وداعاً أستاذنا فاضل عبد الواحد علي

                                                 

                        حامد خيري الحيدر

وداعاً أستاذنا فاضل عبد الواحد علي

        

بهدوء وبعيداً عن الأضواء وحمى التكالب المجنون على المناصب الرخيصة الذي أعقب الانتخابات العراقية، رحل يوم الأحد 20/5/2018، العالم العراقي الكبير أستاذ الدراسات السومرية وعالم الآثار الدكتور فاضل عبد الواحد علي، بعد معاناة مع المرض امتدت لسنوات عديدة، وبعد أكثر من أربعة عقود قضاها باحثاً مُستقصياً في تاريخ بلاد الرافدين وحضارتها العريقة. بهدوء رحل كما عرفناه أيام دراستنا في قسم الآثار هادئ الطبع رقيق الكلمات ذو ابتسامة وادعة جميلة يمنحها للجميع دون تردد، ليكسب قلوب واحترام طلبته قبل زملائه الأساتذة. عشق حضارة سومر بشكل لا يوصف حتى كان يتغزل بها كأنها معشوقته التي لابديل عنها موصيا وناصحاً طلابه بأن يحذوا حذوه لينافسوه في عشقه الاثير الذي ليس له حدود. أحب سيّر أبطال العراق جاعلاً منهم رموزاً ومثابات راسخة في كتابة تاريخ أرض الرافدين. فكره لم يتجرد يوما عن عراقيته الماضية بعد أن تشبع بثقافة أرض سومر، حيث نشأ وعاش مع جذور وطنه ليعشق طبيعة ارضه وطيبة أهلها، ولتغدو حياته العلمية متناقضة مع هدوء طبعه، بل كانت ثائرة عنيفة، تفتش بين دهاقين الزمن عن تاريخ أرض الرافدين، لتكشف عن عراقتها ودورها الملهم البنّاء في تشييد حضارات العالم.

رحل الدكتور فاضل عبد الواحد علي، وسبقه الى دار الخلود الدكتور بهنام أبو الصوف، والدكتور طارق مظلوم، والدكتور كاظم الجنابي، والدكتور فوزي رشيد، والدكتور خالد الأعظمي، والدكتور عبد الإله فاضل، والدكتور دوني جورج، والدكتور صلاح سلمان رميض، وأخرون كثر، فيا ترى هل تجود أرض الرافدين بأفذاذ مثلهم في قادم الأيام؟

الدكتور فاضل عبد الواحد علي في سطور:

ولد فقيدنا الكبير في مدينة البصرة عام 1935 ثم انتقل الى بغداد ليكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب والعلوم/ قسم الآثار والحضارة، الدورة الثالثة عام 1953، ليتم دراسته على يد نخبة من علماء الآثار العراقيين من أبرزهم العلامة طه باقر والعلامة فؤاد سفر، ثم ليتخرج منها بتفوق عام 1957 وكان ترتيبه الأول على الكلية. ولتفوقه حصل عام 1958 على بعثة دراسية الى الولايات المتحدة ليكمل دراسته العليا في جامعة بنسلفانيا في ميادين الآثار والحضارة ولغات العراق القديم، حيث حصل عام 1960 على درجة الماجستير في مادة السومريين وآدابهم، ثم درجة الدكتوراه عام 1964 في فلسفة الآداب السومرية على يد أستاذه الشهير علامة السومريات الشهير صموئيل نوح كريمر.

بعد اكمال دراسته عاد الدكتور فاضل عبد الواحد علي الى العراق ليعمل استاذا في جامعة بغداد/ قسم الآثار، ليكون مرجعاً مهماً في توجيه أجيال جديدة من الآثاريين العراقيين، من خلال تدريس ودراسة اللغة السومرية وآدابها وأفكارها، يقرأ ويقارن وينقد ويدقق من خلال قراءته لعشرات الألواح المسمارية المحفوظة في المتحف العراقي، تلك التي لم يطلع عليها أحد ولم يُعرف شيء عن ما تحويه من أفكار، فكان يتمحص فيها وكلماتها، ويقارن ويترجم، ليضيف نصوصاً جديدة لمعرفتنا القديمة، مُعدلا أو مُكملا لأسطورة هنا وملحمة هناك، ناشراً كل أبحاثه ومكتشفاته في كتبه والمجلات التاريخية التخصصية من عربية وأجنبية، بعد أن يصوغ أفكاره الجديدة الجريئة بأسلوب سلس محبب، مستساغ من قبل القارئ، سواء كان متخصص أو غير ذلك، لتأخذ كتاباته وأفكاره التي توصل اليها طيلة أكثر من أربعة عقود من البحث بين كسر الألواح المسمارية بالرواج والانتشار بين جموع الباحثين في التاريخ القديم، ولتغدوا كتاباته مصدراً مهماً لا غنى عنه عند الدراسة والبحث في حضارة العراق القديم والتراث السومري على وجه الخصوص.

شارك الدكتور فاضل عبد الواحد علي بشكل لافت في معظم نشاطات كلية الآداب في جامعة بغداد بفكر أكاديمي متميز، لينال الترقيات الجامعية بوقت قصير من حياته العملية الأكاديمية، أضافة الى العديد من الشهادات القديرية التي نالها لجهوده الكبيرة في تطوير عمل جامعة بغداد وتحديث مناهجها الدراسية، حيث تولى عمادة كلية الآداب في جامعة بغداد لسنوات عدة، وكذلك رئاسته قسم الآثار لسنوات أخرى، وفي التسعينات من القرن المنصرم أنتخب عضوا في المجمع العلمي العراقي.

تكمن ميزة الدكتور فاضل عبد الواحد كونه من القلائل الذين اختصوا في علم السومريات لصعوبته الكبيرة وعزوف الكثير من الباحثين من الخوض فيه، وبالتالي معرفته باللغة السومرية بالإضافة الى اللغات الأخرى كالأكدية والآرامية، مما جعله واحداً من القلائل في العالم الذين يجيدون قراءة هذه اللغة ويتقنون قواعدها ويفهمون مفرداتها، ليوظف ما ناله من علمه النادر هذا بشكل نتاج تميّز به عن غيره من الباحثين، بعد كسره القواعد القديمة في الدراسات المسمارية، وجعله للكثير من النظريات القديمة موضع الشك والانتقاد، خاصة فيما يتعلق بأصل الشعب السومري، وكونه عراقي أصيل ولد من رحم أرض الرافدين الخالدة وشيّد حضارته العريقة بين روابيها، مخالفاً بشجاعة نادرة كل النظريات والآراء المغرضة التي حاولت على مدى سنين طويلة من تزوير التاريخ وجعل أصول شعب سومر يرجع الى بلاد أخرى، حيث كان يُردد دوماً عبارته الشهيرة (السومريون عراقيون حتى يثبت العكس)، ليغدو مرجعاً متفرداً في الحضارة السومرية.

مؤلفاته:

1_ رسائل سومرية (بالإنكًليزية) 1964

2_ عشتار ومأساة تُموز 1973 ثم طبعة ثانية 1986

3_ الطوفان في المراجع المسمارية 1975

4_ عادات وتقاليد الشعوب القديمة 1979 (بالاشتراك مع الدكتور عامر سليمان)

5_ تاريخ العرق القديم... بجزئين 1981 (بالاشتراك مع العلامة طه باقر)

6_ العراق في التاريخ 1984 (بالاشتراك مع عدد من المؤرخين العراقيين)

7_ من الواح سومر الى التوراة 1989 ، (اختير كأفضل كتاب عربي صادر لذلك العام)

8_ سومر أسطورة وملحمة 1997

9_ له عشرات البحوث والمقالات باللغتين العربية والانكًليزية منشورة في مجلة (سومر) الآثارية، ومجلة كلية الآداب، ومجلة المجمع العلمي العراقي، أضافة الى العديد من المجلات والدوريات التاريخية العربية والعالمية.

10_ مشاركته في تأليف عدد من الموسوعات التي توثق تاريخ وحضارة العراق:

_ موسوعة حضارة العراق (ثلاثة عشر جزء)

_ موسوعة المدينة والحياة المدنية ( ثلاثة أجزاء)

_ موسوعة الموصل الحضارية (خمسة أجزاء)

_ موسوعة الجيش والسلاح (ثلاثة أجزاء)

رحم الله أستاذنا الجليل الدكتور فاضل عبد الواحد علي، وعزاؤنا في رحيله الأليم ما تركه ورائه من علم غزير رصين، وجيلا كبيراً من الآثاريين الذين ورثوا عنه حب العراق وحضارة شعبه العظيم.

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2209 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع