية تحتاج إلى قدرات سياسية ووطنية وتضامن واسع مع العراق دولياً وعربياً وإقليميا، ويتطلب إرادة عراقية موحدة، وهذا ما لا نرى مستلزماته متوفرة.
أخاطب الناس .. أبناء الوطن الحبيب ... لا حول ولا قوة إلا بالله ... والحركات السياسية عامة، الأمل ضعيف في أن ننفذ من الدوامة اللعينة، كل السياسيين الوطنيين، كل القوى ... بصرف النظر عن درجة الأمل في نتائج هذه الانتخابات، الخامسة، وأعتقد أنها ستكون الأخيرة في هذا السياق الممل الذي لا يسفر عن أمل يستحق العناء، الشعب رفض الانتخابات، هذه نتيجة واضحة لا مراء، أقرها أقطاب الفائزون، جميل أن يصرح علناً قطب الانتخابات الفائز، أنه يشكر حتى المقاطعين، وأنه يمثلهم.
ذلك، أمام الفائزون مهمتان صعبتان : إخراج الأجانب (استعادة الاستقلال)، والقضاء على الفساد، وهذان الشعاران كانا الأساس النظري والسياسي والوطني للقوى الفائزة الرئيسية، ورغم إننا ندرك بالضبط عمق المأزق بكافة تفاصيله ومفرداته وتشعباته، فأني أطلق ندائي هذا، أعتقد أن هذه هي المرة الأخيرة التي سيقبل بها الشعب العراقي حكمة (خلينا نشوف هالمرة)، أما إذا خسر ال 19% من الذين جازفوا وذهبوا لصناديق الاقتراع الثقة نهائياً .... فبماذا يصبرونهم في المستقبل القريب وليس البعيد، وكما يقول المثل لنرى عما ستسفر عنه (طبخة الحصو) هذه.
نتمنى أن يقطع العراق شوطاً بأتجاه أهدافه، شوطاً واحداً، وليس كل الأشواط، ، أو أن نشاهد مقدمات الحل الشامل فللأسف طويل هو ليل بحر الظلمات..! سوف لن يكون هناك غد وعراق جديد ما لم نشهد إنهاء الطائفية والمحاصصة دستورياً، والتهميش والاجتثاث والقوانين التصفوية الجائرة، وقطع دابر الميلشيات التي تسرح وتمرح على أرض الوطن
وينبغي أن يكون هدف كل عراقي هو : استعادة الاستقلال الوطني للعراق
4768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع