احمد طابور
اردوغان فوزه حتمية نهايته
تابع العالم الانتخابات التركية وبقلق شديد بين من يعتقد بان اردوغان منقذ الأمة ( الاسلام المتشدد ) وبين من يعتقد بان اردوغان مهلك الأمة ( الليبراليين والمنادين في الانضمام الى أوربا ) ، شخصيا كتبت منشورا في صفحتي بالفيس بوك قبيل الانتخابات مفادها بان اردوغان سيفوز الا ان فوزه سيكون طلقة الرحمة في حياته السياسية ولي أسبابي والمتعلقة ايضا ببعض امنياتي والمتمثلة :
لكل دولة وبالأخص الدول الكبرى وتركيا إحداهن هناك ما يسمى الدولة العميقة ، والتي هي بالضرورة من تحدد مسار البلد وبناء ستراتيجيته السياسية مستقبلا وتوجه دفة الدولة نحو ذلك .
قبل اكثر من ثلاثين عاما تغلغل الاسلاميون والذي يطلق عليهم النورسيون جماعة فتح الله غولن النورسي بين ثنايا وتفاصيل الدولة التركية ، ومع مرور الزمن اصبح التخلص منهم والحفاظ على العلمانية الاتاتوركية صعب جدا والتي من اهم ركائزها حصر الدين بالدولة وتوجيهه من خلال الدولة ، بيد ان النورسيين وبعض الجماعات الاسلامية الاخرى توغلت مجتمعيا واستطاعت ان تحقق مكاسب على ارض الواقع التركي بدون ان تكون للدولة يد فيها وهذا اقلق العلمانيون كثيرا ، وكان ظهور نجم الدين أربكان ناقوس الخطر عليهم ، ولكنهم-اي الدولة العميقة - استطاعوا الإطاحة به وفكروا فعليا في التخلص من هذا التغول النورسي بدون ان تثور ثائرة الشعب التركي فلابد من مسخ الإسلاميين من خلال حكومة إسلامية او شخص إسلامي ،ففكروا بافضل وسيلة وهي إيجاد شخص طموح وطماع وماكر يستطيع ان يبلع الإسلاميين ويتفرد في السلطة، فكان رجب طيب اردوغان ابن الأزقة الشعبية والمدعي الاسلام وصولا وانتهازا ضالتهم المنشودة وفعلا بدأت خطتهم تلك ، بدأ نجم اردوغان بالصعود بتحالفه الواضح مع النورسية ، وفعلا كان له ذلك بتربعه على عرش رئاسة الوزراء ومن ثم رئيسا للدولة والذي وضع رئيسا شكليا للوزراء يأتمر بأمره ، الا ان مرر التغيير الدستوري بوضع السلطة بيده كاملة كرئيس لتركيا ، وهذا كله بقبول الدولة العميقة .
اثناء فترة صعوده قامت الدولة العميقة بزرع الفتنة والشقاق بين اردوغان وجماعة النورسية مستغلة طموح اردوغان بالسلطة وفعلا نجحت بذلك من خلال ما يمتلكه النورسيون في السلطة على جميع الاصعدة وما امتلكه لاحقا اردوغان ، فمما فعلوا على سبيل المثال لا الحصر قيامهم بتسريب مكالمة بفساد بين اردوغان وابنه بلال حيث يخبره اردوغان بضرورة تصفير ما بحوزته من أموال نقدية والتي تتجاوز المئتي مليون يور ، وكذلك ناصبوا العداء لأردوغان في اكثر من مفصل خصوصا على الصعيد الإعلامي والمخابراتي ، فقام اردوغان بوضع خطة لتصفيتهم توجت بالانقلاب المزعوم والذي كان بترتيب من الدولة العميقة وخصوصا رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجالي والذي كان من أشد معارضي اردوغان وبين ليلة وضحاها صار من اهم حلفاء اردوغان والذي قضى بها اردوغان على جل النورسيين فيما بقى العلمانيون والليبراليون على حالهم بل عوضوا المناصب التي فقدت والتي كان يشغلها النورسيون وبذلك امتدوا مجددا في مفاصل الدولة .
وَمِمَّا ساعد ايضا بصعود نجم اردوغان الخراب الذي حدث بأكثر المناطق المجاورة كالعراق وسوريا والربيع العربي والذي ساهم بان تصبح تركيا كعبة المستثمرين واصحاب الأموال من العرب فضلا عن حجم المهول لصادرات تركيا لتلك البلدان وايضاً أوربا التي قدمت خلال السنوات المنصرمة الكثير من المنح والهبات لبناء المشاريع في تركيا ،وقد ساهم ذلك في رفع اقتصاد تركيا والذي يطرب له الأتراك بشدة وبغض النظر عن زيادة ديون تركيا من ٢٠٠ مليار الى ٦٠٠ مليار دولار فاصطف الأتراك مع اردوغان رغم انه مدعي الاسلام كمطية للحكم فلم يفعل شيء لمصلحة الاسلام الا فقط بالسماح للمحجبات في الدخول الى المدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية عدا ذلك فالقمار ازداد الى الضعف والربا على أشده من خلال الديون البنكية السالفة للذكر وغيرها في المشاريع المختلفة وبيوت الدعارة والخمر منتشرة بكثرة وهناك احصائيات تؤكد ذلك لمن يهمه امر المتابعة ، فاردوغان يعتاش على الأزمات وهو ممثل بارع بذلك ومثال على ذلك أزمة فلسطين مؤخرا زبد ورعد امام الكامرات وحصل على التأييد العاطفي الاسلامي وهذا ما يطمح له وفي ذات الوقت احبط حزبه الذي يترأسه حزب العدالة والتنمية مشروعا قدمه احد البرلمانيين بمقاطعة اسرائيل علما ان حجم التبادل التجاري بين اسرائيل وتركيا يفوق الأربعين مليار دولار سنويا .
اما الضربة القاضية فهي في القادم من الأيام وذلك بما سيقوم به اردوغان بعد ان مسك زمام أمور تركيا بالتخلص من كل نورسي صغيرا ام كبيرا فضلا عن المجاميع الاسلامية الاخرى ، حينها وخلال السنة الثلاثة ربما من ولايته ستقوم الدولة العميقة بضرب اقتصاد تركيا بالصميم وبذلك سينتفض الترك ضد اردوغان الوحيد والمتفرد في السلطة ، وذلك لان الشعب التركي أولويته اقتصاده ومن ثم قوميته ومن ثم الهويات الفرعية الاخرى وليس من امر اخر يطغي على تلك الأولوية الاقتصادية وبالتالي سيسقط اردوغان ويمسك العلمانيون الاتاتوركيون زمام الأمور مجددا بعد ان افرغ اردوغان لهم الساحة في تركيا وسيعاد صياغة تركيا الجديدة في ظل دولة علمانية مقبولة من الاتحاد الأوربي واميركا والذي ستدعم بقوة عكس ما يفعل الان مع اردوغان.
كما قال مونتسكيو " يبدأ انهيار الحكومات مع انهيار المبادئ التي أسست عليها "
776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع