يعقوب أفرام منصور /أربيل
إلامَ الخلفُ بينكم والغفوة؟!
كثيرة جدًا هي المقالات التي تنشرها جرائدنا المحلية في أعمدتها الداخلية، الحافلة بالحس الوطني والضمير الشعبي، وتعكس للرأي العام ولطبقات المجتمع، وخصوصًا للمسؤولين والساسة : هموم الشعب ومآسيه وكوارثه وتطلعاته نحو حياة لائقة بعيش حضاري نظيف معتدل في القرن الحادي والعشرين، يوازي ـ في االأقل ـ مستوى العيش في أقطار أوربا الوسطى وإسكندنافيا.
كل هؤلاء الذين يُسهمون في نشر هذه المقالات هم من نُخب حُذّاق المحللين السياسيين والإستراتيجيين والإجتماعيين والنفسيين، ومن نخب المثقفين والأدباء والمؤرخين والقانونيين، والمتميّزين بامتلاكهم تجارب وحكمة ومعرفة بحقائق ووقائع وأسباب الثورات، وعوامل نجاح الحكومات وسقوط الأنظمة، وبامتلاكهم بعد نظر في الأمور الخاصة والعامّة. هذا الكم الهائل من الكتابات يحفل بالتوجيه السليم الصائب للحاكمين والرؤساء والإداريين والحزبيين والكتل ( المفرطة في أنانيتها، المتنافرة فيما بينها)، وتوصي بالإطّلاع اللازم على خفايا الأمور المخيفة، الرهيبة، المهلكة والمخطط لها بإيذاء الكيان العراقي والكيانات العربية عمومًا، وتحذّر من عواقب الإهمال، ومن عدم حسم المعضلات، وعدم التناوم والتغافل وترك الحبال على الغارب، بل تطالب أيضًا باستحداث سلطة قضائية نزيهة خالية من الفساد، وبانتهاج الحزم والصرامة في التعامل مع المفسدين والفاسدين والمرجفين والمقصّرين الكثيرين الطلقاء حتى الآن الذين أوصلوا الوطن وشعبه إلى هذا الدرك السحيق من سوء الأوضاع المعيشية، وتردّي الأخلاق العامة إلى حد شيوع الإجرام والإنفلات في المسلك والتصرفات الهوجاء الوحشية فرديًا وجماعيًا، المؤدّية إلى تضاعف الفوضى التخريبية التي أساءت إلى سمعة العراق في العالم المتمدن حتى بلغت أوطأ المراتب في مجال الإدارة والأخلاق والسلوك.
ما أحوج الساسة والسياسيين، ورجال الدين بكل عقائدهم الإيمانية خصوصًأ، وما أحوج المثقفين والكتاب والإعلاميين والمفكرين عمومًا، إلى الإطّلاع على البروتوكولات الصهيونية، وأسرار ألستراتيجيات الغربية بشأن العراق والشرق الأوسط، كي يقفوا على حقيقة المنظمات التي تحكم العالم من أكثر من قرن ونصف. إني أرجّح أن غالبية الذين أسلفتُ ذكرهم لم يسمعوا بهذه المطبوعات أصلاً، وإذا كانت ثمة قلة قد قرأت ووعت وقدّرت الأمور والأحوال، ولم يفعلوا شيئًا مع المسؤولين والرؤساء والحاكمين من تنبيه وتوعية وحيطة وإجراء، فهي لا ريب تُعدّ مقصّرة.
بيدَ أنه ـ مع كل هذه الأصوات والنداءات والمطالبات المشروعة، والتحذيرات الصائبة المعلنة جهارًا على الملأ والرؤساء والإداريين في دست الحكم والتشريع والمناصب الفارهة منذ عام ونصف ـ يَشعر أرباب الفكر والقلم والرأي والنصح والإرشاد والتحذير والتنبيه بكونهم في حالٍ أشبه بالغفلة أو التغافل، لا تعي، ولا تُبصر، ولا تُدرك، لأن ستائر صفيقة من الظلام والجهل والأميّة في ميادين المعرفة والإدارة قد حَجَبت عن أسماعهم وأبصارهم وأذهانهم حقائق الأشياء والأمور والخبائث وسوء المصير، ولأن فقر أو فقدان الإخلاص للواجب وللقَسَم الذي أدّوه لا يلتزمون به، بل تناسوه وجحدوه، وكأنهم غدوا أقرب ما يكونون إلى بيت الشاعر القائل :
تبًّا لمن يُمسي ويُصبح لاهيًا ومرامُه المأكولُ والمشروبُ وكما قال إبن جبير الرحّال:
عجبتُ للمرءِ في دنياه تُطمِعُه في العيشِ، والأجلُ المحتومُ يقطعُه يُمسي ويُصبح في عشواءَ يخبطُها أعمى البصيزةِ، والآمالُ تخدعُه ويجمع المالَ حِرصًا لا يفارقُه وقد درى أنه للغيرِ يجمعُه تراهُ يُشفقُ من تضييعِ دِرهمه وليس يُشفقُ من دينٍ يُضيعُه !
قضلاً عن كل هذه التوجيهات والتنبيهات والتحذيرات الصُحفية، ثمة رافد آخر للتوعية والإسماع والكشف والإيضاح، مصدره القنوات التلفازية التي تُسفر عن هموم الشعب المنكود، وسوء أحوال عيش نصفه في مستوى بدائي وضيع! ورافد آخر يحمل ما تفرزه مظاهرات الشعب الحاشدة من صيحات جهورية تبوح بالتظلّم والإمتهان والبؤس، ولكن مُنذرة وزاجرة وناشدة بالركون إلى الصواب والتهج القويم، والعدالة الإجتماعية، والمطالبة بالعلاج الناجع الذي آخره الكَي، غير أن الرؤساء والربابنة والإداريين ومن والَوهُم قديمًا وحاليًا كأنهم بلا حواس تدرك ما هم فيه من تخلّف في ميدان الخدمة الإدارية القديرة الصالحة، لأنها إدارة خائفة ممن هم حولها من متربّصبن ومتحفّزين للإنقضاض والعرقلة. فإدارة هذه صفاتها وهذه هِمّتها الواهية لا يُرتجى منها صلاح ولا إصلاح، ولا مداواة لعِلل، ولا شفاء لأمراضٍ وجراح!
غالبية الشعب العراقي لا تعرف المخططات السرّية الغربية لِما يُراد لأقطار الشرق الأوسط من سوء المصير والتمزيق والتقطيع لبلادهم، والعراق أولاً، منذ 1991، وبشكل أوضح في 2001 ثم 2003 ، وإذا عذرنا الغالبية العراقية وحتى الغالبية العربية في جهل حقيقة هذه المخططات الكارثية، فجهلها أو تجاهلها من قبل الساسة والحكام والرؤساء والفادة، كما من قبل كثير من المثقفين والقارئين والمؤلفين والإعلاميين في الوطن والبلاد العربية، الذين لا يقرأون الكتب التي ينبغي قراءتها ولا يسمعون الأقوال التي تستوجب سماعها، لمما يُلامون عليه. إذ هم الرعاة والربابنة والحُرّاس، يحتّم الواجب عليهم أن يزوّدوا أذهانهم بالمعرفة والإطّلاع الوافي على كل ما يُحاك للأوطان من وبيل المهالك والإفناء، وأن يقراوا الكتب الحديثة والمجلات التي تدلّهم على حقائق تلك المعلومات الخطيرة، ويضعوا تفاصيلها ومفرداتها نُصبَ أعينهم ويحتاطوا لدرئها، ويستعدّوا لصدّها وإفشالها بحنكة ودهاء وعزم لا يلين، وبذ ا لا يكون مصير وسائل المعرفة والإطّلاع والتحذير كمصير صيحاتٍ في الأودية، أو حرثٍ في البحر.! وبخلاف ذلك يصم التاريخ قصورَهم بوصمات لا ترحم.
في أوائل نيسان 2016 أُرسلتُ هذا المقال إلى الجريدة العراقية التي فضّلتها على كل الجرائد البغدادية اليومية منذ عام 2004، لكنها لم تنشره، وأعرضت عن نشر موادّي بعد نيسان 2016، مع العلم أنني كرّستُ جُلّ نتاجي الصحفي لهذه الجريدة منذئذٍ. واللبيب المتمعّن في قراءة المقال يدرك سبب الحجب الذي يؤكّد القصور المذكور في المقال، وخصوصًا الصادر عن إحدى وسائل الإعلام المقروء. 19 ـ 6 ـ 2018.
1135 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع